"قلق الماضي"... فن ليس على مزاج المموّل

18 يونيو 2024
عمل في قصر طوكيو للفنان هادي راناوارد (صفحة المعرض)
+ الخط -
اظهر الملخص
- اندلع جدل في الأوساط الثقافية الفرنسية بسبب قرار ساندرا هيغيدوس بسحب تمويلها لقصر طوكيو بباريس، احتجاجًا على معرض "قلق الماضي" الذي يركز على الفن والتغيرات الاجتماعية ويدعم القضية الفلسطينية.
- تحالف مؤسسات الفن المعاصر في باريس (DCA) أصدر بيانًا يدين ضغوط هيغيدوس ويؤكد على أهمية حرية المؤسسات الثقافية، مرفوضًا الأكاذيب المروجة على وسائل التواصل الاجتماعي.
- المعرض "قلق الماضي" يعرض قصصًا لأربعة مشاريع فنية كصور من صور المقاومة، مستكشفًا دور الفن كأداة للمقاومة والصمود، مستلهمًا من تجارب في تشيلي، جنوب أفريقيا، نيكاراغوا، وفلسطين.

تفجّر السجال، أخيراً، في أوساط المثقفين الفرنسيين حول قصر طوكيو، وهو من أهم المساحات المُخصصة للفنون المُعاصرة في العاصمة الفرنسية. أثير هذا السجال عقب سحب سيدة الأعمال الفرنسية ساندرا هيغيدوس تمويلها للقصر بعد 15 عاماً من الرعاية المستمرة، بسبب المعرض الحالي الذي يستضيفه حتى نهاية شهر يونيو/حزيران تحت عنوان "قلق الماضي".

يستكشف معرض "قلق الماضي" العلاقة بين الفن والتغيرات الاجتماعية، مع التركيز على الحركات المناهضة للإمبريالية والاستعمار في أماكن مختلفة من العالم بين ستينيات وثمانينيات القرن العشرين. وفي هذه السياق، يتطرق المعرض في جانب منه إلى أحد المشاريع الفنية التي أسسها فنانون فلسطينيون في المنفى لدعم القضية الفلسطينية.

في صفحتها على "إنستغرام"، اتهمت سيدة الأعمال الفرنسية قصر طوكيو بأنه يدعم وجهة نظر مؤيدة لفلسطين، ولا تعترف بحق إسرائيل في الوجود كما تقول. أضافت هيغيدوس، وهي واحدة من أبرز المؤيدين لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أنه من حقها سحب تمويلها من مؤسسة لم تعد تلبي تطلعاتها.

تعقيباً على ما ذكرته سيدة الأعمال الفرنسية، أدان تحالف مؤسسات الفن المُعاصر في باريس (DCA) الدوافع التي ساقتها هيغيدوس، واعتبروها محاولة للضغط على قصر طوكيو أو عقابه. لم يكتف التحالف بهذه الإدانة، إذ أصدر بياناً للتوقيع يعلن فيه رفضه للضغوط التي يمارسها أصحاب رؤوس الأموال على مؤسسات الفن.

دعت الرسالة التي وقع عليها حتى الآن أكثر من ألفين من الشخصيات الفاعلة في المجتمع الثقافي الفرنسي، إلى الحفاظ على حرية المؤسسات الثقافية حتى لا تفقد مصداقيتها وتأثيرها. كما اعتبر البيان أن الأكاذيب التي يُروَّج لها حول مؤسسات الفن المُعاصر على وسائل التواصل الاجتماعي تُشكل خطراً على عالم الفن والفنانين.

دافع البيان عن قصر طوكيو، معتبراً أنه من بين أهم المؤسسات التي لعبت دوراً محورياً في دعم الفنون المعاصرة ودعم الفنانين خلال العقدين الماضيين بمجموعة واسعة من الممارسات الفنية والمعارض الجادة. واعتبر البيان أن مهمة المؤسسات الفنية ليس إثارة الخلافات أو الانقاسامات أو التحيز لأحد الأطراف كما يدعي بعضهم، بل تسليط الضوء على النقاط الخلافية من منظور فني ونقدي، وهي مهمة في غاية الأهمية للمجتمع.

