استمع إلى الملخص
- أثار مشروع نيمبوس احتجاجات داخلية في غوغل، حيث عارض الموظفون الصفقة وتم اعتقال بعضهم وفصل آخرين، مما يبرز التوتر بين مبادئ الشركة والصفقة.
- رغم توصيات مستشاري حقوق الإنسان، لم تتمكن غوغل من تضمين مبادئ الذكاء الاصطناعي في العقد، لكنها تتوقع تحقيق إيرادات كبيرة من الصفقة.
في مايو/ أيار 2021، أعلنت شركة غوغل موافقتها على المشاركة في عقد حوسبة سحابية قيمته 1.2 مليار دولار مع الحكومة والجيش الإسرائيليين، وأبدت "سعادتها باختيارها للمساعدة في التحول الرقمي" لإسرائيل. وُقّع هذا العقد في الأسبوع نفسه الذي هاجمت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيين في قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد ما يقرب من 250 شخصاً، من بينهم أكثر من 60 طفلاً. لكن قبل ذلك التاريخ بأربعة شهور، كان مسؤولو "غوغل" قلقين من أن توقيع الصفقة التي تحمل اسم مشروع نيمبوس سيضر بسمعتها، وذلك وفقاً لوثائق أعدت للمديرين التنفيذيين وراجعتها صحيفة نيويورك تايمز أخيراً.
في الوثائق التي كشفت عنها الصحيفة الأميركية الثلاثاء الماضي، كتب محامو "غوغل" وموظفو فريق السياسات والمستشارون الخارجيون الذين طُلب منهم تقييم أخطار العقد: بما أن "العملاء الحساسين"، مثل وزارة الأمن الإسرائيلية ووكالة الأمن الإسرائيلية، مشمولون بالعقد، فذلك يجعل "خدمات غوغل السحابية (متاحة) ليمكن استخدامها أو ربطها بتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية".
هذه الوثائق التي لم يكشف عنها سابقاً تدحض ادعاءات الشركة التي دافعت علناً عن مشروع نيمبوس خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ تظهر أنها أبدت مخاوف مماثلة لتلك التي أبداها موظفوها الذين قالوا إنها تورطت في الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. كما تقدم نظرة جديدة إلى كيفية تقييم عملاق التكنولوجيا لعقد أعلن عنه باعتباره بوابة لسوق الحوسبة السحابية الإسرائيلية، إذ على الرغم من أن الصفقة لمدة سبع سنوات كانت صغيرة بالنسبة لشركة بلغت مبيعاتها 258 مليار دولار عام 2021، فإنها كانت عقداً حكومياً مهماً لأعمال الحوسبة السحابية لـ"غوغل" التي كانت تكافح للتنافس مع شركات أكبر في هذا المجال كـ"أمازون" (تقدم أيضاً خدمات الحوسبة لإسرائيل بموجب عقد نيمبوس) و"مايكروسوفت".
أفادت الوثائق بأن الشركة الأميركية العملاقة قدمت لإسرائيل قوة المعالجة اللازمة لتشغيل التطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التكنولوجيا التي تحلل الصور ومقاطع الفيديو للكشف عن الأشياء. كما قدمت خدمات لتخزين وتحليل كميات ضخمة من البيانات، إلى جانب برامج أكثر بساطة مثل نظام عقد المؤتمرات عبر الفيديو. كان العقد بمثابة نعمة للرئيس التنفيذي لـ"غوغل كلاود" توماس كوريان، الذي تولى منصبه عام 2019. وبينما كانت صفقة نيمبوس محل نزاع في ذلك الوقت، إلا أنها كانت فاتحة تنافس عمالقة وادي السيليكون على الفوز بعملاء من القطاع العسكري والاستخباراتي. عام 2022، منحت وزارة الدفاع الأميركية عقداً قيمته تسعة مليارات دولار لـ"غوغل" و"أمازون" و"مايكروسوفت" و"أوراكل".
لكن مشروع نيمبوس تحديداً هز "غوغل"، وخاصة منذ بدء الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ يصر موظفون على أن الشركة لها دور في هذه الإبادة، لكنها تنفي وتزعم أن المشروع "ليس موجهاً لتولي أعباء عمل شديدة الحساسية أو سرية أو عسكرية ذات صلة بالأسلحة أو أجهزة الاستخبارات". وقالت متحدثة باسم "غوغل" لـ"نيويورك تايمز": "أوضحنا أن عقد نيمبوس مخصص لأحمال العمل التي تشغل على سحابتنا التجارية من قبل الوزارات الحكومية الإسرائيلية، والتي توافق على الامتثال لشروط الخدمة وسياسة الاستخدام المقبولة لدينا". ورفض متحدث باسم "أمازون" التعليق.
وصرحت المتحدثة باسم وزارة المالية الإسرائيلية في بيان للصحيفة نفسها بأن مشروع نيمبوس "من شأنه أن يساعد إسرائيل في ترسيخ مكانتها مركزاً رائداً للتكنولوجيا وتحسين الحياة اليومية للإسرائيليين، وأن استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من شأنه أن يغذي التقنيات الجديدة والشركات الناشئة التي سيستمتع بها الناس في أنحاء العالم كافة"، ورفضت التعليق على كيفية استخدام الجيش الإسرائيلي للتكنولوجيا.
