بحضورها القوي وأدائها العالي المستوى تفرض الممثلة اللبنانية كارمن لبس نفسها واحدةً من أبرز نجمات الموسم الرمضاني الحالي، من خلال مشاركتها في مسلسل "عشرين عشرين" (من كتابة بلال شحادات ونادين جابر وإخراج فيليب أسمر)، حيث تؤدي دور امرأة مكتومة القيد تدير مجموعة بنات يعملن لصالح تاجر مخدرات وزعيم حيّ شعبي يؤدّي دوره قصي خولي. وما بين صلابة المرأة القويّة التي تشكّل الذراع اليمين لرجل المافيا وهشاشِة المرأة العاشقة المحكومة بالبُعد عن حبيبها (فادي ابراهيم) تمكّنت كارمن لبّس من تقديم شخصية "رسمية" بطريقة مقنعة ومؤثّرة استطاعت أن تنتزع عنها إعجاب الجمهور وثناء النقّاد على حدّ سواء.
وتعترف الممثلة المخضرمة في حوار خاص أجرته معها "العربي الجديد" أن العمل على هذا المسلسل لم يكن سهلاً "فتصويره انطلق العام الماضي وكان من المفترض أن يُعرض في رمضان 2020 على ما يدلّ عنوانه، إلا أن قيود الاقفال العام والظروف الاقتصادية الصعبة أرجأت عرضه الى الموسم الحالي". وعن شخصية "رسمية" التي تحصد جماهيرية لافتة تقول: "أؤدي هذه الشخصية للمرة الأولى وبطريقة جديدة ومختلفة عن أي شيء قدّمته سابقاً، وهي قاسية جداً وباطنية لأنها لا تعبّر عن عواطفها نتيجة الظروف التي مرّت بها. وفي مقابل حضورها القوي ودورها المؤثّر في أحداث العمل، إلا أنها في الوقت نفسه وكأنّها غير موجودة رسمياً لأنها من مكتومي القيد ولا تملك بطاقة هوية ولذلك يكون ولائها لـ "صافي" (قصي خولي) الرجل الذي أعطاها هويةً وكياناً".
كارمن لبّس التي تقف في هذا المسلسل للمرة الأولى أمام عدسة المخرج فيليب أسمر ترى أن " أسمر مخرج مبدع ومجنون فنياً". وتؤكّد: "أحبه وأحب عمله. ولكن كما في حال أي مخرج أتعامل معه للمرة الأولى، أحتاج إلى القليل من الوقت لاكتشف طريقة عمله، لكي يكون هناك تناغم بيننا في العمل، فالأمر الأهم بالنسبة إلي أن تكون العلاقة مع المخرج جيدة جداً وأن نفكر بالطريقة نفسها وفق خط واضح وواحد لكي نعطي الأفضل. وأنا سعيدة جداً بالنتيجة الجميلة على الشاشة، فهذا المسلسل استغرق جهداً كبيراً وقد أنجز في ظروف صعبة واستثنائية وأتمنّى أن ينال النجاح الذي يستحقه".
وعمّا إذا كانت ترى أن الدراما العربية بدأت تخرج من دائرة قصص الحب الوردية والسيناريوهات التقليدية باتجاهها أكثر نحو الغموض والإثارة، تقول: "لم تبدأ الدراما بالخروج من هذه القصص والمواضيع بشكل تام بعد، ولا أعني "عشرين عشرين" طبعاً كما أنني لا أعمِّم هذا الانطباع على المسلسلات كلّها. ولكن بنحوٍ عام ما زالت قصص الحب التقليدية والخيانة والحبّ والفراق هي الغالبة، وما زلنا لا نتعمّق أكثر وندخل في مجتمعاتنا لكي نخرِج قصصاً منها. فالدراما بالنسبة لي أداة قويّة جداً يمكنها أن تطوّر المجتمع لأن الناس تتأثّر بشكل أو بآخر بما تشاهد والاعمال الدرامية يمكنها تمرير الكثير من الرسائل بعيداً من المنحى التبسيطي المسطّح. ولكن هذا لا يحصل بالدرجة المطلوبة لأنّ بعض المنتجين يخشون من زوايا الطرح الجديدة ويتجهون إلى صيغ معروفة سابقاً فينفذّون صيغا مشابهة لها. حتى في قصص الحب لا نجد غوصاً عميقاً في المواضيع وكأن هناك توجيها للأمور بشكل محدّد، يتناسب مع توجّهات المجتمع الذكوري، فما زال الرجل يأخذ مكانته في الدراما كما في المجتمع".
