كيف أفلتت "البودكاست" من المعركة ضد التضليل؟

03 فبراير 2022
لا يزال برنامج جو روغان موجوداً على "سبوتيفاي" (سيندي أورد/Getty)
+ الخط -

سلّط المغني وكاتب الأغاني نيل يونغ الضوء أخيراً على قدرة المدونات الصوتية (بودكاست) على التأثير والتضليل الإعلامي، رغم انتشارها المحدود مقارنة بشبكات اجتماعية أخرى، انطلاقاً من مواجهته لمنصة "سبوتيفاي".

كان الموسيقي الأميركي-الكندي قد طلب من "سبوتيفاي" أخيراً حذف أعماله، معترضاً على بثها برنامج "بودكاست" واسع الانتشار يقدمه الأميركي المثير للجدل جو روغان. وانصاعت "سبوتيفاي"، متمسكة ببرنامج روغان الذي يطلق تصريحات ومزاعم عدة غير دقيقة، وتحديداً حول جائحة "كوفيد-19"، إذ لا يشجّع تلقي الشباب اللقاح المضاد لفيروس كورونا، بل يحثهم على اللجوء إلى الـ"إيفرمكتين"، وهو علاج غير مرخّص ضد الفيروس.

وانضمت الموسيقية الكندية جوني ميتشل إلى زميلها وصديقها يونغ، مطالبة "سبوتيفاي" بحذف أغنياتها. كما انضم إليهما البريطاني-الأميركي غراهام ناش ومغنية السول إنديا إيري.

وفي ظل وابل من الانتقادات وحركة مقاطعة على الشبكات الاجتماعية حيث انتشر وسم #DeleteSpotify (احذفوا سبوتيفاي)، أعلن رئيس المنصة السويدية الشهيرة دانيال إك عن تدابير جديدة لمحاولة تطويق الأزمة.

ويرى إك أن "سبوتيفاي" لا يمكنها أن تكون "في موقع الرقيب"، ولا ممارسة المسؤولية التحريرية في ما يتعلق ببث المحتوى. وكان قد صرح خلال الصيف الماضي بأنه "لدينا أيضاً مغنو راب يكسبون عشرات ملايين الدولارات (...) ولا نملي عليهم ما يجب أن يقولوه في أغنياتهم".

وبموجب القواعد الجديدة التي نشرت الأحد، ستُرفق المدونات الصوتية والبرامج المتعلقة بـ"كوفيد-19" برابط إلى صفحة معلومات تتضمن مصادر علمية تم التحقق منها.

ورحبت واشنطن بالقواعد الجديدة في "سبوتيفاي"، فقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، الثلاثاء: "نأمل أن تكون منصات التكنولوجيا الرئيسية ومصادر الأخبار الرئيسية كلها مسؤولة ويقظة، لضمان وصول الشعب الأميركي إلى معلومات دقيقة حول مسألة بأهمية كوفيد-19".

في الوقت نفسه، لا يزال برنامج روغان موجوداً على "سبوتيفاي". وكان قد رفض اتهامه بمحاولة التضليل ونشر الأخبار الكاذبة، وقال إنه لم يرد من برنامجه سوى "التحدث إلى الناس". وأضاف في مقطع فيديو على "إنستغرام" نُشر الإثنين: "أتعهد ببذل قصارى جهدي لتحقيق التوازن بين وجهات النظر الأكثر إثارة للجدل هذه وبين وجهات نظر الآخرين، حتى نتمكن من إيجاد وجهة نظر أفضل".

وقال إك للمستثمرين، الأربعاء، إن "من السابق لأوانه معرفة" تأثير الجدل حول برنامج جو روغان ــ الذي يبلغ متوسط عدد المستمعين إلى حلقاته 11 مليونا ــ على الشركة. إذ انخفضت أسهمها بأكثر من 10 في المائة في تعاملات ما بعد الإغلاق. وأعلنت الشركة إن إيرادات الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021 ارتفعت إلى 3 مليارات دولار أميركي، متجاوزة توقعات السوق.

