لم يتخلّف الجزائريون عن نصرة القضية الفلسطينية بمختلف الوسائل، وعبر المواقف والقرارات، سواء سياسياً وشعبياً ورياضياً وفنياً. فلما كان الأمر كذلك؛ فإن الأغاني الجزائرية المناصرة للشعب الفلسطيني، شكل من أشكال المساندة والتعبير عن رفض العدوان الغاشم على الأرض، والإبادة الجماعية التي يتعرض إليها.
خلال كل العقود الماضية، كانت القضية الفلسطينية من بين المواضيع التي تناولتها الأغاني الجزائرية الشعبية، خصوصاً أن حضور فلسطين في تلك الأغاني، صار لافتاً وقوياً بعد الاستقلال.
من أقدم الأغاني الجزائرية لفلسطين قدمها الفنان الراحل، أعمر الزاهي؛ إذ أدى أغنية كتبها زميله الفنان محمد الباجي، بعنوان "نهديلك روحي ومالي"، وهي رسالة عرفان ودعم لنضالات الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه. يقول فيها: "يا أرض فلسطين نهديلك روحي ومالي نحلفك بيمين، نفديك بدمي الغالي يا أرض فلسطين، قسماً بالله العالي ربي العالمين، يعيا اعلامك يلالي (أي يرفرف ويتلألأ) وجبالك حرين (متحررة) يعيا (سوف) علامك يلالي يا أرض صلاح الدين". ويضيف: "بسم الله أكبر على دم العديان، لا بد أن الحق يتنصر والنور أعليه يبان، قد ما يطول الظلم يتكسر بجاهك يا رحمان، يبقى ساقط أو ما يجبر (سيكون) معمي من العينين عليك يا فلسطين".
ويقول الباحث في التراث الشعبي الجزائري، الإعلامي مهدي براشد، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن هذه القصيدة لم تكن الوحيدة حول القضية الفلسطينية، التي ألفها محمد الباجي؛ إذ كتب وأدى أغنية أخرى تقول: "خويا يا ابن ما من فلسطين وشفت دموع عينيك بعينيا بنت فلسطين". ويوضح أن هذه الأغنية لاقت صدى كبيراً في الأوساط الشعبية الجزائرية، وترددت على الألسن وأعادها الكثير من الفنانين. ووجدت تيمة فلسطين مكانها بشكل طبيعي في هذا اللون الموسيقي الجزائري، مشيراً إلى أن الأغنية الفلسطينية بالنسبة للفنانين الجزائريين، تعبّر عن موقفهم الطبيعي من القضية الفلسطينية، على اعتبارها جزءاً من القضية الدينية.
اللافت أن حضور نضالات الشعب الفلسطيني في القصائد الشعبية الجزائرية، دليل على نصرة القضية، وارتباطها بالمكانة التي تحتلها فلسطين في وعي الجزائريين، وقوة القصائد المتعلقة بفلسطين نابعة من أن كاتبها محمد الباجي قد استلهمها من منطلق التجربة النضالية والجهادية، والمعروف أن الباجي كان سجيناً ومحكوماً عليه بالإعدام في فترة الاستعمار الفرنسي، كما شهد أيضاً على إعدام صديقه بوعلام رحال، وهو شاب صغير، بعد أن زور الاحتلال أوراقه واغتاله.
صورة الفلسطيني لدى محمد الباجي هي نسخة مكررة ومطابقة لصديقه بوعلام رحال، مثلما هي القضية الفلسطينية لا تختلف عن القضية الجزائرية في تحررها من الاحتلال. فالاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي لمحمد الباجي، نسخة طبق الأصل للاحتلال الفرنسي للجزائر، وبالنسبة له مصير فلسطين هو الحرية مثلما كان مصير الجزائر هو الحرية كذلك.
لنصرة القضية الفلسطينية دائماً، أدت "فرقة الأقصى" الجزائرية أنشودة "زلزل بغزة" تقول: "يا صهيوني صبرك صبرك في الجزائر نحفر قبرك". وهي الأنشودة التي تفتتح بها دوماً اللقاءات والفعاليات والأنشطة المناصرة لفلسطين في الجزائر، كما كتب الشاعر الوزير الأسبق للثقافة عز الدين ميهوبي أغنية "القدس" ولحنها قويدر بوزيان وأداها الثنائي دنيا الجزائرية وفؤاد ومان.
قبل ذلك، كانت قد أدت الفنانة الجزائرية فلة عبابسة أغنيتها "لعيونك يا شيرين"، لذكرى الصحافية الفلسطينية، شيرين أبو عاقلة، التي اغتالتها قوات الاحتلال في 11 مايو /أيار من عام 2022، في أثناء تغطيتها اقتحاماً لقواته في مخيم جنين للاجئين في الضفّة الغربية. تقول عبابسة في الأغنية: "غدروك والعالم شافوا شو صاير بجينين، ومن بعد استشهادك خافوا من روحك يا شيرين، وقف جيش ويمسح ذلو، بوجه الناس العم بيصلوا، ورغم القوة العالم ظلوا ووقفوا متحدين". لم يكتف جيش الاحتلال باغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة أمام العالم، بل حاول الاعتداء على جنازتها أيضاً.
ومن بين الأغاني الأكثر ترديداً في الجزائر عن فلسطين أغنية "فلسطين الشهداء" التي أدتها فرقة البهجة للنشيد الملتزم، سنة 2021، وتقول: "فلسطين الشهداء، فلسطين الشهداء، شوفوا لأحوالنا وأفعال أعرابنا، احنا الرجالة تشهد أفعالنا، ويشهد الله... ظالمة ولا مظلومة معاها ديما واقفين، هادي مواقفنا معلومة، رانا عليها ثابتين، والأقصى لنا إلى يوم الدين..".
وهي ترجمة فنية انطلقت حكايتها من فورة حناجر المشجعين في الملاعب الجزائرية لسنوات طويلة. ردد الأغنية المتظاهرون في خميس الغضب الشعبي والمسيرات التي جابت العاصمة وكل المدن الجزائرية في 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
في تصريح لـ"العربي الجديد"، يلفت الإعلامي المهتم بالشأن الثقافي حسان مرابط، إلى أنه تمكن من ملاحظة أن جزءاً من المحتوى الفني الخاص بفلسطين، انتقل من فضاء الملاعب، وتحول ليكون عنواناً ومضموناً لإنتاجات فنية، على غرار أغنية "فلسطين الشهداء".