وعن عدم بروز نفس نسوي ثائر في الأعمال الدرامية رغم الوجود الطاغي للكاتبات النساء تقول: "هذا الأمر مرتبط بما يريده المنتج. فأنا على سبيل المثال لدي ثلاثة نصوص هي فكرتي وكتابة حنان فضل الله لا تشبه أياً من الموجود على الساحة الدرامية، لكن المنتجين يخافون خوض هذه التجربة ويعتبرونها نصوصاً خاصة ويطلبون أفكارا معروفة، وهذا يسري على البرامج أيضاً، لكي يضمنوا نجاحها، فلا أحد يخاطر بإنتاج فكرة جديدة، والكاتب ليس من يقرّر بل المنتج والأخير يأخذ قراره بحسب ما تطلبه المحطات العارِضة، فحتى في الأدوار النسائية لا نشاهد تطوراً ملحوظاً لدى المرأة بشكل عام، وهذا لا يعني بالضرورة أن نشاهد أدوارا لنساء مناضلات ولكن يمكننا أن نرى شخصيات لنساء فاعلات في مجتمعهن وليس فقط أن تحبّ رجلاً ويحبها وتكون تعاني من مشكلات مع عائلتها، أو أن تؤدّي دور الشريرة والمرأة الخائنة، فليست هذه المشكلات الوحيدة الموجودة لدى المرأة بل لديها مشكلات أكبر وأهمّ بكثير".
وعن حفاظها على شغف التمثيل على الرغم من كل الصعوبات، تعترف أن "هذا الشغف هو ما يجعلني أستمرّ، فانا أعشق التحدّي وأترقّب دائماً الشخصية المقبلة التي سألعبها، وأعتقد أنَّ داخل كل ممثل طفا لا يرغب بأن يكبر، فأنا أذهب الى موقع التصوير كأنني طفلة تلعب "بيت بيوت" مع أصدقائها وما زلت أشعر بمتعة العمل وسحره وأدخل في تفاصيل الشخصية وأحملها معي إلى المنزل. ولكن الممثل يصل إلى عمر معيّن تصبح فيه كل الأدوار المعروضة عليه متشابهة، وفي حالتي أعني دور الأم التي تخاف على أولادها أو الأم الشريرة المتسلّطة، أي الأدوار التقليدية، لذلك أحاول أن أخلق وأجد تفاصيل جديدة في تأدية الدور لكي أشعر أنني أترك بصمة فيه على قدر استطاعتي. ولذلك أنا اليوم سعيدة جداً بدوري في "عشرين عشرين" الذي لا يشبه هذه الأدوار ولا أي شخصية قدمتها سابقاً. وربما الدور الوحيد الذي أرفض أن ألعبه هو دور المرأة الضعيفة والمكسورة فبالنسبة إليّ لا يوجد شخص ضعيف بل شخص يستضعف نفسه".
وعن سبب رفضها للعب دور المرأة الضعيفة، تقول لبس: "لأنّ خوفها من المجتمع ومن نظرة الناس إليها تدفعها في كثير من الأحيان إلى عدم القيام بشيء، في حين أن الإنسان الضعيف يُمكنه أن يثور على ضعفه إذا أيقن أنّه خاطئ في مكان ما. ولذلك يجب ألا تستسلم المرأة لوضعها مهما كان، وعليها ألّا تخاف من المجتمع ومن ردود فعله، بل يجب أن تحيا وفقاً لمبادئها وأن تكون وفيةً لحقيقتها ولقوّتها وأن تدرك أن في مجتمعاتنا درجة عالية من النفاق".