انضمّ المصوّر اللبناني عصام عبدالله إلى الشهداء الصحافيين الذين استهدفهم العدو الإسرائيلي منذ بدء عملية طوفان الأقصى"، التي امتدّت إلى الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، حيث تندلع مواجهات متقطعة بين جيش الاحتلال وحزب الله اللبناني منذ الأحد الماضي.
وقتل الاحتلال الإسرائيلي، أمس الجمعة، المصوّر الصحافي الثلاثيني العامل في وكالة رويترز عصام عبدالله، وأصاب 6 صحافيين، بعد قصفه بلدة علما الشعب جنوب لبنان، وسط تأكيدات من الزملاء الذين نجوا من الاعتداء بأنّ الاستهداف كان مباشراً ومتعمّداً.
وبكى الوسط الصحافي عبدالله، وهو المعروف بجرأته وشجاعته واندفاعه لتصوير وتوثيق الأحداث، فكان في الصفوف الأمامية في المعارك والجبهات، وكان أكثر الداعين للالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة خلال التغطية، وهذه كانت آخر تمنياته لزملائه قبيل استهداف العدو المباشر له ولآخرين.
وشيّعت بلدة الخيام جنوب لبنان، اليوم السبت، عبدالله، وزفّته عريساً شهيداً، وذلك في مأتمٍ مهيبٍ شاركت فيه العائلة والأصدقاء والصحافيون وشخصيات سياسية. وعبّر الصحافيون عن حزنهم لرحيل عصام عبدالله وتركه الميدان باكراً، وبكوه بحرقة. وأكد زملاؤه الذين نفذوا وقفة مساء الجمعة في بيروت، لوداعه وتعزية بعضهم واستنكار الاستهداف، أنهم سينفذون أكثر من تحرك لعدم تجهيل القاتل.
وأصيب الصحافيان ثائر السوداني وماهر نزيه، من "رويترز" أيضاً، بجروح. وقال نزيه إن "صحافيين من رويترز ومؤسستين إعلاميتين أخريين كانوا يصورون إطلاق الصواريخ القادم من الجانب الإسرائيلي عندما أصاب أحدها عصام (عبدالله) الذي كان يجلس على جدار حجري منخفض قرب مجموعة الصحافيين، وبعد ثوان أصاب صاروخ آخر السيارة التي كانت تستقلها المجموعة، مما أدى لاشتعال النيران فيها".
وأصدرت وكالة رويترز بياناً جاء فيه: "بحزن شديد، تبلّغنا أن مصوّرنا عصام عبدالله قد قتل"، موضحة أنها "تعمل على جمع المعلومات" حول الملابسات، من دون أي إشارة إلى الجهة التي قتلته. وأضافت، في بيان ثانٍ، أنه "على الرغم من أن مؤسسات إعلامية أخرى، منها أسوشييتد برس والجزيرة، قالت إن الصواريخ كانت إسرائيلية، فإنها لم تتمكن من تحديد ما إذا كانت إسرائيل قد أطلقت الصواريخ بالفعل".
وفي مقابلة مع "رويترز"، اتهمت والدة عبدالله، فاطمة قانصوه، إسرائيل بقتل نجلها. وقالت: "قتلت إسرائيل ابني عمداً. كانوا جميعاً يرتدون ملابس الصحافيين، وكانت كلمة صحافة واضحة للعيان، ولا يمكن لإسرائيل إنكار هذه الجريمة".
وتعرّضت "رويترز" لانتقادات حادة، وتحديداً من الصحافيين الذين استنكروا تجاهلها تماماً ذكر مسؤولية إسرائيل في بيانها الأول، ثم تحاشيها توجيه الاتهام إليها لاحقاً، رغم تأكيدات الصحافيين في الميدان أن الاستهداف كان مباشراً ومن جانب الاحتلال.
