كيف يمكن أن يؤثر الذكاء الاصطناعي على الصراعات؟

07 مايو 2023
كتب إريك شميت كتباً حول دور الذكاء الاصطناعي في الصراعات الجيوسياسية (لوكاس شولتز/Getty)
+ الخط -

 

حين أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن فرض قيود على بيع رقاقات الكمبيوتر الأكثر تقدماً إلى الصين، قدّم الإجراء جزئياً على أنه وسيلة لمنح الصناعة الأميركية فرصة لاستعادة قدرتها التنافسية. لكن كان لدى البنتاغون ومجلس الأمن القومي هدف ثانٍ: الحد من التسلح. 

تقوم النظرية على التالي: إذا لم يتمكن الجيش الصيني من الحصول على الرقاقات، فقد يبطئ ذلك جهوده الرامية إلى تطوير أسلحة تستند إلى الذكاء الاصطناعي. من شأن ذلك منح البيت الأبيض والعالم وقتاً لاكتشاف بعض القواعد الخاصة باستخدام هذه التقنية في أجهزة الاستشعار والصواريخ والأسلحة الإلكترونية، وفي النهاية، توفير الحماية من أسوأ الكوابيس التي لطالما استشرفتها هوليوود: روبوتات قاتلة مستقلة تنقلب على مبتكريها وتغزو العالم.

لكن الآن، مع الضبابية التي تحيط ببرنامج المحادثة الآلي الشهير "تشات جي بي تي" وغيره من برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، تبدو خطوة تقييد وصول الرقائق إلى بكين كأنها مجرد إجراء مؤقت. حين غادر بايدن اجتماعاً عقد الخميس في البيت الأبيض مع المديرين التنفيذيين لعمالقة التكنولوجيا الذين يكافحون للحد من أخطار هذه التقنية، كان تعليقه الأول: "ما تفعلونه ينطوي على إمكانات وأخطار هائلة".

هذا التصريح يعكس الإيجازات السرية الأخيرة حول دور الذكاء الاصطناعي في الحروب والصراع السيبراني، وحتى في اتخاذ قرار بشأن استخدام الأسلحة النووية، وفقاً لما قاله مساعدو بايدن في مجال الأمن القومي لصحيفة نيويورك تايمز، الجمعة.

ومع ذلك، فقد صرّح مسؤولو البنتاغون، في أكثر من ملتقى تكنولوجي، بأنهم يعتقدون أن فكرة التوقف لمدة 6 أشهر عن تطوير الأجيال المقبلة من "تشات جي بي تي" والبرامج المشابهة سيئة. لماذا؟ الصينيون لن يفعلوا ذلك، وكذلك الروس. وقال كبير مسؤولي المعلومات في البنتاغون جون شيرمان، الأربعاء: "إذا توقفنا (عن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي)، فاحزروا مَن لن يتوقف: أعداء محتملون في الخارج. علينا الاستمرار في التحرك".

تعليقه الصريح يبين التوتر الذي يشعر به قطاع الدفاع اليوم. لا أحد يعرف حقاً قدرة هذه التقنيات الجديدة عندما يتعلق الأمر بتطوير الأسلحة والسيطرة عليها، وليست لدى أحد أي فكرة عن نوع النظام الذي يمكن أن ينجح في السيطرة على الأسلحة، إن وجد. هل يمكن لـ"تشات جي بي تي" تمكين الجهات الفاعلة السيئة التي لم يكن لديها في السابق وصول سهل إلى التكنولوجيا المدمرة؟ هل يمكنه تسريع المواجهات بين القوى العظمى، ما يترك القليل من الوقت للدبلوماسية والتفاوض؟

"القطاع ليس غبياً، وكلكم تلاحظون جهوده لتنظيم نفسه"، علّق المسؤول السابق في شركة غوغل إريك شميت. وأضاف متحدثاً لـ"نيويورك تايمز": "تُجرى حالياً سلسلة من المحادثات غير الرسمية في القطاع بشأن ما قد تبدو عليه القواعد التي تؤمن الحماية من الذكاء الاصطناعي". شميت كتب مع وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر سلسلة من المقالات والكتب حول إمكانات الذكاء الاصطناعي في قلب الصراعات الجيوسياسية.

