كتاب "دوستويفسكي والسينما المصرية"... استسهال بلا تحليل ولا عمق

12 فبراير 2022
رسم لرواية "الجريمة والعقاب" يعود لعام 1874 (Getty)
+ الخط -

دراسات كثيرة تناولت أعمال الأديب الروسي فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي (1821 ـ 1881) الذي شكّل علامة فارقة في تاريخ الأدب العالمي، بإبحاره عميقاً في النفس البشرية، كاشفاً نوازعها ومناحيها النفسية والعاطفية والعقلية، في الظروف السياسية والاجتماعية والروحية لروسيا القرن الـ19. المُدهش أنّها لا تزال تعبّر عن إنسان اليوم، فصارت أفكاره جزءاً من التراث الإنساني العالمي.

مع صدور كتاب "دوستويفسكي والسينما المصرية" لسامح فتحي (إصدارات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، الدورة الـ10، مارس/آذار 2021)، طُرح تساؤل: هل عثر فتحي على جديدٍ في تناول الموضوع، أم أنّ ما بين الغلافين "تحصيل حاصل"، وإعادة إنتاج لما سبق إنتاجه؟

بعد مقدّمات واستهلال عن أثر الأدب الروسي في الأدب المصري ـ بشكلٍ سطحي وغير متأن، ويفتقد التجسيد وتقديم نماذج وشروحات، إذْ اكتفى بجُمل بلاغية مُقتبسة من مراجع آخرين ـ اختار سامح فتحي 3 روايات لدوستويفسكي، لتناولها في كتابه (4 فصول، 116 صفحة): "الجريمة والعقاب" (1867) و"الشياطين" (1871 ـ 1873) و"الأخوة كارامازوف" (1880). لكنْ، إحدى المشاكل الأساسية للكتاب، أنّ فتحي لم يضع منهجاً علمياً، أو معياراً واضحاً يُبرِّر الاختيار، ولم يوضِح لماذا قرّر تركيز كتابه على هذه الروايات من دون غيرها، ولماذا تجاهل الروايات الأخرى المُقتبسة للسينما المصرية، كـ"الأبله" (1874)؟

الجريمة والعقاب

المُدهش أنّه عندما أراد قراءة كيفية تناول "الجريمة والعقاب" في السينما المصرية اكتفى بـ"الجريمة والعقاب" (1957) لإبراهيم عمارة، متجاهلاً "سونيا والمجنون" (1977) لحسام الدين مصطفى، و"المعتوه" (1982) لكمال عطية، و"فقراء لا يدخلون الجنة" (1984) لمدحت السباعي. لم يوضِحْ سبب اختياره الفيلم الأول، وما الذي يُميّزه عن غيره، ولماذا أسقط الأفلام الأخرى؟

لم يُشِرْ إلى الأفلام الـ3 الأخرى، كأنّها غير موجودة، بينما أشار ـ في تحليله "الشياطين" (1977) لحسام الدين مصطفى أيضاً ـ إلى نسخة البولندي أندره زولافسكي بعنوان "المرأة المُشاع" أو "المرأة العمومية" (La Femme Publique، إنتاج فرنسي)، والمسلسل التلفزيوني لـ"بي بي سي": لماذا يذكر الأجنبي، ويُسقط المصري، أساس الكتاب؟

يقول سامح فتحي إنّ سبب إصدار كتابه كامنٌ في دراسة تلك الروايات والأفلام المصرية المأخوذة عنها، "لتوضيح الفرق بين الأدب السينمائي والأدب الروائي عند التناول، وكيفية تمصير مثل تلك الروايات الروسية العظيمة". هل تُجيب صفحات الكتاب، حقّاً، على هذا التساؤل؟ وبأي شكل؟ ما المقصود بالفرق بين الأدب السينمائي والأدب الروائي؟ ولماذا لم يُقارِن بين الأعمال السينمائية المصرية المختلفة، المُقتَبَسة عن الرواية نفسها؟

الأخطاء الإملائية

شيءٌ آخر يُلفت الانتباه: كثرة الأخطاء الإملائية، وتكرار ألفاظٍ في جملة واحدة، وهذا دليل عدم المراجعة. لكنّ الأهمّ أنّ الكتاب يفتقد أسلوباً لغوياً موحّداً، وبصمة واحدة يُفترض بها أنْ تُميّزه. هناك أجزاء مُصاغة جيداً، وأفكارها واضحة، وألفاظ فيها تحمل رؤية بصرية وعمقاً، بينما أجزاء أخرى كثيرة تعاني ركاكة صوغ وضعف تعبير، ما يشي بأنّ الأجزاء المقتبسة من دراسات أدبية لمؤلّفين آخرين أقوى، والفقرات الأخرى إما أن فتحي نفسه صاغها، أو أنها منحولة من مقالات صحافية متواضعة عن الأفلام المذكورة.

في مقارنته بين رواية وفيلم "الجريمة والعقاب"، يقرّر فتحي ـ بتفكير أحادي ـ أنّ البيئتين الروسية والمصرية "تشتركان في عامل واحد أساسي، يكون الدافع إلى ارتكاب القتل والسرقة". هل هذا حكم صادق وموضوعي فعلاً؟ ثم يمدح الفيلم بأوصاف عامّة تفتقد التحليل، كأنْ يكتب مثلاً: "لم نجد انفلاتاً في طول بعض المشاهد والحوادث. كانت المشاهد مفضية لبعضها بسلاسة وجودة ودقة، ولم نجد تفصيلاً واحداً زائداً، أو أي مشهد مبتذل".

سطحية شديدة

تكتفي المقارنة بالأمور الشكلية، وتتسم بالسطحية الشديدة، إذ يُركز فتحي على السرد المُطوّل شبه التفصيلي للأحداث، وتصرّف الشخصيات، وأحياناً بصورة مُربِكة وغير مفهومة، مع ذكر الشخصيات المحذوفة، وأسمائها ونهاياتها، ودمج بعضها بالبعض الآخر، من دون تحليل واعٍ وعميق، ومن دون كشف دلالات وأبعاد هذه التغييرات وذاك الحذف التي لجأ صنّاع الفيلم إليها. مثلاً: لماذا أبقوا على حياة والدة الطالب، بينما نعلم أنها ماتت في الرواية، إذْ لم تحتمل خبر سجن ابنها؟ هل هذا لسبب درامي، كي تربّي الأطفال وترعاهم؟ إذا كان هذا هو المغزى الدلالي، فلماذا لم ترعهم سونيا، كما في الرواية؟ ولماذا تبدّلت النهاية، وتغيّر مكان إخفاء المسروقات من القناة إلى المقابر؟ لا يتوقّف سامح فتحي أمام هذه التساؤلات، ولا يبحث عما تحمله من دلالة رمزية، وأثرها على الدراما. هذا تكرّر بشكل أكثر فجاجة مع الفيلمين الآخرين، ليكون الكتاب نموذجاً يجب تدريسه في مجال الدراسات السيئة والضحلة التي تفتقد العمق والتحليل والمنهج.

المساهمون