وقال مراسل قناة إل بي سي آي اللبنانية إدمون ساسين، هو الذي كان في نقطة تمركز الصحافيين، إن الاستهداف من قبل الاحتلال الإسرائيلي كان مباشراً لأفراد الفرق الإعلامية الذين سقطوا ضحايا بين جرحى وشهيد، وإن إحدى السيارات احترقت، لافتاً إلى أن الموقع الإسرائيلي مواجه تماماً للنقطة التي استهدفت. وشدد ساسين على أن التغطية كان قد مضى عليها وقت، ومعروفٌ بشكل واضح أن الذين يقفون في هذه النقطة هم صحافيون وفرق إعلامية، وقد سقطت قذيفتان في الموقع، "المشهد كان مأساوياً ودموياً".
وأكد صحافيون كانوا موجودين في النقطة نفسها أنهم شاهدوا طيران "أباتشي" في الأجواء، وقد حصل قصف مدفعي، وآخر قذيفتين طاولتا الصحافيين، الأولى أتت بين الفرق الإعلامية، والثانية استهدفت السيارة.
وأصيبت كذلك المصورة في وكالة فرانس برس كريستينا عاصي ومصور الفيديو في الوكالة نفسها ديلان كولنز. وأصيب الصحافيان من فريق قناة الجزيرة كارمن جوخدار وإيلي براخيا.
وقال المدير العام للأخبار في وكالة فرانس برس فيل تشتويند: "نشعر بحزن بالغ إزاء مقتل وإصابة مجموعة من الصحافيين الذين يمكن التعرف إليهم بوضوح بأنهم كذلك، في أثناء قيامهم بعملهم". وأضاف: "نرسل تعازينا الحارة إلى أصدقائنا في رويترز لفقدان عصام، وتتجه أفكارنا إلى زملائنا المصابين في المستشفى".
وأصدرت شبكة الجزيرة بياناً أشارت فيه إلى أن إسرائيل "استهدفت مرة أخرى الصحافة باعتداء لإسكات الإعلام". وأضافت: "لقد استهدفت إسرائيل فريق الجزيرة، ولم تكترث بالتزامها كل معايير السلامة المعتمدة التي تميز الفرق الصحافية بوضوح، وتعرضت سيارة البث للقصف واحترقت بالكامل، رغم وجود فريقنا جنباً إلى جنب مع بقية طواقم الإعلام الدولي في مكان متفق عليه".
وأوعزت الخارجية اللبنانية إلى بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، اليوم السبت، تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، عن "قتل إسرائيل المتعمد للصحافي اللبناني عصام عبدالله العامل في وكالة رويترز، وإصابة صحافيين آخرين بجروح من وكالة الصحافة الفرنسية وقناة الجزيرة، مما يشكل اعتداء صارخاً وجريمة موصوفة على حرية الرأي والصحافة، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، من خلال استسهال قتل الصحافيين العزل ضحايا رغبتهم بنقل الحقيقة، والدفاع عنها بعدسات كاميراتهم وأقلامهم، ونقلهم لشريط الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في جنوب لبنان".
كما تضمنت الشكوى "شرحاً للاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة في الأسبوع الأخير، وما سببته من إصابات في الأرواح والممتلكات، وخرقاً مستمراً لسيادة لبنان ولقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أكد لبنان حرصه على تطبيقه والالتزام"، وحملت إسرائيل مسؤولية التصعيد الحاصل، وحذرت من أن "عدم وضع حد لما تقوم به إسرائيل سيشعل المنطقة بأسرها ويهدد السلم والأمن الدوليين ومصالح العالم أجمع".
وأكد الجيش اللبناني، اليوم السبت، أن عصام عبدالله استشهد بعدما "أطلق العدو الإسرائيلي قذيفة صاروخية أصابت سيارة لفريق إعلامي في علما الشعب".
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، اليوم السبت: "نحن على علم بالحادث. إننا ننظر في الأمر. لدينا بالفعل لقطات. ونجري استجواباً. إنه أمر مأساوي".
