تتوالى المبادرات الفنية المتضامنة والداعمة لقطاع غزة في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ يقدم مطلقوها دعماً لقضية إنسانية باتت هي الأكثر وضوحاً، ويجابهون بها كذلك موقفاً رسمياً لحكومتهم مناصراً للاحتلال الإسرائيلي.
من هذه المبادرات، مزاد أطلقته حركة أرشيف الفنانين عبر الإنترنت، بعنوان "هذا القرن الطويل"، إذ عرضت للبيع أعمالاً لستة فنانين، تنتمي إلى الـKite Art، من خلال مزاد خيري، تخصص عائداته إلى الجهود الإغاثية لقطاع غزة.
يسلط المزاد، الذي أطلق الأسبوع الماضي، الضوء على أعمال كل من آنا سيو هوي، ونارومي نيكبينيكبين، وستانيا خان، وويلدر أليسون، وويلا ناساتير، وإيتو بارادا.
من خلال تلك الفعالية، قدمت وايلدر أليسون، وهي واحدة من أشهر الأسماء في عالم الـKite Art، عدداً من أعمالها مزينةً باللونين الأحمر والأخضر إشارة إلى العلم الفلسطيني، وحرصت الفنانة الأميركية على عرض أعمال صوفية مطرزة، في محاكاة لفن التطريز الفلسطيني.
وأوضحت أليسون، عبر تصريح صحافي، أنها حرصت على تقديم هذه المساهمات بتلك الصورة على اعتبار أن "الأعمال اليدوية مثل التطريز هي جزء من المشهد الثقافي الذي تُدمّره الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين".
في حين قالت ستانيا خان إنها رشت أعمالها الورقية "لتبدو مثل السماء ذات السحب الناعمة، رغبة في سقوط الجدران، وذوبان الحدود، ومن أجل فلسطين حرة".
وتحدثت ستانيا عن الحاجة الملحة التي على الأميركيين أن يشعروا بها تجاه وقف القصف الإسرائيلي للفلسطينيين "بما أن حكومتنا متواطئة تماماً وتوفر القنابل وتمنع المساعدات بأموال ضرائبنا".
وقالت خان: "لقد كنت أشاهد هذا الصراع طوال حياتي، وعمري اليوم 55 عاماً، وباعتباري يهودية مناهضة للصهيونية، يسعدني المشاركة في هذه المبادرة الداعمة لغزة وذات يوم ستتحرر فلسطين".
تُدير المبادرة مجموعة من المنظمين الفلسطينيين الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم خوفاً من استهدافهم، بينما تأسس البرنامج في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ودعم خلال هذه الفترة مشاريع تتراوح بين توزيع المياه وتسليم وتركيب أفران من الطين تسمح للنازحين بالطهي.
غزة في شيكاغو
من ولاية أميركية أخرى، هي شيكاغو، أطلقت مبادرة تهدف إلى رفع الوعي حول ما يحدث في قطاع غزة، واستهدفت كذلك جانب جمع الأموال من أجل الأعمال الإغاثية، إذ أعار عدد من المغنين حول العالم أصواتهم لاستوديو "جيفرسون بارك"، من أجل إنتاج ألبوم غنائي موضوعه الإبادة الجماعية التي تحدث في فلسطين.
الألبوم، المقرر إصداره الشهر المقبل، لم يتحدد عنوانه بعد، لكن من المخطط أن يضم موسيقى البوب، والهيب هوب، والهاوس، وآر أند بي، وموسيقى الحفر (موسيقى الشارع البريطانية).
أحد هؤلاء الفنانين نورهان من أورلاند بارك، تساهم بأغنية تحت عنوان "لا تبكِ يا حب"، من أجل الفلسطينيين "الذين تحملوا الكثير حتى اليوم". تقول نورهان: "من الواضح أننا لن نشعر أبداً بحقيقة ما يشعر به الشعب الفلسطيني. لكنني أريد لهذه الموسيقى أن تحرض الناس على الإحساس أكثر بمعاناتهم، وإن كانت قضيتهم بدأت تكتسب بالفعل من خلال الموسيقى قوة جذب كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي". وأردفت الفنانة اللبنانية ـ الأميركية: "أغنياتنا هي محاولة إعطاء صوت لشعب جُرّد من إنسانيته في العدوان الذي أودى بحياة أكثر من 26 ألف إنسان حتى اليوم".
