في برنامج للأطفال... ثعلبة تطيح الرئيس البيلاروسي

06 أكتوبر 2020
الدب والثعلبة خلال البرنامج (يوتيوب)
+ الخط -

بعد تحوير إحدى أغنياته واستخدامها في الفعاليات الاحتجاجية، التحق برنامج الأطفال "كاليخانكي" (باللغة البيلاروسية: ترنيمة قبل النوم) الشهير في بيلاروسيا، بركب الاحتجاجات المناهضة لرئيس البلاد ألكسندر لوكاشينكو، وإن على طريقته الخاصة، إذ بث برنامج الدمى الذي يعرض على القناة الثالثة الحكومية، حلقة تروي قصة تنصيب الدب توبا نفسه ملكا واستيلائه على "أريكة الحكم"، رافضا تقاسمها مع "الثعلبة يانا"، لتنتهي الحلقة -التي تصادف موعد بثها مع يوم تنصيب لوكاشينكو السري نفسه رئيسا للبلاد في فترة حكم سادسة- بإطاحة الدب المستبد، وجلوس الثعلبة المرتدية ثوبا بألوان حركة الاحتجاج الحمراء والبيضاء، مكانه.
ورغم أن الدب توبا، شخصية إيجابية في السياق العام لبرنامج الأطفال الشهير، إلا أنه ظهر في حلقة مساء 23 سبتمبر الماضي أنانيا عنيدا رافضا كل الدعوات للعيش بهدوء بعيدا عن الأضواء وسحر السلطة، وهو اليوم الذي اتضح فيه أن الرئيس لوكاشينكو، نظم مراسم تنصيب سرية لتولي رئاسة البلاد لفترة حكم سادسة بعد إعلان فوزه سابقا في انتخابات فجرت احتجاجات واسعة منذ شهر أغسطس/ آب الماضي.
الحلقة التي بثتها محطة "بيلاروسيا 3" الحكومية، صورت لوكاشينكو على أنه ملك نصب ذاته دون رضى الآخرين، واستبد بكرسي الحكم، رافضا تقاسمه مع الآخرين. وبدأت مقدمة البرنامج الشهير الحلقة بالحديث مع "الثعلبة يانا"، بتوجيه سؤال حول من قام بترتيب كرسي مريح وعليه تاج، وأعد الزينة، لتعرب الدمية "يانا" عن رغبتها في الجلوس على كرسي القيادة المريح، لتجلس قليلا، لكن فرحتها لم تدم طويلا، لأن الدب "توبا" يظهر بمزاج سيئ ردا على هذا التصرف، ويرفض أن يجلس أي شخص في مكانه، ويزيح "الثعلبة يانا".
ورغم محاولات مقدمة البرنامج إقناعه بتقاسم الكرسي ومنح فرصة للآخرين للجلوس، وإغرائه باللعب معهم، أو تذوق الشطائر المفضلة، وعدم حصر نفسه بهذا المكان، يصّر الدب توبا على موقفه، ويقول: "أنا فقط يمكنني الجلوس هنا! ألم تروا التاج؟ ولا تضحكوا، أنتم تمنعوني من التفكير!"، العبارة التي رأى فيها الكثيرون إسقاطا على لوكاشينكو المتفرد بكرسي الحكم والرافض لفكرة التنازل عنه.


واشتعلت الاحتجاجات المطالبة برحيل لوكاشينكو، بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي تقول السلطات إنه حاز فيها أصواتا أكثر من 80 في المائة من الناخبين، لكن المعارضة تؤكد أن تزويرا مفضوحا شاب عملية فرز الأصوات، إضافة إلى إجبار الموظفين على التصويت لصالح لوكاشينكو حاكم البلاد الوحيد منذ 1994، والذي يوصف بالصحافة الغربية على أنه "آخر دكتاتور في أوروبا".
ولم يقتصر برنامج الأطفال على عرض "الدب توبا" في موقف الحاكم المستبد، بل انتهت الحلقة بسقوطه من فوق كرسي العرش، لتحتل مكانه الثعلبة يانا، التي ظهرت في الحلقة مرتدية فستانا باللونين الأبيض والأحمر، وهي ألوان العلم البيلاروسي القديم، الذي بات رمزا لحركة الاحتجاج المناهضة للوكاشينكو في البلاد. 
ونجح معدو البرنامج في عرض فكرة مكثفة ومبسطة للأطفال بإسقاطات بسيطة، مثل ارتداء الثعلبة يانا فستانا بألوان الحراك، وهي إشارة واضحة إلى شخصية منافسة لوكاشينكو في انتخابات الرئاسة، وقائدة الحراك الاحتجاجي سفيتلانا تيخانوفسكايا، التي غادرت البلاد عقب حصولها في الانتخابات على نسبة 10 في المائة من الأصوات، حسب النتائج الرسمية، وتقود منذ ذلك الحين الحراك المطالب بتنحي لوكاشينكو من ليتوانيا، التي يعتبرها الأخير إلى جانب بولندا ودول الاتحاد الأوروبي من المتآمرين على بلاده.

ورغم التطابق الغريب لأحداث برنامج الأطفال مع ما يدور في بيلاروسيا في الآونة الأخيرة، نفت مقدمة البرنامج، يلينا بيكرينيفا، عبر حسابها على "إنستغرام" صلة الحلقة بالأحداث السياسية، قائلة: "لن يصدقني أحد، ولكن هذا البرنامج قديم"، إلا أن تعليقها سرعان ما اختفى من موقع الإنترنت. ولم يعلق كتاب السيناريو في البرنامج ولا قناة بيلاروسيا الثالثة على ما يحدث حتى الآن.
ومعلوم أن عددا كبيرا من الإعلاميين ساندوا الحراك في الشارع، واستقال بعضهم احتجاجا على قمع المتظاهرين، وفي بداية التظاهرات تعطل عمل كثير من البرامج السياسية والترفيهية. وفي وقت لاحق تحدثت تقارير أن محطة التلفزة استعانت بمئات معدي البرامج والفنيين من روسيا مقابل عقود بأسعار مرتفعة لتغطية العجز في الكوادر الإعلامية الداعمة للوكاشينكو.   
ومن اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ربط برنامج "كاليخانكي" بالحراك الاحتجاجي ضد لوكاشينكو، إذ ظهر بداية الشهر الماضي تسجيل فيديو، يغني فيه محتجون في ميدان الاستقلال بالعاصمة مينسك، أحد ترنيمات برنامج الأطفال، بعد تحوير كلماتها لتتناسب مع موقفهم الرافض لبقاء لوكاشينكو في حكم البلاد إلى الأبد.

المساهمون