معرض "قلق الماضي" هو نتاج لبحث بدأته في عام 2008 الباحثتان والقيّمتان كريستين خوري ورشا سلطي. يستعيد المعرض قصصاً لأربعة مشاريع طموحة تأسست في أماكن مختلفة من العالم، ويستكشف الروابط بينها. المشاريع الفنية الأربعة تعود إلى متاحف في المنفى ظهرت إلى حيز الوجود بوصفها صورة من صور المقاومة والصمود في وجه الإمبريالية أو الأنظمة التابعة لها.

سينما ودراما
التحديثات الحية

استلهمت القيّمتان فكرة "قلق الماضي" من المعرض الفني الدولي من أجل فلسطين الذي أقيم في بيروت عام 1978 وكان نواة لمشاريع توثيقية أشبه بالمتاحف المتنقلة للفنون الفلسطينية. توسع المشروع البحثي لاحقاً ليشمل مشاريع مشابهة أقيمت في المنفى أسسها ناشطون من تشيلي في عهد بينوشيه، وجنوب أفريقيا أثناء نظام الفصل العنصري، ونيكاراغوا في أعقاب الانقلاب العسكري في السبعينيات.

يتخذ المعرض هيئة توثيقية، فهو لا يحتوي أعمالاً فنية بقدر ما يحتويه من صور ووثائق وقصاصات من صحف قديمة توقف بعضها عن الصدور. إلى جانب هذه الوثائق، استعان المنظمون أيضاً بتسجيلات شفهية مع عدد من الأشخاص المُشاركين في صنع هذه المشاريع الأربعة. جُمعت هذه الوثائق من لبنان والأردن وسورية والمغرب ومصر وإيطاليا وفرنسا والسويد وألمانيا وبولندا والمجر وجنوب أفريقيا واليابان. تستكشف هذه السجلات والوثائق شبكة متقاطعة من جهود التعاون والتداخلات المختلفة بين هذه المشاريع الأربعة، والتي آمن أصحابها بالفن أداةً للمقاومة والصمود.

تظهر الوثائق كيف استفاد المعرض الدولي للفنون من أجل فلسطين من تجربة متحف تشيلي في المنفي الذي أسسه المنفيون التشيليون بعد انقلاب عام 1973 على حكم سلفادور أليندي. وكيف ألهم المتحف التشيلي أيضاً مجموعتين مختلفتين من الفنانين تأسيس مشروع مشابه لفن نيكاراغوا في المنفى. تُظهر الوثائق أيضاً أنه حين أسس الفنانان إرنست بينيون من فرنسا وأنطونيو ساورا من إسبانيا مجموعة فن ضد الفصل العنصري، التي نظمت أكثر من 40 معرضاً في مدن مختلفة حول العالم، كان من بين منتسبيها فنانون من المجموعات الثلاث السابقة.

إلى جانب هذه المشاريع الأربعة، يتتبع المعرض أيضاً عشرات القصص لفنانين ومناضلين وأصحاب رؤى وحالمين نظّموا معارض في الأماكن العامة، أو أنشؤوا أشكالاً فريدة وغير معتادة للمتاحف من أجل التعبير عن القضايا التي كانوا يقاتلون من أجلها.

كريستين خوري باحثة لبنانية ذات خبرة في التاريخ الثقافي العربي وتاريخ الفن، وهي عضو في مجلس إدارة المؤسسة العربية للصورة في بيروت. تركز خوري اهتماماتها على تاريخ تداول الفنون وجمعها وعرضها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

رشا سلطي باحثة وكاتبة وقيمة فنية وسينمائية لبنانية تعيش وتعمل بين مرسيليا وبيروت. قيّمت سلطي برامج الأفلام في مؤسسات دولية عدة، وكانت من القيمين المشاركين في بينالي الشارقة عام 2011 ، وهي مؤلفة ومحررة للعديد من المنشورات والمطبوعات، ومن بينها كتاب "كنت سأبتسم: تحية لميرتل وينتر" بالاشتراك مع عصام نصار، وهو كتاب مكرس لإرث المصور البريطاني ومؤسس أرشيف صور أونروا.

المساهمون