وأوضح الصحافي توما أوشون، عبر قناة "أرتيه" الفرنسية الألمانية، أنه "ما دامت المنصات غير مسؤولة عما تبثه، فإن سياستها لن تتغير"، وأضاف "هم يؤكدون أن الأمر يتعلق بحرية التعبير، إلى أن يصبح ذلك مشكلة حقيقية"، متطرقاً إلى تعليق حسابات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على "تويتر" و"فيسبوك".

إلى ذلك، لم توفر منصة "آبل ميوزيك" فرصتها لإثارة غيرة منافستها "سبوتيفاي"، فبعد يوم من موافقة الأخيرة على حذف أعمال يونغ، نشر حساب "آبل ميوزيك" تغريدة ثبتها في رأس الصفحة، أطلقت فيها المنصة على نفسها اسم "منزل نيل يونغ"، وروجت لألبوماته في قسم التصفح الخاص بها، تحت شعار "نحبّ نيل".

وفي حين أن روغان لا مكان له على "آبل ميوزيك" إلّا أنّ منصة الشركة للمدونات الصوتية "آبل بودكاستس" تستضيف برنامج "بانونز وور روم" للمستشار السابق لترامب ستيف بانون، المعروف بنشر معلومات مضللة.

ومقارنة بالشبكات الاجتماعية وعدد مشتركيها الهائل، ظل تأثير الـ"بودكاست" محدوداً لفترة طويلة، رغم الارتفاع القوي في السنوات الأخيرة. ومن الصعب تخيل استمرار "سبوتيفاي" التي تضم 3.2 ملايين برنامج "بودكاست" في غض الطرف عن طبيعة محتواها، خشية أن تشكّل الحلقة الأضعف في مكافحة المعلومات المضللة.

فرنسا لا تزال متأخرة جداً عن الولايات المتحدة، حيث بات الـ"بودكاست" مجالاً اقتصادياً قائماً بذاته، لكن 33 في المائة من الفرنسيين يستمعون إلى مدونات صوتية، مقارنة بـ23 في المائة عام 2019، بحسب دراسة أجراها "المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع" وهيئة "هافاس باريس"، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. أشارت النتائج أيضاً إلى أن 74 في المائة من المستمعين غيروا بالفعل آراءهم أو وجهات نظرهم حول موضوع ما بعد الاستماع إلى "بودكاست".

وفي المنطقة العربية، ازدادت شهرة صناعة الـ"بودكاست" وصنَّاعه خلال العامين الأخيرين. ووفقاً لآخر استطلاع أجرته مبادرة "بودكاست بالعربي" لدعم المحتوى الصوتي العربي عام 2019 الذي شمل 661 مشاركاً، فإن أعمار مستمعي الـ"بودكاست" العرب تراوح بين 18 و34 عاماً، وبنسبة متساوية تقريباً بين الذكور (50.8 في المائة) والإناث (49.2 في المائة). وكانت الأغلبية من المتعلمين (حاملي شهادات البكالوريوس وما أعلى) بنسبة 80 في المائة. وبلغ عدد برامج الـ"بودكاست" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 464 عام 2019، وفقاً لـ"بودكاست بالعربي".

وبالإضافة إلى البرامج التي تتناول مواضيع الساعة، يثير نجاح البرامج التي تتمحور حول وجهة نظر مقدمها حصراً، وتؤدي إلى إحداث علاقة ثقة خاصة مع المستمع، تساؤلات مرتبطة بالأحادية الفكرية وغياب الرأي الآخر، وفقاً لوكالة "فرانس برس".

وهنا تكمن أهمية وضع القصص في سياقها من خلال مقدمة قصيرة، وفقاً للمنتجة التحريرية لبرامج الـ"بودكاست" في موقع Slate.fr الفرنسي سارة كوسكيفيك التي قالت لـ"فرانس برس": "قيل لنا في بعض الأحيان إن الناس لا يستمعون" إلى هذه الشروح، لكن يبدو أنه من المفيد "للغاية مرافقة المستمع في القصة، وتوفير مسارات للتفكير عبر دراسة أو عمل".

مع ذلك، على منصة تجمع بين المحتويات الاحترافية أو تلك المقدمة من هواة، فإن وجود ملايين ساعات الاستماع يجعل الإشراف مهمة صعبة للغاية.

المساهمون