غوغل تواصل استغلال الصحافة المحلية الأميركية

31 اغسطس 2024
أمام مقر "غوغل" في كاليفورنيا، 23 مارس 2024 (طيفون كوسكون/ الأناضول)
+ الخط -

ستبدأ "غوغل" قريباً بتقديم ملايين الدولارات لولاية كاليفورنيا الأميركية، للمساعدة في تمويل الصحافة المحلية، في صفقة هي الأولى من نوعها في البلاد. لكن الصحافيين وغيرهم من خبراء صناعة الإعلام يصفون هذه الصفقة بأنها اتفاقية مخيِّبة للآمال، تُفيد في الغالب شركة التكنولوجيا العملاقة.

الصفقة التي جرى الاتفاق عليها خلف أبواب مغلقة وأُعلن عنها الأسبوع الماضي، ستقدّم عشرات الملايين من الدولارات العامة والخاصة لإبقاء المنظمات الإخبارية المحلية قيْد العمل. ويقول المنتقدون إنها مناورة سياسية نموذجية من قبل شركات التكنولوجيا العملاقة، لتجنّب الرسوم بموجب ما كان يمكن أن يكون تشريعاً رائداً. إذ وافق المشرعون في كاليفورنيا على استبعاد مشروع قانون يتطلّب من شركات التكنولوجيا دعم منافذ الأخبار التي تستفيد منها، في مقابل التزام مالي من "غوغل".

وفي هذا السياق، أوضح بروفيسور سياسة الإعلام والاقتصاد السياسي في جامعة بنسلفانيا فيكتور بيكارد، لوكالة أسوشييتد برس، أن ولاية كاليفورنيا، باستبعادها مشروع القانون المذكور، تخلّت عن مسار كان يمكنه إجبار "غوغل" ومنصات التواصل الاجتماعي على الدفع بشكل متواصل للناشرين، مقابل ربط المحتوى الإخباري الخاص بهم. وأشار إلى أن الولاية الأميركية تخلت عن مبلغ تمويلي كبير كان يمكنها الحصول عليه بموجب التشريع. وقال: "غوغل أفلتت بسهولة".

في المقابل، رأت "غوغل" أن الصفقة ستُساعد الصحافة وقطاع الذكاء الاصطناعي في كاليفورنيا. وقال رئيس الشؤون العالمية والمدير القانوني لـ"ألفابت"؛ الشركة الأم لـ"غوغل"، كينت ووكر، في بيان، إن "هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعتمد على تاريخنا الطويل في العمل مع الصحافة ونظام للأخبار المحلية في ولايتنا الأم، مع تطوير مركز وطني للتميز في سياسة الذكاء الاصطناعي".

كانت حكومات الولايات في أنحاء الولايات المتحدة كافة تعمل على المساعدة في تعزيز المؤسسات الإخبارية المتعثرة، إذ تُعاني صناعة الصحف الأميركية منذ فترة طويلة انهيار نماذج الأعمال التقليدية وتراجع عائدات الإعلانات في العصر الرقمي. فمع انتقال المؤسسات الإخبارية من الطباعة بشكل أساسي إلى النسخ الرقمية في الغالب، فقد اعتمدت بشكل متزايد على "غوغل" و"فيسبوك" لتوزيع محتواها. وبينما شهد الناشرون انخفاضاً كبيراً في عائدات إعلاناتهم في العقود القليلة الماضية، أصبح محرّك بحث غوغل مركزاً لإمبراطورية إعلانية رقمية تولّد أكثر من 200 مليار دولار سنوياً.

وقال مالك "لوس أنجليس تايمز"، مبرّراً تسريح أكثر من مائة شخص في وقت سابق من هذا العام، إن الصحيفة كانت تخسر ما يصل إلى 40 مليون دولار سنوياً. وقد أقفلت أكثر من 2500 صحيفة في الولايات المتحدة منذ عام 2005، ولا يوجد في نحو 200 مقاطعة في البلاد أي منافذ إخبارية محليّة، وفقاً لتقرير من كلية ميديل للصحافة في جامعة نورث وسترن. إلى ذلك، تموّل كاليفورنيا ونيو مكسيكو برامج زمالة الأخبار المحليّة. وأصبحت نيويورك هذا العام أول ولاية تقدّم برنامج ائتمان ضريبي للمنافذ الإخبارية لتوظيف الصحافيين والاحتفاظ بهم. وتدرس إلينوي مشروع قانون مماثل لذلك الذي تخلّت عنه كاليفورنيا.

