كايت بلانشيت... أيقونة هوليوودية ذات أداء ساحر

23 يناير 2022
تبدو حياة بلانشيت مُزدوجة وحافلةً بأفراحٍ سينمائية كثيرة (تيزيانا فابي/فرانس برس)
+ الخط -

ليست المُمثّلة الأسترالية كايت ببلانشيت (1969) ـ التي ستُمنح "جائزة سيزار فخرية" عن مُجمل أعمالها السينمائية في النسخة الـ47 لجوائز "سيزار" الفرنسية (25 فبراير/ شباط 2022) ـ ممثّلة عادية باغتتها الكاميرا سريعاً في سراديب الحياة الأميركية فوجدت نفسها تحت أضواء الفنّ السابع، بل أيقونة شامخة ومُتماسكة وساحرة في الأداء السينمائي. قوّة أدائها كامنةٌ في صمتها ونظراتها وجمالها، فهي دائمة التألّق، تحضر دائماً في العالم بوصفها ممثلة أسترالية، تُثير جدلاً بلباسها وزينتها وطلّاتها وأعمالها.

هذا ليس أمراً خارج الصناعة السينمائية. فالأزياء والصُوَر والتعليقات والبرامج الفنية والمقابلات الإذاعية والحوارات الصحافية عناصر مهمّة، تُؤجّج الحدث فنياً، وتجعله سينمائياً في ذهن المُشاهد. تبدو حياة بلانشيت مُزدوجة وحافلةً بأفراحٍ سينمائية كثيرة. منذ فوزها بـ"أوسكار" أفضل ممثلة (2014)، عن دورها في "الياسمين الأزرق" (2013)، لوودي آلن، استحقّت أنْ تكون أيقونة سينمائية صامدة، فحجم الأدوار الكبيرة التي أدّتها في أفلامٍ هوليوودية يجعلها اليوم تتبوّأ منزلة كبيرة في وجدان المُشاهدين في العالم.

كثيرون يحبّون مشاهدة أفلامها، بقامتها المديدة وابتسامتها الصافية، كأنّها لم تبتسم يوماً، بل تحتفظ بها لعُشّاق السينما، إذْ تجعل الصورة تتوهّج وتتّسم بالبهاء. هذا حاضرٌ في أفلامٍ كثيرةٍ لها، بدرجاتٍ مُختلفة من الأداء والحضور، بحكم اختلاف مرجعيات النصّ، وصعوبة تحويل وقائعه إلى صُور سينمائية، تمُرّ عبر الجسد، وترصدها العين، وتنثر الكاميرا دلالاتها في شغاف هذه الروح.

إلى جانب أعمالها السينمائية، تحضر بلانشيت دائماً كمُساعدةٍ اجتماعية في لقاءات سياسية مختلفة. عام 2016، اختيرت سفيرةً للنوايا الحسنة، للمُفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فخصّصت وقتاً كبيراً من حياتها للعمل الميداني لدعم اللاجئين وحقوقهم في العيش الكريم في مناطق أخرى من العالم. رغم ذلك، لم تُهمِل السينما، بل ظلّت حاضرة فيها.

عملها كمُساعدةٍ اجتماعية ليس بذخاً سينمائياً بالنسبة إليها كنجمةٍ طامحة إلى شهرةٍ أكبر، بل هو نابع من مَوقفها وقناعتها الشخصية كمُمثّلة قريبة من وجدان الناس ومَشاغلهم اليوميّة. ورغم عشرات الجوائز، الحاصلة عليها كمُمثلة سينمائية، لا تُخفي بلانشيت، في مقابلات إعلاميّة عدّة، كرهها للجوائز التي لا تُظهر القيمة الحقيقية للفنان، كما تقول، بل تُدخله في مواضع غير سينمائية وغير مهنية، تجعله دائماً في خدمة أعيانها، من دون اتّخاذ أيّ موقفٍ من فيلمٍ أو حدثٍ فنّي أو جائزةٍ سينمائية.

بعيداً عن موقفها إزاء الجوائز، يزداد إعجاب لجان التحكيم بأدائها وسحرها لعشاق الفنّ السابع. اختيارها لمنحها "جائزة سيزار فخرية" غير مُرتبط بالسينما فقط، بل بمسيرتها الفنية في التلفزيون والمسرح، بموازاة أفلامٍ لا يزال حضورها عميقاً في المُتخيّل السينمائي الجمعي.

تتّسم أفلام كايت بلانشيت ببساطة مُذهلة في الأداء وبعدم التكلّف، يجعلانها تُقدِّم دائماً شخصيات واقعية، مع مَظاهر الجمال المُتبدّية عليها. أحياناً، يتفوّق جمالها على الشخصية الواقعية التي تؤدّيها، لأسبابٍ لا علاقة لها بضعف النصّ أو ارتباك الأداء. جمالها لا يخدم الصورة السينمائية دائماً، ما يجعل أفلاماً عدّة لها غير مُنسجمةٍ مع طبيعة شخصيتها، كما في "الحالة المُحيّرة لبنجامين بَتِن" (2008)، لديفيد فينشر، حيث تتبدّى الشخصية غير مناسبةٍ لصورتها، وفي "بابل" (2006)، لأليخاندرو غونزاليز إيناريتو.

هناك أفلام كثيرة نجح مخرجون عديدون في ضبط مرحلة الكاستينغ لها، فاختاروا بلانشيت شخصية رئيسية، رغم أنّ النقد السينمائي الأميركي لم يهتم بتفاصيلها السينمائية، نقداً وتوثيقاً، فظلّت الأفلام بعيدة عن المُتخيّل السينمائي العالمي، لأنّ النقد المعاصر يلهث دائماً وراء الجديد السينمائي، وما يحصل عليه من تتويجات وجوائز، من دون أنْ يمنح نفسه فُسحة تأمّلٍ في خصوصيّة بعض الأفلام، حتّى لو لم تحصل على جوائز.

فأهميّة الفيلم تبدأ من لحظة ممارسته سحره على المُشاهد، بعيداً عن أيّ جائزةٍ أو تظاهرةٍ فنّية أو عرضٍ عالمي. هذا حاصلٌ في أفلامٍ منسيّة لها، كـ"ملاحظات على فضيحة" (2006)، لريتشارد آير، و"حقيقة" (2015)، لجيمس فاندربِلت، المُغيّبَين في نقدٍ أجنبي كثير. لذلك، يبدو هذا الصمت إزاء أفلامٍ لها كأنّه حاجزٌ أمام فهم جرأتها وقيمتها وسيرتها كمُمثّلة، تنتقل بين الأدوار والشخصيات والأفلام بمهنيّة وتجريبٍ بصريّ.

المساهمون