في مثل هذا اليوم 31 ديسمبر/كانون الأول سنة 1898 وُلِدَ المبدعان: شاعر الأطلال إبراهيم ناجي وكوكب الشرق أم كلثوم. غير أنهما لم يلتقيا فنياً إلا سنة 1965 أي بعد وفاة ناجي بعشر سنوات، حين شدت أم كلثوم بأغنية "الأطلال" من ألحان رياض السنباطي، وهي القصيدة التي غيرت أم كلثوم معالمها، فبدلت في بعض ألفاظها، وحذفت من أبياتها، وأضافت إليها عدة أبيات من قصيدة أخرى، وذلك بمساعدة الشاعر أحمد رامي.
وبعيداً عن القصص المتعددة حول مناسبة القصيدة، فهي واحدة من روائع الشعر الحديث، ولذا اختارتها كوكب الشرق لترصع بها تاريخها الفني إلى جانب غيرها من الروائع. وبالتأكيد لم يكن في استطاعة أم كلثوم أن تغني القصيدة كاملة، فهي تقع في 125 بيتاً.
ولم يكن من عادة المطربين ذلك مع القصائد المطولة، لكن أهمية إبراهيم ناجي الأدبية لفتت نظر النقاد إلى ما فعلته أم كلثوم في الأغنية الناجحة، فأعادوا النظر في القصيدة لتقييم هذا الأمر بإعمال النظر في الأصل والصورة. وقد وصف هذا العمل أحياناً بأنه حمل تشويهاً لشاعرية ناجي، وهو رأي فيه من المبالغة والتشدد ما فيه.
ولقد استطاعت أم كلثوم نقل اسم ناجي من حيز النخبة المثقفة والمتأدبين التي تقرأ الدواوين وتفتش عن القصائد إلى ميدان الشعبية والشهرة الذي يغطي عالم أولئك البسطاء الذين لا يقرأون الشعر ولا يأبهون بالكتب. والحقيقة أن ناجي كان شاعراً بائساً في حياته ويزيد من بؤسه أنه لم يسعد بسماع قصيدته بصوت أم كلثوم، ولم ينتشِ عجباً وهو يشاهد الناس في مشارق العالم العربي ومغاربه تتغنى وتطرب لكلماته الرقيقة.
أما عن الألفاظ التي تغيرت في الأبيات المختارة، وهي تغييرات اختلف النقاد والمتذوقون لشعر ناجي على مدى التوفيق فيها؛ فتبدأ من البيت الأول الذي يقول: "يا فؤادي رحم الله الهوى" فغيرتها أم كلثوم إلى "يا فؤادي لا تسل أين الهوى". وفي قوله: "لك إبطاء الدلال المنعم، وتجني القدر المحتكم"، فإن التغيير كان أكثر قسوة حيث استبدلت كلمة "القادر" بكلمة "القدر".
يقول الناقد العراقي حارث الراوي: "وبين القدر والقادر ما بين العام والخاص، وكيف لنا أن نتلاعب بقصد الشاعر مثل هذا التلاعب الخالي من الأمانة والذوق؟". وفي قول الشاعر: "أيها الشاعر تغفو. تذكر العهد وتصحو"، فإن "الشاعر" تتحول إلى "ساهر". وفي قوله: "ومضى كل إلى غايته، لا تقل شئنا وقل لي الحظ شاء"، فقد تحولت عبارة الطلب "قل لي" إلى حرف التوكيد "إن".
أما التغيير الأكبر في العمل الفني، فكان بإضافة 7 أبيات من قصيدة "وداع" التي مطلعها في ديوان ناجي: "حان حرماني وناداني النذير، ما الذي أعددت لي قبل المسير". والأبيات المختارة من هذه القصيدة هي التي تبدأ في الأغنية بمقطع: "هل رأى الحب سكارى مثلنا؟!" إلى قوله: "وإذا الأحباب كل في طريق". ويبقى أن أم كلثوم بالرغم من ذلك استطاعت أن تجري شعر إبراهيم ناجي واسمه على كل لسان لمدة أكثر من نصف قرن، وهو ما لم يتح لمن لم يحظ بهذه الفرصة.
يذكر أن الأطلال لم تكن القصيدة الوحيدة التي غنت فيها كوكب الشرق لإبراهيم ناجي، فقد غنت له أيضاً في سنة 1969 قصيدته التي مطلعها "أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا" من ألحان رياض السنباطي.