شراشف الإبادة الجماعية في غزة
مبادرة ثالثة انطلقت من ولاية أميركية أخرى، هي فيرمونت، قدمها مسرح Bread and Puppet، ضمن تقليد مستمر منذ التسعينيات، يضم عرضاً للوحات مرسومة على ملاءات سرير وكتاب يشمل هذه الأعمال.
ينظم المسرح اليساري هذه الفعالية تحت عنوان "شراشف الإبادة الجماعية في غزة"، وذلك اتساقاً مع رسالته المناهضة للحرب ولقوى الرأسمالية، في تأكيد على "صوت واضح من أجل العدالة في عالم لا يرغب في شيء من هذا القبيل".
مؤسسة Bread and Puppet واحدة من أقدم المسارح السياسية غير الربحية في الولايات المتحدة، وقد اتخذت مقرها في غلوفر بولاية فيرمونت منذ عام 1970، وإن كانت قد أطلقت نشاطها في منتصف الستينيات من مدينة نيويورك، حيث قدمت أعمالاً درامية مناهضة للحرب ورافضة للعنصرية.
اشتهرت عروضها المسرحية بتوظيف الدمى التي كانت سمة أساسية لفعاليات احتجاجية استمرت لسنوات ضد الحرب في فيتنام. وواصل المسرح نشاطه بعدها؛ إذ شارك في الاحتجاجات ضد الأسلحة النووية، والحروب الأميركية على أميركا الوسطى والعراق وأفغانستان.
يضم الكتاب الذي يعود إلى مؤسس المسرح بيتر شومان إلى جانب الأعمال الفنية الاحتجاجية نقداً لخواء التحريف الذي تقدمه وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بينما تصور اللوحات بألوانها الساخنة وخطوطها البدائية ورسوماتها المرعبة ما يقع في المدينة الفلسطينية من دمار وجرائم ضد الإنسانية.
من قلب المدينة السياحية الأشهر في الولايات المتحدة، لاس فيغاس، انطلقت حملة مماثلة لجمع الأموال قادها عدد من المنظمات المحلية، عبر عرض فني تحت عنوان "التحرير والتضامن".
استهدف العرض الذي أقيم الأسبوع الماضي، وتبرع من خلاله 20 فناناً محلياً بأعمالهم، نشر الوعي حول الأزمة الإنسانية في غزة، والدعوة إلى تحرير فلسطين.
يقول منظم الحدث، غابي فيشر، في تصريح صحافي: "إنها بالتأكيد قضية حقوق إنسان قبل أي شيء آخر، ولدينا جميعاً القدرة على المساعدة، سواء كان ذلك من خلال رفع مستوى الوعي أو تثقيف أنفسنا، وهذه بالتأكيد هي البداية".
واستطرد: "إسرائيل تمارس الفصل العنصري منذ عام 1948، مثل ما حصل في جنوب أفريقيا تماماً"، وأضاف: "هناك تاريخ طويل للغاية يتعلق بالفلسطينيين الذين يناضلون من أجل التحرير، وأتصور أن لهم كل الحق في السعي إلى التحرر، وعلى العالم أن يفهم أن الناس في غزة أناس عاديون مثلنا، لديهم آمال وأحلام وتطلعات، وهم بحاجة إلى دعمنا وتضامننا".
وقال الفنان المحلي بريان مارتينيز، أحد المشاركين في العرض الفني: "أعتقد أن كثيراً من الناس متأثرون للغاية بما يحدث في الشرق الأوسط وغزة تحديداً".
وتحدث مارتينيز عن أحد أعماله المهداة إلى فلسطين قائلاً: "هو عبارة عن شاشة مصنوعة يدوياً تسمى Palestina Libre، أي فلسطين حرة، أظهرت من خلالها امرأة ترتدي وشاحاً تقليدياً، وتنظر إليك نوعاً ما، في محاولة لإلهام الناس أن يتخذوا خطوة ما وأن يسمع صوتهم".