الجهود الأولية للحماية من هذه التقنية واضحة لأي شخص اختبر النسخ الأولية من "تشات جي بي تي". لن تجيب الروبوتات عن أسئلة حول كيفية إيذاء شخص ما بالمخدرات مثلاً، أو حول كيفية تفجير سد أو تعطيل أجهزة الطرد المركزي النووية، وجميع العمليات التي شاركت فيها الولايات المتحدة والدول الأخرى من دون الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي. لكن هذه الإجراءات لن تؤدي إلا إلى إبطاء إساءة استخدام هذه الأنظمة؛ هناك دائماً من يستطيع الالتفاف على القواعد.

وعلى الرغم من أن البرامج الجديدة قد أشاعت هذه القضية، فإنها ليست جديدة على البنتاغون. نُشرت القواعد الأولى لتطوير أسلحة مستقلة قبل عقد من الزمن، وأنشئ مركز الذكاء الاصطناعي المشترك التابع للبنتاغون قبل خمس سنوات، لاستكشاف كيفية استخدام هذه التكنولوجيا في المعارك.

بعض الأسلحة تعمل بالفعل تلقائياً. لطالما تمتعت صواريخ باتريوت، التي تسقط الصواريخ أو الطائرات التي تدخل مجالاً جوياً محمياً، بوضعية "تلقائية" تمكنها من إطلاق النار من دون تدخل بشري. لكن من المفترض أن يشرف عليها بشر يمكنهم إجهاض الهجمات إذا لزم الأمر.

الموساد الإسرائيلي اغتال "أبو القنبلة النووية الإيرانية" العالم محسن فخري زاده باستخدام مدفع رشاش مستقل بمساعدة الذكاء الاصطناعي، على الرغم من أنه يبدو أنه كانت هناك درجة عالية من التحكم من بعد. وأعلنت روسيا أخيراً أنها بدأت بتصنيع طوربيد نووي يعمل تحت البحر، لكنها لم تنشره بعد. إذا كان السلاح يرقى إلى مستوى الضجيج الروسي، فسيكون قادراً على السفر عبر المحيط وحده، والتهرب من الدفاعات الصاروخية الحالية، وذلك لإيصال سلاح نووي بعد أيام من إطلاقه.

حتى الآن، لا توجد معاهدات أو اتفاقيات دولية تتعامل مع مثل هذه الأسلحة المستقلة. وفي عصر يجرى فيه التخلي عن اتفاقيات الحد من الأسلحة بشكل أسرع مما يجرى التفاوض عليها، هناك احتمالية ضئيلة للوصول إلى حل، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".

لكن نوع التحديات التي يثيرها "تشات جي بي تي" وأمثاله مختلفة، وفي بعض النواحي أكثر تعقيداً. في الجيش، يمكن للأنظمة المشبعة بالذكاء الاصطناعي تسريع وتيرة القرارات في ساحة المعركة، أو القرارات المتخذة بشأن التنبيهات المضللة أو الكاذبة عن عمد للهجمات القادمة. وأوضح شميت قائلاً إن "المشكلة الأساسية مع الذكاء الاصطناعي في الجيش والأمن القومي هي التالي: كيف ترد على الهجمات التي تكون أسرع من صنع القرار البشري؟ أعتقد أن هذه القضية لم تحل. بعبارة أخرى، يأتي الصاروخ بسرعة كبيرة بحيث يجب أن يكون هناك رد تلقائي. ماذا يحدث إذا كانت هذه إشارة خاطئة؟".

رافقت الحرب الباردة قصص كثيرة عن التحذيرات الكاذبة. أشار بول شار، من مركز الأمن الأميركي الجديد، في كتابه الصادر عام 2018 بعنوان "جيش من لا أحد"، إلى أنه كان هناك "على الأقل 13 حادثاً نووياً وشيكاً من عام 1962 إلى عام 2002". لكن الذكاء الاصطناعي اليوم يهدد بدفع البلدان نحو اتخاذ قرارات أسرع. النبأ السار هو أنه من المرجح أن تكون القوى الكبرى حذرة، لأنها تعرف كيف سيكون رد فعل الخصم. لكن حتى الآن، لا توجد قواعد متفق عليها.

المساهمون