وأكدت المنسقة العامة لتجمّع نقابة الصحافة البديلة في لبنان، إلسي مفرّج، لـ"العربي الجديد": "لن نبقى صامتين عمّا حصل. لا يمكن أن يكون القاتل مجهّلاً، ويجب تحديد أن إسرائيل هي من قتلت عصام (عبدالله). سنوجه كتاباً لنقابة العمال والصحافيين في رويترز، من أجل أن تتحرك المؤسسة بدورها وتتخذ الإجراءات اللازمة، وندرس التحرك دولياً، وسيكون هناك وقفة الأحد أمام مبنى الإسكوا، في بيروت، لرفع الصوت".
وأضافت مفرّج أن "ما حصل استهداف مباشر ووحشي من إسرائيل للطواقم الصحافية بهدف إسكاتها. الرسالة واضحة: ممنوعٌ على أحد نقل صورة الاعتداء الوحشي لإسرائيل، سواء على الأراضي اللبنانية أو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وغزة. هذا الاستهداف يخالف القانون الدولي الإنساني وكل الحماية التي يعطيها القانون الدولي للصحافيين أثناء الحروب".
وبالفعل، وجّه التجمع، اليوم السبت، رسالة إلى رئيس قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، اللواء أرولدو لازارو ساينز، لطلب فتح تحقيق فوري وعاجل يوضح مقتل عبدالله وإصابة صحافيين آخرين، لا سيما أنهم كانوا يرتدون السترات الواقية التي كتبت عليها كلمة "صحافة" بأحرف بيضاء كبيرة. كما ذكر التجمع، في رسالته، أن "البيان الصادر من يونيفيل بشأن الجريمة كان غامضاً، ويتناقض مع ولايتها وفق القرار 1701/2006 الذي يتعلق برصد وقف العداء بين الجانبين".
وفي السياق نفسه، قالت الباحثة في مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (سكايز) في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع، لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس جديداً على آلة القتل الإسرائيلية استهداف الصحافيين بشكل متعمّد ومباشر، سواء في الجنوب اللبناني أو في فلسطين". وأضافت جربوع: "لا ننسى كيف قتلت واغتالت القوات الإسرائيلية، ومباشرة على الهواء، الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، واستهدفت طاقم قناة الجزيرة، في مايو/ أيار عام 2022. نحن فعلياً نتعامل مع جهة لا تقيم أي اعتبار للإنسان، سواء كان مدنياً أو صحافياً".
وذكّرت جربوع بالمصوّرة ليال نجيب التي قتلت عن 23 عاماً بغارة إسرائيلية أثناء تغطية حرب يوليو/ تموز 2006، إذ استهدفت إسرائيل السيارة التي كانت تقلها بصاروخ، عدا عن الإصابات التي طاولت الطاقم الإعلامي خلال تغطية تلك الحرب في لبنان. كما ذكّرت بالصحافي عساف أبو رحال الذي قتل عام 2010 في اشتباكات دارت بين الجيش اللبناني والعدو الإسرائيلي جنوب لبنان.
وأشارت إلى أن "هذه الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ترتقي إلى جريمة حرب بكلّ مقاييس القانون الدولي، والرسالة التي أرادت إيصالها هي تهديد مباشر لكل الصحافيين والطواقم الإعلامية الراغبة في نقل ما يحصل في الجنوب، والقول إن مصيرهم قد يكون القتل".
وبالنسبة للصحافي صهيب جوهر، فإن "كل صحافي ومصوّر يخرج من منزله ليغطّي في أماكن تشهد حروباً ونزاعات يحمل معه احتمالية ألا يعود، خصوصاً إذا كان مقابله خصم مثل إسرائيل". ورأى جوهر، في أثناء حديثه مع "العربي الجديد"، أن توافد زملاء عصام عبدالله، الجمعة، إلى منطقة المتحف في بيروت، حيث "عبروا عن حزنهم وغضبهم لخسارتهم زميلاً وصديقاً وإنسانياً مميزاً، رغم كل الظروف التي يمرّ بها الصحافيون في لبنان وغياب الدولة التام عن قضاياهم، ما يعكس أهمية التضامن والترابط الروحي بينهم".