يُقدّرُ الكوميديان الأميركي - المكسيكي، غابرييل إغليسياس شهرته بين الكوميديين في الولايات المتحدة بأسلوب مثير للاهتمام، إذ يقول إن كيفين هارت حين تعرض إلى الابتزاز طلب من يحاول فضحه فدية قيمتها 10 ملايين دولار، لكن حين وقع هو في المشكلة نفسها، طلب المبتزون منه 50 ألف دولار فقط. هو مبلغ كبير لا ينكر ذلك، لكنه يكشف مقدار قيمته ككوميدي في أعين الجمهور.
الحكاية السابقة نسمعها بأسلوب أشد إضحاكاً وسخرية في عرض Gabriel Iglesias: Stadium Fluffy الذي بثته منصة نتفليكس أخيراً، ويحتفل فيه فلافي (الاسم الفني لإغليسياس) في مدينته لوس أنجليس بمرور 25 عاماً على مسيرته المهنية. ونتعرف فيه لأول مرة على مارتين، صديق فلافي وقريبه الذي يرافقه في كل عروضه. يتحدث فلافي عن المفارقات والمشكلات التي يقع فيها مارتين، إلى حد الظن بأنه شخصية متخيلة. لكن في هذا العرض، نراه أمامنا يضحك، مؤكداً لنا أنه شخص من لحم ودم، وكل الحكايات حوله حقيقية، وليست من نسج الخيال.
يعرف من يتابع فلافي كيفية بنائه للنكتة، إذ يستفيد بداية من المفارقات اللغوية بين الإنكليزية والإسبانية، وقدرته على تقليد الأصوات بصورة "رهيبة" للحديث عما يشهده من مفارقات ترتبط بأصوله المكسيكية ووزنه. لكن لا جديد في هذا العرض، إذ يخبرنا كعادة كل الكوميديين في الآونة الأخيرة عن الحجر الصحي وكوفيد-19، ومحاولاته البحث عن الطعام في ظل الإغلاق العام، وكيف فوجئ بأن "ستاربكس" يقدم لأصحاب الكلاب كأساً مجانية من الكريمة للكلب، من أجل أن يتشارك مع صاحبه متعة شرب القهوة.
يشير فلافي إلى الصوابية السياسية، ويؤكد أنه في الماضي قال نكات وحكايات قد لا تتوافق مع "أعراف" العصر الحالي، لكنه ككل العاملين في الكوميديا لا يوافق على ما يشهده العالم الآن من "صحوة" وحساسيات. في هذا السياق، يخبرنا كيف وجد نفسه فجأة في صراع حول الصورة النمطية، إثر تأديته لصوت شخصية الكرتون "سبيدي غونزاليس" التي ظهرت في فيلم "سبيس جام" الجديد، وكيف هُدّد هو والشخصية بالإلغاء.
كما يخبرنا كيف وجد نفسه في مشكلة أخرى كونه أشار في تغريدة إلى اسم مطعم متهم بمعاداة المثلية، وكان رده على منتقديه: "أنا أبحث عن وجبات مجانية، ولم أكن أعلم تاريخ المطعم"، لينهي الجدل بالقول إن على المدافعين عن الصوابية السياسية أن يعلّموا الناس ويناقشوهم ويخبروهم بما عليهم معرفته، وليس الظن بأن الجميع يعرفون "كل شيء" حول تاريخ الشركات ومواقفها. هناك بعض الشؤون التي ببساطة لم يكن يعرفها لا هو ولا غيره، فالتثقيف باختصار حل أفضل من الإلغاء.
لا يمكن القول إن هذا العرض هو أفضل ما قدمه فلافي بعد سنتين من الانقطاع بسبب وباء كوفيد-19، فبعض النكات مكررة من عروض سابقة، خصوصاً تلك التي يحدثنا فيها عن "نتفليكس" التي أرادت منه تصوير العرض في تكساس حيث أصيب بفيروس كورونا، ولم يتمكن من التسجيل. الحكاية التي سبق له أن قالها بالضبط في بودكاست سابق. الأمر نفسه يتكرر مع نكاته حول حفل توزيع جوائز أوسكار التي قدمها، والتي من الواضح أنه كتبها سابقاً ولم يتمكن من إلقائها حسب قوله. ببساطة، هذا العرض مجرد تجميع لنكات ماضية وأخرى لم ترَ النور لأن لحظة إلقائها فاتت.
استفاد فلافي من المكان والخشبة ليتحدث عن حياته الشخصية، وكيف ترك زوجته، وكيف طلب منه ابنه أن يتوقف عن السخرية منه في عروضه، الأمر الذي يبدو غريباً، ليس لأنه لا يمتلك الحق بذلك، بل لأن شهرة فلافي ليست بالقدر الكافي لنكون فعلاً مهتمين بحياته الشخصية التي لا نعرف عنها شيئاً، حتى محاولة الابتزاز التي تعرض لها، لم تتصدر نشرات الأخبار كما حصل مع كيفين هارت. يمكن القول إنه كما أشار أحد المعلقين حول العرض: "سننسى ما رأيناه بمجرد أن ننتهي من مشاهدته".