هذا المشروع أثار شرخاً واسعاً بين موظفي "غوغل". في إبريل/ نيسان الماضي، نظم بعض الموظفين اعتصامات في مكتبين لشركة غوغل، وطالبوا بانسحابها من مشروع نيمبوس. ألقت الشرطة القبض على تسعة من المحتجين، ثم طردت "غوغل" أكثر من 50 موظفاً لمشاركتهم في الاحتجاجات. ووفقاً لرسالة داخلية اطلعت عليها "نيويورك تايمز"، منعت الشركة موظفيها، في أكتوبر الماضي، من مشاركة أي محتوى غير مصرح به، فـ"اللافتات والملصقات والمواد التي لا تروج للأحداث والمبادرات التي ترعاها غوغل، أو لا تساهم في بيئة آمنة ومنتجة وشاملة، ستزال، وقد يؤدي ذلك إلى إجراءات تصحيحية بحق الموظفين".
لدى "غوغل" تاريخ من نضال الموظفين ضد عسكرة التكنولوجيا. عام 2018، احتج موظفو غوغل على مشروع ميفن، وهو اتفاق لمساعدة البنتاغون على تحديد الأشخاص في مقاطع فيديو الطائرات بدون طيار. علقت "غوغل" المشروع في العام التالي عندما انتهى العقد. معارضة الموظفين لمشروع ميفن دفعت "غوغل" إلى وضع مبادئ حول كيفية نشر الذكاء الاصطناعي، واستبعدت استخدام تكنولوجيتها في الأسلحة أو المراقبة أو انتهاكات حقوق الإنسان.
قبل ثلاثة أشهر من توقيع عقد نيمبوس، اقترح مستشارو الشركة أن تحظر بيع واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للجيش الإسرائيلي وغيره من العملاء الحساسين. تبنت "غوغل" هذا النهج في دول أخرى، لكنها امتنعت عنه في إسرائيل، رغم أنها ــ وفقاً للوثائق ــ أعربت عن قلقها من أنها ستضطر إلى قبول مخاطر "مكلفة"، مثل إمكانية وقوعها في صراعات مع السلطات الأجنبية أو الدولية إذا سعت للحصول على بيانات إسرائيلية، وأنها قد تضطر إلى "خرق الأوامر القانونية الدولية" بموجب شروط الصفقة.
وبينما كانت "غوغل" تدرس صفقة نيمبوس، تعاقدت مع شركتها الاستشارية الرئيسية لحقوق الإنسان Business for Social Responsibility. أوصى مستشارو الشركة "غوغل" بعدم توفير الذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي، وتخوفوا من أنها لن يكون لديها فهم يذكر لكيفية استخدام عملاء نيمبوس في إسرائيل لتكنولوجيتها. أوصوا أيضاً بأن تقوم شركة غوغل "بالاجتهاد الواجب" لضمان استخدام الخدمات على النحو المقصود. وأخيراً، أوصى المستشارون بأن تدمج "غوغل" مبادئ الذكاء الاصطناعي في العقد، الأمر الذي من شأنه أن يلزم إسرائيل بعدم استخدام نيمبوس للمراقبة أو الأسلحة أو إيذاء الأشخاص، وفقا للوثائق.
لكن عندما تفاوضت "غوغل" مع الحكومة الإسرائيلية، لم تحصل على كل ما طلبته. لم تضف الحكومة الإسرائيلية مبادئ الذكاء الاصطناعي إلى العقد، لكنها أشارت إلى أن لـ"غوغل" الحق في تعليق العملاء إذا انتهكوا شروط خدمة الشركة وسياسة الاستخدام المقبول، والتي تحظر استخدام التكنولوجيا لتقويض الحقوق القانونية للأفراد أو انتهاك القانون أو نشر فيروسات الكمبيوتر، كما أظهرت الوثائق.
وبموجب شروط الصفقة، تتوقع "غوغل" الحصول على أكبر حصة من المال من وزارة الأمن الإسرائيلية، والتي تقدر بنحو 525 مليون دولار من عام 2021 إلى عام 2028، وهو ما يتضاءل أمام 208 ملايين دولار التي تتوقع الحصول عليها من بقية الوزارات. وتوقعت الشركة إجمالي إيرادات بقيمة 1.26 مليار دولار على مدى سبع سنوات، بما في ذلك الأعمال من الحكومات المحلية الإسرائيلية وبعض مقدمي الرعاية الصحية في البلاد، كما أظهرت الوثائق.
كان هذا مبلغاً ضئيلاً لشركة عملاقة مثل "غوغل"، لكنه منحها مصداقية لدى العملاء العسكريين والاستخباراتيين الذين عارضهم الموظفون، إذ تبين أن مخاوف الأخيرين واحتجاجاتهم لن تقف في طريق إبرام مثل هذه الصفقات.