يمكن القول إن أعظم لاعبي كرة القدم هما البرتغالي كريستيانو رونالدو، والأرجنتيني ليونيل ميسي. النظريات التي تفسر لماذا يصبح بعض الرياضيين النخبة عملياً لا يهزمون لا تعود للقوة البدنية فحسب، بل لها تفسيراتها المقنعة أيضاً في علم النفس والأعصاب.
تقترح ورقة بحثية عنوانها "هل يستطيع دماغ ليونيل ميسي إبطاء مرور الوقت؟" أن الرياضيين النخبويين لديهم القدرة على توقع الخطوة التالية لخصومهم، قبل أن يقوموا بها. ويرى المؤلفان، راج بيرسود وبيتر بورغن، أن السبب الرئيسي وراء صعوبة إيقاف نجم كرة القدم الأرجنتيني هو أنه واثق من أن خصومه ليس لديهم الوقت الكافي. هذا لأن الحدث، كما تقول الحُجة، يمر في ذهن ميسي بصورة أبطأ، وتباطؤ الوقت يمكّنه من رؤية المزيد مما يحدث في الملعب.
ولكن، كيف لحدث معين يجري خلال فترة زمنية معينة، أن يكون أطول بالنسبة لشخص مقارنة بغيره، أو مقارنة بحدث آخر؟ يقدم مؤلفو دراسة عنوانها "الآليات النفسية والعصبية للتمدد الزمني الذاتي" تفسيراً، من خلال مثال يقترحون علينا تجربته بأنفسنا، عبر إلقاء نظرة سريعة على عقرب الثواني للساعة. على الفور، ستتوقف تكة الساعة مؤقتًا، ويبدو أنها استغرقت زمناً أطول من تكات الساعة اللاحقة، مع أنها جميعاً تدوم لثانية واحدة بالضبط. فالرياضيون مثل ليونيل ميسي، في ميدان اللعب، يرون ما يعادل عقرب الثواني، يعمل لديهم دائماً بشكل أبطأ من خصومهم.
ووفقاً دراسة تناولت المهارات الحركية التي يستخدمها ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، وجدت من خلال تحليلها لتسلسل تسجيل الأهداف، منذ اللحظة التي يتلقى فيها اللاعب التمريرة الأخيرة، إلى اللحظة التي يسجل فيها هدفاً، أن كلا اللاعبين، ميسي ورونالدو، يتوقعان بشكل أفضل تصرفات خصومهما، ما يؤدي إلى أن تكون فرص نجاحهم في الهجوم أكبر.
في ورقة عنوانها "اكتشاف البطء: حان الوقت لتفكيك عقلي غريتسكي وميسي التنبؤيين"، تقترح أن المثال الأرجنتيني سبقته حالة مذهلة لنجم الهوكي واين غريتسكي. فبين عامي 1979 و1999، حطم لاعب الهوكي الكندي العديد من الأرقام القياسية. على الرغم من عدم كونه نموذجاً جسدياً مثيراً للإعجاب، فعند محاولته شرح اختلافه عن اللاعبين الآخرين خلال المباراة، قال إن الوقت "متجمد" بالنسبة له. لعبة الهوكي، وفقاً لغريتسكي، تُعتبر بطيئة نوعاً ما، لأنه من خلال قراءته للمآزق الرياضية، غالباً ما يتنبأ بما سيحدث بعد ذلك.
القدرة على التنبؤ بما سيحدث ليست مفيدة فقط لنخبة الرياضيين، بل لها أهمية في حياتنا اليومية أيضاً. يعطي مؤلفو دراسة عنوانها "لماذا أتأخر دائمًا؟ نمذجة الآليات المعرفية الكامنة وراء التوقيت التوقعي في ظل عدم اليقين"، مثالاً: تخيل أن محاولة ضرب ذبابة تتطلب القدرة على التنبؤ بدقة إلى أين ستطير الحشرة ومتى، ونظراً إلى أن الذبابة تتحرك أسرع مما تستطيعه أنت. ففي الحياة، لا يجب أن تتفاعل فقط بشكل تلقائي مع حدث ما، ولكن يتوجب عليك أن تتوقع بشكل متكرر توقيت حدوثه، وتتخذ الفعل المناسب لسيناريو تعتقد أنه قادم.
كثير من المواقف المرتبطة بالحياة تشبه الرقص، إذا لم تكن جيداً في توقع حركة شريكك في الرقص، فستصطدم به. في تجربتهم على مجموعة من الأشخاص شاهدوا حركة الكرة، ثم اضطروا للتنبؤ بمكانها عندما تم حجبها عن الأنظار لفترة من الوقت، وجد مؤلفو الدراسة، أن هناك رابطاً بين قدرة الأشخاص على توقع الكرة بشكل صحيح، وبعض الجوانب الرئيسية الأخرى في حياتهم، المرتبطة بعلاقتهم مع الوقت، بما في ذلك ميلهم إلى التأجيل، والقدرة على التخطيط المسبق، وبدء المهام وإنجازها في الوقت المحدد.
تشير نتائج هذه التجربة إلى أن زيادة الوعي بمرور الوقت بشكل عام، حتى لو كان بصورة بسيطة، مثل إلقاء نظرة خاطفة على الساعة، في كثير من الأحيان، يمكن أن تساعد في تحسين الحدس لدينا، والتي قد تكون لها فوائد غير مباشرة على المجالات المختلفة للحياة، خاصةً إذا كانت لدينا مشكلة مع الوقت. ولكن ماذا لو كنت تريد أن تصبح جيداً مثل ليونيل ميسي أو رونالدو، في توقيت رد فعلك البصري، هل يمكنك جعل الوقت يتباطأ بالتدريب؟
تلفت دراسة عنوانها "التدريب على الرؤية الرياضية: مراجعة لأحدث تقنيات التدريب الرقمي" إلى وجود تاريخ طويل من الرياضيين الذين يمارسون الرياضة بشكل هادف في ظل ظروف أكثر صرامة، مما قد يواجهونه في مباراة فعلية، بغرض تطوير مهاراتهم. من استخدام الأضواء القوية في البيئات المظلمة، إلى النظارات التي يتم التحكم فيها رقمياً التي يمكن استخدامها في ظروف التدريب الطبيعية، عن طريق تعطيل الرؤية بشكل متقطع، يُسمح للأفراد فقط برؤية لقطات مختصرة لبيئتهم. لذلك فهم يتدربون في ظل ظروف أكثر صرامة، بما في ذلك خضوعهم لتجربة بصرية مشوشة.
أن تصبح رياضياً متميزاً، من وجهة نظر علماء النفس والأعصاب، لا يأتي مصادفة، ولكن بأن تخلق ظروفاً أكثر صرامة من المعتاد، لينمو الجسم والدماغ ويتكيفا استجابة للتحدي، ويصبحا أقوى وأكثر لياقة.