في أنّ المونديال "شيطانٌ عمره شهر"

31 أكتوبر 2022
فوزي يمين بين غسان الخوجة (إلى اليسار) ووسام تيّم: ذكريات وتوثيق (الملف الصحافي)
+ الخط -

"شيطان عمره شهر" وثائقي قصير (13 دقيقة) للّبناني غسان الخوجة. منذ 4 أعوام تقريباً، يبدأ الاشتغال عليه. الحاصل في البلد منذ "انتفاضة 17 أكتوبر" (2019) يُعيق إنجازه بسهولة. التأخير منبثقٌ من حاجةٍ إنتاجية، والحاصل إضافة سلبية على إنهائه.

هذه تفاصيل جانبية، تعكس مُجدّداً بعض ما يواجهه تحقيق الأفلام في لبنان، وإنْ يكن طموح الأفلام متواضعاً وبسيطاً. تاريخ إنتاج "شيطان عمره شهر" عائدٌ إلى عام 2020. الصعوبات معروفة، والآن يحين وقت العرض، في مناسبة أدبية، فالفيلم لقاءٌ مع اللبناني فوزي يمّين، الشاعر والأستاذ الجامعي، عاشق كرة القدم، ومؤلّف كتابٍ عنها، عنوانه "في انتظار الانفجار الآتي" (دار سائر المشرق، بيروت، 2016). الوثائقي القصير مبنيٌّ على فصلٍ منه: "المونديال، شيطان عمره شهر"، ويمّين نفسه يُصدر كتاباً جديداً، بعنوان "استراحةٌ بين شوطين، عن كرة القدم أثناء الحرب اللبنانية 1975 ـ 1990" (منشورات المتوسط، ميلانو، 2022)، سيُحتفل به في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، في "المسرح البلدي" في زغرتا (شمالي لبنان).

الاحتفال بالكتاب الجديد لاحقٌ على عرضِ "شيطان عمره شهر". اللقاء المُصَوّر مع فوزي يمّين (تصوير وتوليف وسام تيِّم) معاينة للعلاقة القديمة بين الشاعر وكرة القدم. الشاعر يُشارك في المنتخب اللبناني في تصفيات كأس العالم عام 1994. مباراة مع كوريا الجنوبية تكشف الفرق الكبير بين منتخبها والمنتخب اللبناني، لصالحها. كلام يمّين محصورٌ بكرة القدم، لكنّ فيه شيئاً من قراءة تلك الرياضة، وصناعتها وتحوّلاتها ومآزقها، لبنانياً ودولياً. فيها بعضُ ذاته أيضاً، وأول لقاءات له معها، وكيفية تعرّفه إلى البلد، "من وراء زجاج الباص"، الذي ينقله إلى مدنٍ خارج مدينته الشمالية، زغرتا. يقول إنّ كرة القدم سببٌ لاكتشافه الطائفية في بلدٍ تنخره بقوّة.

لن يتوغّل يمّين في السياسة والطائفية، بقدر ما يحدّد كلامه في الرياضة ومساراتها وتبدّلاتها. مع هذا، لن يتجاوز السياسة والطائفية كلّياً، في بلدٍ غارقٍ فيهما بكلّيته وبجوانبه كلّها. الذاتيّ معقودٌ على عيشٍ ومراقبة وتحليل. البدايات عائدةٌ إلى كأس العالم 1974، والمباراة الأشهر حينها بين منتخبي ألمانيا الغربية وهولندا، وفوز الأول ضد الثاني (2 ـ 1)، الذي (الثاني) يُشجّعه يمّين حينها. لقطات من المباراة النهائية، والهدف الهولندي السابق على هدف الفوز الألماني. الكأس المرفوعة. الاحتفال العالق في أذهانٍ كثيرة إلى اليوم. يقول يمّين إنّه سيحصل على شريط "في. أتش. أس." ليُشاهد المباراة، غير المُشاهِد لها مباشرة. يقول إنّه سيُعيد المُشاهدة كثيراً، إلى درجة أنْ الشريط نفسه يبدأ بالتحلّل. يقول إنّ كلّ مُشاهدة له تجعله يتمنّى فوز المنتخب الهولندي، رغم معرفته بالنتيجة. شيءٌ من مرارةٍ مغلّفة بسخريةٍ مُحبَّبة، فعاشقُ منتخبٍ يرى في المُشاهدة المتكرّرة لمباراة الخسارة متنفّساً لتمنّياته بفوز يتحقّق في حلمٍ.

 

 

في فيلمه هذا، يُنجز غسان الخوجة عملاً متواضعاً وبسيطاً، يوثِّق شهادة شاعر وأستاذ جامعي، ولاعب كرة قدم، إزاء رياضةٍ تُصبح، منذ سنين عدّة، هاجساً لملايين الناس. يقرأ يمّين نصّاً له عن ذاك "الشيطان" الذي "عمره شهر"، في أمسيةٍ يُصوّرها الخوجة ـ تيِّم: المونديال "يُلبِسنا قمصانه وشورتاته/ يشكُّ في رؤوسنا/ ويُفلتنا للرقص المجنون/ صُوره الجالسة في بيوتنا قرب صُور أجدادنا وأولادنا وأحفادنا/ ملوّنة طازجة كأنّها طالعة للتوّ من بطون الكاميرات". يقرأ أيضاً: "أنصاره المزروكون داخل البيوت وفي المطاعم والمقاهي (...)/ وهم بدورهم كتبوا السهر على السهر/ فوق أعينهم المفتوحة التي لا تفوتها لا شاردة ولا واردة/ حتى إذا ما اقتربوا من نصف إغماضة في وقتٍ متأخّر من الليل/ أجفلهم صوت المعلِّق الذي يرتفع فجأة/ إثر تسديدة مباغتة دخلت المرمى".

فوزي يمّين، أمام كاميرا الخوجة ـ تيّم، غير مُكتفٍ بالشعر، في سرده حكاية شخصية له مع كرة القدم، تتعمّق في ممارسته أكثر أنواع الرياضة شعبيةً في العالم. يُدخِل تأمّلات في تأثيرات الكرة في ذاتٍ وروح، وفي فردٍ وجماعة. يرى، بعينين مفتوحتين على وقائع ومشاعر وتفكير، أنّ الجميل في اللعبة يتمثّل بذاك "الشغف الذي لا حدود له، وأحياناً لا منطق له ولا دين له ولا ربّ له". في قولٍ سابقٍ على هذا، يرى يمّين أنّ الإنسان يحتاج إلى "اللامنطق"، لأنّ "حياته المنطقية، كما هي مُركّبة"، يُحِبُّ أنْ يخرقها، وأنْ يطلع منها.

صناعة اللعبة/الرياضة، في راهنٍ عالمي، هاجسٌ له. كلامه محمَّلٌ بتحليل مختصر ومُكثّف. الكاميرا تُصوِّر الظاهر وتلتقط بعض المبطّن. هدوء يمّين أمام العدسة يُخفي حماسة وغلياناً يظهر بعضهما في لحظة مُشاهدة مباراةٍ تجري وقائعها على شاشة تلفزيونية غير ظاهرة في الفيلم (كأس العالم 2018). تسجيلات مُصوَّرة لمباريات قديمة، وأخرى لشبانٍ وشابات في مقاهٍ وشوارع، يرفعون أعلاماً، ويُعلنون حماسةً لفريق دون الفرق الأخرى.

التصوير مبسَّط، فـ"شيطانٌ عمره شهر" يوثِّق بعض ما يعتمل في ذات فوزي يمّين وعقله وانفعاله، ولهذا البعض نصوصٌ مكتوبة ومنشورة.

المساهمون