عشية انتهاء الـ"برليناله الـ73": فراغ وهدوء يسبقان البحث في أمور الغد

27 فبراير 2023
غولشفته فرهاني وكريستن ستيوارت وأخريات: "قِفْ مع أوكرانيا" (أندرياس رنتز/Getty)
+ الخط -

 

مع انتهاء "السوق السينمائية"، المُقامة في الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/شباط 2023) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، تفرغ أمكنة كثيرة من ضيوفٍ وزوّار ومهتمّين/مهتمّات. صالة "قصر برليناله"، التي تشهد عروضاً صحافية قبل الظهر، واحتفالات السجادة الحمراء بعد الظهر، غير ممتلئةٍ كلّها، على غرار أيامٍ سابقة. نقّاد وصحافيون/صحافيات يغادرون، هم أيضاً، قبل أيامٍ قليلة على انتهاء الدورة الأخيرة هذه.

المشهد عادي، يتكرّر كلّ دورة، في كلّ مهرجان. "السوق السينمائية" أهمّ، تساهم في إثارة حيويةٍ وغليانٍ في أيام كلّ دورة، في كلّ مهرجان. مهرجاناتٌ تُنظّم سهرات ليلية كلّ يوم، فـ"تُضاء" المدينة بصخب نجوم/نجمات، وعاملين/عاملات في صناعة السينما. مهرجانات أخرى تُنظّم سهرات كتلك، لكنّ وهجها غير مؤثّر وغير لافت للانتباه، عامة. مهرجانات تبدو، اليوم، كأنّها غير معنيّةٍ بهذا الجانب. انتهاء "السوق السينمائية" في الـ"برليناله" (15 ـ 22 فبراير/شباط 2023)، قبل 4 أيام على انتهاء الدورة الأخيرة، بداية فترة أكثر راحةً وهدوءاً، خاصة أنّ صالات مجمّع "سينماكس"، القريبة من القصر، تُنهي بدورها تعاقدها مع المهرجان، فتتوقّف عروض أفلامه، مع نهاية أيام "السوق".

يقول زملاء إنّ دورة هذا العام "أخفّ حضوراً" من ذي قبل، وهذا غير مرتبطٍ بضيوف الـ"برليناله" فقط، بل أيضاً بـ"زحمة" أناسٍ يأتون من كلّ مكان، إلى ساحة بوتسدام ومحيطها، كسيّاح أو كأبناء المدينة. يصعب تفسير هذا. أعلام أوكرانيا مرتفعة على أبنية، بعضها تابع للدولة كما يتردّد، وهذا غير مؤكّد، كـ"التأكّد" من أنّ أعلام أوكرانيا مرتفعةٌ، هنا وهناك، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للحرب الروسية عليها (24 فبراير/شباط 2022). ذكرى تدفع نساءً، بعضهنّ مشاركات في لجان تحكيمٍ أساسية، إلى رفع لافتات التضامن مع أوكرانيا، تزامناً مع العرض الافتتاحي الأول لـ"حتى آخر الليل"، للألماني كريستوف هوهخُهويسلار، في يوم الذكرى السنوية الأولى، رغم أن لا علاقة له إطلاقاً بتلك الذكرى، بل فقط لأنّ عرضه الافتتاحي، مساءً، دافعٌ إلى ذلك.

"لوموند"، الصحيفة اليومية الفرنسية (الوحيدة غير الألمانية التي تُباع في مكتبةٍ صغيرة بالقرب من القصر)، تُصدر، في اليوم نفسه للذكرى، عدداً خاصاً. عدم معرفة اللغة الألمانية يحول دون التأكّد من مدى "احتفال" الصحافة الألمانية بتلك الذكرى، وكيفيته، إنْ يكن هناك احتفالٌ في الصحافة الألمانية.

 

 

كلّ شيءٍ هادئ، ظاهرياً. في الأيام الأخيرة من الدورة الـ73، يُغادر زملاء المهنة المدينة، وأصدقاء يودّعون أصدقاء، مع أمل لقاءٍ قريب، سيكون مهرجان "كانّ" السينمائي أقرب موعدٍ له، إذْ تُقام دورته الـ76 بين 16 و27 مايو/أيار 2023. لكنّ ارتباكات تحصل، لأنّ إفرازات واقعٍ ممتدّ على جغرافيا القارة العجوز، تحديداً، منذ عامٍ، تؤثّر سلباً على قرار حضور تلك الدورة. الأزمة ضاغطة، وتأثيراتها السلبية واضحةٌ لزملاء المهنة، الذين يُفترض بهم حجز أمكنة إقامة وبطاقات سفر قبل نهاية العام الماضي. بعض أولئك يصطدم بتغييراتٍ، ربما تكون متوقّعة، كأنْ يُلغى حجز استديو أو شقّة صغيرة قبل شهرين ونصف الشهر، تقريباً، ما يعني إمّا استحالة العثور على أمكنةٍ، وإمّا العثور على أمكنةٍ أخرى لكنْ بأسعار باهظة.

الغالبية الساحقة من النقّاد والصحافيين/الصحافيات السينمائيين، التي لا تُدعى إلى مهرجان "كانّ" على نفقته، وإنْ لأيام 3 أو 4، كـ"البرليناله"، غير عارفةٍ "ما العمل؟" إزاء مأزقٍ كهذا. المهرجان أساسيّ في المشهد السينمائي العام. لكنّ ارتباكات عدّة يُصاب بها مؤخّراً، فيحاول الخروج منها بأسرع وقتٍ، وبأخفّ الأضرار. إدارته، في الدورة المقبلة، فارضةٌ على مدعوين/مدعوات رسماً إلزامياً بقيمة 24 يورو، في إطار حملةٍ لحماية البيئة (؟). رسمٌ كهذا يُدفع قبل تقديم طلب الحضور، الذي (الطلب) ربما يُرفض، فيُعاد المبلغ إلى دافعه، كما يُقال.

كلّ هذا سيؤجّل، قليلاً. انتهاء الدورة الأخيرة للـ"برليناله"، أول دورة واقعية بعد أعوام كورونا، دافعٌ إلى تأمّل أهدأ بأفلامٍ، أكثر من التفكير بالمقبل من الأيام والمهرجانات، رغم أهمية تفكير كهذا، في عالمٍ تتبدّل أحواله، بكثرة وسلبية، كلّ لحظة.

المساهمون