تعمل جماعات الضغط وجماعات الرصد والتشهير الإسرائيلية وتلك المناصرة للصهيونية بشكل مكثّف منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ومن أشهر هذه الجماعات "أونست ريبورتنيغ" و"كاميرا" اللتان تعملان على التشهير والتحريض على كل من ينتقد جرائم الاحتلال الإسرائيلي أو يتعاطف مع الفلسطينيين، في أي مجال من مجالات العمل العام، سواء في السياسة أو الإعلام أو النشاط الإنساني والإغاثي. وبإمكان أي زائر للمواقع الإلكترونية التابعة لهذه الجماعات، أو غيرها، أن يرصد حجم التحريض على أفراد محددين، ما أدى إلى خسارة هؤلاء وظائفهم ومصادر دخلهم في أوقات كثيرة، أو حتى تعرضهم لتهديدات أمنية. موقع ثالث لا يقل أهمية في التحريض هو "كناري ميشن". تستخدم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية البيانات المنشورة على هذا الموقع الذي يقوم بالتشهير بمنتقدي الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومن بينهم يهود، لتمنع بذلك تطور حياتهم المهنية وحصولهم على فرص عمل جيدة.
ومنذ تأسيسه عام 2014، يقوم Canary Mission بجمع معلومات عن الطلاب والأساتذة الذين يدعمون فلسطين في جامعات الولايات المتحدة، وكذلك المنظمات الدولية، بما في ذلك وسائل الإعلام، وينفذ حملة للتشهير بهؤلاء الأشخاص والمنظمات باعتبارهم "معادين للسامية".
الموقع يعمل على وضع الطلاب والأساتذة وأي شخص لا يتفق مع إسرائيل أو مؤيد للفلسطينيين في ما يسميها "القائمة السوداء"، وينشر معلوماتهم الشخصية على الإنترنت من دون إذن.
وتتلخص أهداف الموقع في توثيق الأشخاص أو الجماعات الذين "يشجعون على كراهية الولايات المتحدة وإسرائيل واليهود، والبحث عن الكراهية ضمن أروقة السياسة في أميركا الشمالية، بمن في ذلك ناشطو اليمين واليسار المتطرف المناهضون لإسرائيل"، بزعم الموقع.
وتشمل القائمة الموجودة في الموقع التنظيمات الطلابية النشطة في الجامعات الأميركية، بالإضافة إلى العديد من المؤسسات مثل مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR)، وقناة الجزيرة القطرية.
وعلى الرغم من أن "كناري ميشن" يستهدف في المقام الأول الطلاب والأكاديميين والأشخاص المهاجرين المسلمين والعرب ومن مختلف الأعراق، إلا قائمته للتشهير تضم أيضًا يهودًا يعارضون احتلال فلسطين.
"كناري ميشن"... تشهير ومعلومات خاصة
وحتى إن بدت الملفات الشخصية التي ينشرها الموقع عن الأشخاص والمنظمات كأنها تعتمد على معلومات استخبارية مفتوحة المصدر، إلا أن بعض المعلومات التي ينشرونها تتكون من معلومات خاصة، فالملف التعريفي في الموقع للطالبة في جامعة ستانفورد إستر تسفايغ، وهي من أصل يهودي، يتضمن صوراً لها عندما كانت طفلة صغيرة، على سبيل المثال. وأعربت تسفايغ، في منشور لها عبر منصة إكس في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، عن سخطها إزاء التشهير بها. وقالت: "قررت غوغل أن (كناري ميشن) هو المصدر الأكثر موثوقية في ما يتعلق بهويتي، وهذا ما يحدث عندما نعتمد على الخوارزميات لكشف الحقيقة". فلدى البحث في محرك "غوغل" عن أسماء الأشخاص الذين شهّر الموقع بهم، تظهر المعلومات التي يقدمها الموقع اليميني المتطرف.
من جانبها، ذكرت زوي غاسبر، الطالبة اليهودية في كلية أوبرلين وعضوة منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام"، أنها شعرت بالانزعاج والخوف لدى رؤية ملفها التعريفي في موقع "كناري ميشن".
ولا يزال اسم مؤسس أو مؤسسي الموقع الذي انطلق عام 2014 مجهولاً.
