تصدّر فيلم "الأطباء الصينيون" شباك التذاكر في الصين، محققاً أرباحاً قياسية هي الأعلى منذ مطلع العام الحالي. وبحسب منصة التذاكر الصينية "ماويان" حقق الفيلم خلال الأسبوع الأول من عرضه إيرادات بلغت 422 مليون يوان (65.2 مليون دولار) متفوقاً على فيلم "1921" الذي جاء في المرتبة الثانية بقيمة 18.2 مليون دولار، وفيلم "الرائد" في المرتبة الثالثة بقيمة 6 ملايين دولار، وهما فيلمان يمجدان الحزب الشيوعي الصيني بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لتأسيسه.
تدور أحداث الفيلم حول مكافحة فيروس كورونا في بؤرة الوباء، مدينة ووهان، تحديداً في مستشفى "جينينتان" الذي استقبل الإصابات الأولى مطلع عام 2020. وهو من إنتاج شركة "بونا فيلم" وإخراج أندرو لاو، وتمثيل عدد من الفنانين الصينيين البارزين، منهم: جان هان يو، الذي أدى دور مدير المستشفى، وجو يا ون، بالإضافة إلى الممثلتين يوان تشوان، ولي تشن. ويستند سيناريو الفيلم إلى أحداث حقيقية خلال معركة ووهان المبكرة في مكافحة الفيروس، ويظهر الدور البطولي الذي قامت به الكوادر الطبية قبل إعلان حالة الطوارئ في البلاد، ويركز على مجموعة من الأطباء في المستشفى المتخصص بالأمراض المعدية، والذي لم يكن مهيأً لاستقبال أعداد كبيرة من المصابين، ما استدعى استنفار الكادر الطبي ومواصلة عمله على مدار الساعة، قبل وصول إمدادات (معدات وكوادر طبية) من مدن ومقاطعات أخرى.
وخلال 129 دقيقة (مدة الفيلم) يحبس المشاهدون أنفاسهم، وهو يتابعون حالة التوتر والارتباك داخل المستشفى، وكيف كان الأطباء والعاملون معهم يسابقون الزمن من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن من أرواح المرضى، ممن كانوا يعانون من صعوبة في التنفس بسبب الالتهابات الرئوية الحادة الناجمة عن الإصابة بالفيروس. على الرغم من الإيرادات الكبيرة التي حققها الفيلم، فإنّ نقاداً اعتبروه مجرد دعاية تلعب على وتر العاطفة، لتسويق نجاحات الحزب الشيوعي الصيني في مكافحة فيروس كورونا، بعيداً عن حقيقة الأحداث ومأساويتها في مدينة ووهان. ويرى هؤلاء أنّ الصين تحاول من خلال هذا العمل خلق رواية إيجابية مضادة بشأن مكافحة الوباء، لمواجهة الرواية الغربية التي تحمّل السلطات الصينية المسؤولية عن تفشي الجائحة في العالم، وكذلك التأكيد على نجاعة الإجراءات الصارمة التي اتخذها الحزب بحق المواطنين في أعقاب الانتقادات الدولية لمسألة الحجر الصحي الإلزامي الذي طاول مئات الملايين من السكان.
حول هذه الحيثيات، قال الناقد الفني المقيم في هونغ كونغ، جانغ لو دونغ، في حديث مع "العربي الجديد": "بعيداً عن الصبغة الحزبية والاعتماد بصورة أساسية على إثارة المشاعر والعاطفة لدى المشاهدين، فإنّ الفيلم أغفل الجانب الأهم في معالجته الدرامية لجائحة كورونا، وهو البعد الواقعي. في الأعمال السينمائية لا يمكن أن تبدأ من الخطوة الثانية، هناك دائماً نواة لأيّ قصة. وما دمتَ قد بدأت من الخطوة الثانية، فلستُ مضطراً لتصديق روايتك حتى وإن تسببت في بكاء ملايين المشاهدين". وأضاف: "يكفي الاطلاع على توقيت عرض الفيلم الذي تزامن مع احتفالات الصين بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي، فضلاً عن إشراف لجنة الصحة الوطنية التابعة للحكومة، والمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، إلى جانب إدارة الأفلام الصينية، على العروض، لتدرك أنّ العمل دعائي بامتياز، وهو ضمن ثلاثة أفلام وصفت بأنّها ثلاثية النصر المنسوب دائماً للحزب الشيوعي".
الصين تحاول من خلال هذا العمل خلق رواية إيجابية مضادة بشأن مكافحة الوباء، لمواجهة الرواية الغربية
ولفت جانغ، إلى أنّ العديد من المشاهدين، توقعوا أن يحصلوا على إجابات من الفيلم حول الإصابات الأولى بالفيروس في مدينة ووهان، وسبب تأخر الاعتراف بها، ودور طبيب العيون الصيني لي ون ليانغ، الذي كان أول من حذر من الفيروس، قبل أن يتلقى توبيخاً من السلطات بحجة إثارة الشائعات والإضرار بالنظام العام (توفي الطبيب في وقت لاحق مصاباً بالفيروس).
من جهته، قال المنتج السينمائي تشيانغ ميغ، إنّ الفيلم رؤية بانورامية للمعركة التي خاضها جيش الأطباء في مدينة ووهان ضد فيروس كورونا، إذ كان مستشفى "جينينتان" خط المواجهة الأول مطلع العام الماضي. وأضاف في حديثه مع "العربي الجديد" أنّ العديد من الصينيين لم يكونوا على دراية بما حدث في تلك الأثناء داخل المستشفى، وكيف كافح الأطباء من أجل انتزاع الحياة من فكي الموت، هذه التفاصيل الصغيرة التي رصدها الفيلم، رغم مرارتها ساهمت بشكل كبير في الاستقرار الصحي الذي تنعم فيه الصين اليوم، على حدّ وصفه.
وأشار إلى أنّ القائمين على الفيلم تحدثوا قبل صناعته مع خبير الأوبئة البارز، جونغ نان شان، الذي لعب دوراً رئيسياً في مكافحة فيروس كورونا في الصين، واستمعوا لآرائه وتجربته. وبعد إنجاز العمل، وجهوا دعوات لعشرات الآلاف من الكوادر الطبية لحضور العرض الأول، وقد تأثر من حضر منهم مستحضرين تلك اللحظات العصيبة التي عايشوها أثناء انتشار الوباء.
في ختام حديثه، قال تشاينغ إن الخطوة المقبلة يجب أن تنصبّ على الترويج للفيلم في الخارج، لأنّ العديد من الشعوب الأخرى لديها صورة مشوهة عن حقيقة الوضع في بلدنا، وذلك بسبب الروايات الغربية الكاذبة التي تسوّق في إطار المناكفات السياسية مع الصين. وأعرب عن أمله في أن يلمس الفيلم مشاعر المشاهدين على اختلاف لغاتهم وجنسياتهم، معتبراً أنّ الإنسانية القاسم الجميل المشترك بين البشر التي لا يمكن للسياسة والسياسيين أن ينالوا منها.