قبل أيام، صدر تقرير عن اتحاد المؤرخين والآثاريين الفلسطينيين، يتحدث عن أضرار جزئية طاولت فندق المتحف، الواقع في شارع الرشيد في غزة، والمطل على البحر الأبيض المتوسط. لم يقدّم التقرير طبيعة وتفاصيل هذه الأضرار، خاصة أن الأنباء الواردة من القطاع عبر وسائل الإعلام المتعددة، وكذلك صور المنطقة، تظهر سيطرة قوات الاحتلال بدبّاباتها عليها، وتجريفها، وتدمير مسجد الخالدي القريب من "فندق المتحف".
وفي حديث هاتفي معه، يؤكد رجل الأعمال جودت الخضري، الذي جمع مئات من كنوز غزة في المتحف، لـ"العربي الجديد"، أنه ومنذ بدء العدوان على غزة، لا يمكنه الوصول إلى موقع فندق المتحف، وأنه رغم علمه أن المنطقة تعرضت للقصف العنيف، إلا أنه لا يعرف ما حدث بالمتحف تماماً، خاصة أن أحداً لا يمكنه الوصول إلى المنطقة، إلا في حال حدوث "هدنة"، لكن هذا ليس مضموناً.
يشير الخضري إلى أن المتحف يضم مئات القطع الأثرية النادرة، علاوة على أن كل ركن في "فندق المتحف" شاهد على تاريخ غزة وحضارتها.
بدوره، يوضح ممثل فلسطين في اتحاد المؤرخين العرب والقائم على إصدار التقرير حول المتاحف المتضررة في قطاع غزة، ومن بينها فندق المتحف، المؤرخ حسام أبو النصر، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن المتحف أول المباني التي تعرضت للضرر، كونه يقع في شارع الرشيد على شاطئ بحر غزة، وعلى مقربة من مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، وهي من المناطق التي شهدت قصفاً عنيفاً، قبل أن تقع تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي بالكامل. أظهرت الصور تدميراً هائلاً وتجريفاً غيّر معالم المنطقة، التي كانت من أكثر المناطق حيوية ما قبل السابع من الشهر الماضي.
يلفت أبو النصر إلى أن فندق المتحف تأسس قبل قرابة 15 عاماً، وهو "يضم عدداً من القطع الأثرية التي جمعها مؤسسه ومالكه جودت الخضري عبر الحفريات، أو اشتراها من مقاولين عثروا عليها، كونه يعمل في قطاع المقاولات، وهي تزيد عن 300 قطعة أثرية من عهود عدة، أبرزها مجسّم وجه يعود إلى العهد الكنعاني، وجرار فخارية عُثر عليها في ميناء البلاخية (الأنثيدون الأثري)، ويعود بناؤه إلى 800 عام قبل الميلاد على يد الكنعانيين، وهي منطقة قريبة الآن من موقع المتحف، علاوة على قطع تعود إلى العهود الرومانية واليونانية، ثم العهود الإسلامية المختلفة.
يشير أبو النصر إلى أن كنوز غزة في فندق المتحف لا تقتصر على موجودات القاعة المتحفية، ومساحتها ما بين 500 إلى 600 متر مربع داخل الفندق، وبعضها معلق على الجدران أو في صناديق زجاجية، بل في معمار الفندق نفسه. ففي حديقته هناك أعمدة رومانية ويونانية قديمة، كما أن "مدخل المتحف والعديد من أركانه بنيت بحجارة تعود إلى العهدين العثماني والمملوكي، إضافة إلى جسور خشبية ومعدنية بعضها يعود إلى السكك الحديدية التي كانت تعبر قطاع غزة، ما ينطبق على العديد من الأبواب الداخلية والنوافذ لأركان الفندق، وغرفه".
يقول أبو النصر إن العديد من سكان المنطقة التي يقع فيها المتحف، وقبل إخلائها بشكل كامل، خاصة الباحثين منهم، أبلغوه بتضرر المتحف خارجياً، من دون أن يعلم أحد ما حدث للكنوز الأثرية بداخله، لكون أي منهم لم يتمكن من دخوله، بسبب الأوضاع الصعبة من قصف متواصل حتى هذه الأيام، بل تحولت إلى منطقة اشتباكات بين الاحتلال الذي يتمركز على طول شارع الرشيد، بما فيها منطقة مسجد الخالدي الذي تعرض للتدمير، وهو لا يبعد أكثر من خمسين متراً عن "فندق المتحف".
يضم المتحف، من بين مقتنياته، الوجه الوحيد الذي تبقّى من مجموعة التوابيت الكنعانية الخمسين التي سرقها الاحتلال بإشراف مباشر من موشيه ديّان، في الفترة بين 1967 و1969، من دير البلح في قطاع غزة، وتحديداً من منطقة أبو سليم، وبالتالي هي الدليل الوحيد الذي يفضح كذب وتزييف الرواية الإسرائيلية، التي تدعي بأنها آثار تخصّها. وفي حال تضررت الأجرار الفخارية والمقتنيات الأخرى التي تعود لعصور عدّة، فإن غزة تكون خسرت جزءاً مهماً من تاريخها وحضارتها، وهي قطع مسجلة لدى مؤسسات دولية عديدة.
ولم يستبعد المؤرخ الفلسطيني تعرض مقتنيات المتحف للسرقة على يد سلطات الاحتلال.