ماذا يتضمّن الاتفاق بين "غوغل" وكاليفورنيا؟

ستوفر الصفقة التي تبلغ قيمتها الإجمالية 250 مليون دولار المال لتمويل مبادرات الصحافة وبرنامج أبحاث الذكاء الاصطناعي الجديد. تضمن الاتفاقية التمويل لفترة خمس سنوات فقط. نحو 110 ملايين دولار من قيمة الصفقة ستقدمها "غوغل" و70 مليون دولار مصدرها ميزانية الولاية لتعزيز وظائف الصحافة. ستُدير الصندوق كلية الدراسات العليا للصحافة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. قالت عضو الجمعية بوفي ويكس التي توسّطت في الصفقة إن "غوغل" ستقدّم أيضاً 70 مليون دولار لتمويل برنامج أبحاث الذكاء الاصطناعي، والذي من شأنه أن يبني أدوات للمساعدة في حل "مشكلات العالم الحقيقي".

الصفقة ليست ضريبة، وهي انحراف صارخ عن مشروع قانون صاغته ويكس كان من شأنه أن يفرض "ضريبة ارتباط" تتطلّب من شركات، مثل "غوغل" و"فيسبوك" و"مايكروسوفت"، دفع نسبة معينة من عائدات الإعلان لشركات الإعلام مقابل ربط محتواها. صمّم مشروع القانون على غرار سياسة مُرِّرت في كندا تتطلّب من "غوغل" دفع ما يقرب من 74 مليون دولار سنوياً لتمويل الصحافة.

موقف شركات التكنولوجيا

أمضت شركات التكنولوجيا العامين الماضيين في محاربة مشروع قانون ويكس، وشنّ حملات معارضة باهظة الثمن، وتشغيل إعلانات تُهاجم التشريع. وهدّدت "غوغل"، في إبريل/ نيسان الماضي، بحظر مواقع الأخبار مؤقتاً من نتائج البحث لبعض مستخدمي كاليفورنيا. واستمر مشروع القانون في التقدّم بدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري حتى الأسبوع الماضي. لكن ويكس قالت لـ"أسوشييتد برس"، الأسبوع الماضي، إنها لا ترى أي طريق للمضي قدماً في مشروع القانون الخاص بها، وإن التمويل الذي تأمّن من خلال الصفقة "أفضل من لا شيء". وأضافت: "السياسة هي فن الممكن".

ويرى خبراء أن الصفقة هي خطوة تكتيكية سبق أن اعتمدتها "غوغل" في جميع أنحاء العالم لتجنّب القوانين التنظيمية. وقالت أنيا شيفرين، أستاذة في جامعة كولومبيا تدرس وسائل الإعلام العالمية وشاركت في تأليف ورقة عمل حول مقدار ما تدين به "غوغل" و"ميتا" لناشري الأخبار: "لا تستطيع غوغل التخلي عن الأخبار لأنها بحاجة إليها... لذا، تستخدم الكثير من التكتيكات المختلفة لقتل مشاريع القوانين التي ستُلزمها بتعويض الناشرين بعدل". وتقدّر أن "غوغل" مدينة بمبلغ 1.4 مليار دولار سنوياً للناشرين في كاليفورنيا.

موقف الصحافيين والنقابات العمالية

استنكرت "ميديا غيلد أوف ذا وست"، وهي نقابة تمثّل الصحافيين في جنوب كاليفورنيا وأريزونا وتكساس، استبعاد الصحافيين من المناقشات حول الصفقة. كانت النقابة مناصرة لمشروع قانون ويكس، لكنّها لم تُدرَج في المفاوضات مع "غوغل". وجاء في رسالة أرسلتها النقابة إلى المشرعين: "لا ينبغي أن يُقرّر مستقبل الصحافة في صفقات خلف الكواليس. لقد شرع المجلس التشريعي في جهد لتنظيم الاحتكارات وفشل بشكل رهيب. والآن نتساءل عمّ إذا كانت الولاية قد سبّبت ضرراً أكبر". ووفقاً لرسالة من النقابة إلى ويكس الأسبوع الماضي، فإن الاتفاق يؤمّن مبلغاً أقل بكثير من التمويل مقارنة بما تقدمه "غوغل" لغرف الأخبار في كندا، ويتعارض مع الهدف المتمثل في إعادة التوازن لهيمنة "غوغل" على المؤسسات الإخبارية المحلية. كذلك تساءل آخرون عن سبب تضمين الصفقة تمويلاً لبناء أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة.

وتحظى الصفقة بدعم بعض مجموعات الصحافة، بما في ذلك جمعية ناشري الأخبار في كاليفورنيا، وناشري الأخبار المستقلّين المحليّين عبر الإنترنت، و"كاليفورنيا بلاك ميديا".

ماذا سيحصل الآن؟

من المقرّر أن يدخل الاتفاق حيّز التنفيذ العام المقبل، بمائة مليون دولار. وقالت ويكس إن تفاصيل الاتفاق لا تزال قيد الإعداد. وأشارت إلى أن حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم وعد بتضمين تمويل الصحافة في ميزانيته لشهر يناير/ كانون الثاني 2025، لكن المخاوف من جانب زعماء ديمقراطيين آخرين قد تؤدي إلى عرقلة الخطة.

المساهمون