ارتباطات استخبارية
في مقالته المنشورة في صحيفة The Nation في 22 ديسمبر/ كانون الأول بشأن أنشطة التشهير التي يقوم بها كناري ميشن، ذكر الصحافي الاستقصائي جيمس بامفورد أنه مثل جميع أنشطة التجسس الإسرائيلية في الولايات المتحدة، فإن ارتباطات الموقع مع الاستخبارات الإسرائيلية والممولين الأميركيين "سرية تمامًا".
وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في تقرير نشرته عام 2018، عن تحويل أموال إلى "كناري ميشن" عبر منظمة إسرائيلية تدعى "ميغاموت شالوم" (ليس لديها موقع إلكتروني أو متحدث رسمي).
وبحسب الصحيفة، فإن منظمة ميغاموت شالوم، المسؤولة عن تمويل الموقع، يديرها جوناثان باش المقيم في مدينة القدس ويمتلك شركة تدعى "رويال ريسيرش"، تقدم خدمات البحث وجمع البيانات. وذكرت أن باش ولد في الولايات المتحدة وعمل مع الحاخام اليميني المتطرف بين بيكر، الذي يعد أحد شركاء منظمة ميغاموت شالوم.
وفي أكتوبر عام 2018، كشفت صحيفة "فوروورد" المختصة بشؤون اليهود في الولايات المتحدة أن مؤسسة عائلة هيلين ديلر الأميركية، المدارة من قبل اتحاد الجالية اليهودية في سان فرانسيسكو، تبرعت بمبلغ 100 ألف دولار لموقع "كناري ميشن" عبر "ميغاموت شالوم".
وجرى تحويل التبرعات من خلال الصندوق المركزي الإسرائيلي (مقره نيويورك)، الذي يسهّل تحويل عشرات الملايين من الدولارات سنويا إلى منظمات مختلفة في إسرائيل مرتبطة بجماعات يمينية متطرفة ومستوطنات يهودية.
وبحسب "هآرتس"، فإن الاستخبارات الإسرائيلية تستخدم أنشطة التشهير التي تقوم بها "كناري ميشن" لتحديد الأسماء التي ستُمنع من دخول البلاد.
وتتعزز صحة ادعاءات استخدام الاستخبارات الإسرائيلية الموقع بشكل فعال من خلال توقيف الطالبة لارا القاسم وترحيلها بعد توجهها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2018 من أجل دراسة الماجستير في الجامعة العبرية في القدس، وذلك بعد أن كان موقع كناري ميشن قد شهّر باسمها.
تحريض على الطلاب
وفي 10 أكتوبر، اجتمعت التكتلات الطلابية في جامعة هارفارد بعد بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ونشرت رسالة مشتركة في صحيفة الجامعة هارفارد كريمسون تدعو للوقوف ضد إبادة الفلسطينيين.
وبعد الرسالة مباشرة، أعد موقع كناري ميشن ملفات شخصية لأعضاء هيئة تحرير الصحيفة، وقادة لجنة التضامن مع فلسطين بجامعة هارفارد والأندية الجامعية الأخرى الموقعة على الرسالة، ونشرها تحت عنوان "طلاب جامعة هارفارد يدعمون الإرهاب".
ويستهدف موقع "كناري ميشن" من يرفعون أصواتهم ضد الاحتلال والمجازر الإسرائيلية عبر 3 أشكال مختلفة، بداية ينشر الصور والمعلومات الشخصية للطلاب والهيئة التدريسية، ويعد ملفات خاصة لكل شخص.
وبعد ذلك، يجرى تعريف كل ملف خاص بشخص أو منظمة من خلال إلصاق تهم مختلفة به، مثل "معاداة السامية" أو "الوقوف ضد إسرائيل" أو "دعم الإرهاب"، ومحاولات "شيطنة" هذه الملفات الشخصية عبر حسابات معظمها مجهول على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأخيرًا، ينشر الموقع المنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي المتعلقة بالهجوم على الأشخاص الذين شهر بهم، ويدعم أصحابها، حيث إن معظم تلك المنشورات عبارة عن إهانة ومضايقات وحتى تهديدات بالقتل، ما يؤدي إلى خلق ضغوط نفسية على الأشخاص الذين تعرضوا للتشهير.
وفي 26 فبراير/ شباط عام 2018، تم تعليق حساب "كناري ميشن" على موقع "إكس" بسبب أنشطته على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنتهك بمعظمها شروط النشر على المنصة، ولكن جرت إعادة تنشيطه بعد يومين.
(الأناضول، العربي الجديد)