عيون على التراث... تسع باحثات يلاحقن تاريخ فلسطين

09 يوليو 2023
إمكانات محدودة جراء الحصار الذي يفرضه الاحتلال (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يبذل فريق "عيون على التراث" مجهوداً مضنياً من أجل الوصول إلى المخطوطات والكتب القديمة والوثائق التي كتبها علماء لتوثيق التاريخ الفلسطيني في منطقة جنوب فلسطين المحتلة، بما في ذلك قطاع غزة، وأرشفته رقمياً، ليستفيد منه الباحثون فيما بعد وحين الحاجة.

وتمكن "عيون على التراث"، على مدار سنوات العمل التطوعي من جمع مئات الوثائق والمخطوطات التي توثق الحقبة الزمنية الفلسطينية وتاريخ مدينة غزة، من عام 1820 وحتى عام 1948، والتي تشير إلى مخزون تاريخي وجغرافي وسياسي وديني في تلك الحقبة.

ويستهدف الفريق المكون من 9 شابات توثيق التاريخ الفلسطيني من خلال هذا المشروع، والعمل على أرشفته بطريقة رقمية معاصرة تجعل التاريخ الفلسطيني مكشوفاً أمام مختلف الباحثين على مستوى العالم، وبطريقة تمكن الفلسطينيين أنفسهم من معرفة تاريخهم.

عيون على التراث (عبد الحكيم أبو رياش)
(عبد الحكيم أبو رياش)

وتحاول الباحثات الفلسطينيات إنقاذ العديد من الأوراق والمخطوطات التي تعود لفترة العهد العثماني، وجمع جميع الموضوعات التي توثق هذه الفترة الزمنية، ومعالجتها اعتماداً على أساليب التوثيق المتبعة حول العالم، رغم شحّ الإمكانات المتوافرة، جراء الحصار الإسرائيلي لغزة.

ويقسم الفريق عمله إلى عدة أقسام، تشمل جمع المخطوطات والكتب والوثائق، ثم الصيانة الوقائية التي تقوم على معالجة هذه المخطوطات بطريقة تحافظ عليها وباستخدام أدوات خاصة للتعامل مع مثل هذا النوع من الأوراق وتوفير بدائل أخرى للأدوات غير الموجودة في غزة.

في الأثناء، تقول المشرفة على فريق "عيون على التراث"، حنين العمصي، إن فكرة المشروع جاءت عام 2017 كانطلاقة للفريق بشكلٍ تطوعي، من أجل المساهمة في توثيق تاريخ جنوب فلسطين، بما في ذلك غزة، إلى جانب المناطق المحيطة بالقطاع، كالقرى والمدن التي هُجِّر أصحابها. وتضيف العمصي، لـ"العربي الجديد"، إن المشروع يستهدف الحفاظ على هذه المخطوطات من الضياع والاندثار في ظل الصراع الناعم مع الاحتلال الإسرائيلي على توثيق المخططات والأوراق التي تثبت التاريخ الفلسطيني، إلى جانب الرغبة في تعريف الجيل الصاعد بتاريخه.

عيون على التراث (عبد الحكيم أبو رياش)
(عبد الحكيم أبو رياش)

ووفق المشرفة على "عيون على التراث"، فإن الفريق يعمل بشكلٍ جماعي وبمراحل مرتبط بعضها ببعض، حتى يصل الأمر في نهاية المطاف إلى رفع هذه الوثائق عبر موقع المكتبة البريطانية وموقع متحف هيل، لتكون متاحة ومتوافرة لجميع الباحثين. وتشير العمصي إلى وجود نقص كبير متعلق بالأدوات والآلات المستخدمة في عملية التوثيق نتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض للعام السابع عشر على التوالي على قطاع غزة، والاضطرار إلى اللجوء لاستخدام بدائل أخرى تساهم إلى حد ما في استكمال عمل الفريق.

ولمشروع "عيون على التراث"-وفق العمصي- أهمية، في ظل غياب التوعية بقيمة المخطوطات التراثية في المجتمع الفلسطيني، إذ إن هذا التراث نهب منه الكثير، إما سرقةً من الاحتلال، وإما بتعرّض تلك الأماكن لقصف إسرائيلي. وحصل فريق الشابات على المخطوطات من عدة عائلات في قطاع غزة بادرت بتسليم هذه المخطوطات في مسعى لترميمها والحفاظ عليها.

عيون على التراث (عبد الحكيم أبو رياش)
(عبد الحكيم أبو رياش)

في السياق، تقول الباحثة الفلسطينية رنيم شعبان، المسؤولة عن عملية الترميم للبدء في الصيانة الوقائية للمخطوطات، إنها تستخدم في عملية الصيانة الفرشاة الناعمة للغاية إلى جانب الإسفنج المصنوع من الفنيل، وهو بديل من الإسفنج الطبيعي غير المتوافر في القطاع.

وتضيف شعبان، لـ"العربي الجديد"، أن عملية الصيانة الوقائية تمر بمرحلتين: الأولى تبدأ بالكشف والمعاينة للمخطوط ومعرفة الفترة الزمنية وتفاصيل الموضوع المتعلقة به، فيما تبدأ المرحلة الثانية بترقيم الورق واختبار درجة ثبات الحبر، ثم اختبار الورقة لكشف درجة الحموضة، ثم مرحلة الصيانة التي يكون فيها الباحث أكثر حرصاً على المخطوط والورقة.

وتشير إلى أنّ الفرشاة الناعمة تُستخدَم بدلاً من الفرشاة التي تُستخدم في عملية الصيانة، إلى جانب الإسفنج المصنوع من ألياف الفنيل، بالإضافة إلى الملقط الطبي، ثم في المرحلة الثالثة يُعَدّ التقرير العلمي الخاص بالمخطوطة الذي يضم مؤلف الكتاب أو المخطوط والفترة الزمنية وعدد الأوراق وختم التملك ووصفاً للمخطوط لا يتجاوز عشرة أسطر.

أما الاختصاصية دعاء دويمة، فتتولى في الفريق مهمة الأرشفة الرقمية، بعد تجاوز المرحلة المتعلقة بالترميم، إذ يجري تفقد المخطوط بشكلٍ كامل، ثم تبدأ مرحلة التصوير الرقمي التي تقوم على أخذ لقطات جميع مكونات المخطوط أو الكتاب، وتسميته ورفعه على المواقع المتاحة للباحثين.

عيون على التراث (عبد الحكيم أبو رياش)
(عبد الحكيم أبو رياش)

وتشرح دويمة، لـ"العربي الجديد"، أنه في المرحلة الأخيرة يوضع المخطوط في بيئة مناسبة داخل صناديق مصنوعة من الكرتون خالية من الحموضة، لإطالة عمره، ثم داخل خزائن حديدية، ويمنع لمس هذه المخطوطات، ويُكتفى بتوفيرها إلكترونياً أمام الباحثين.

ويأمل الفريق، خلال الفترة المقبلة، من أن يطور شراكاته مع جميع المؤسسات التي تعامل في مجال التوثيق التاريخي، من أجل المساهمة في معالجة المخطوطات بشكلٍ أوسع والمساهمة في المحافظة على التاريخ الفلسطيني وتوفيره بشكلٍ رقمي يخدم القضية الفلسطينية والباحثين فيها.

المساهمون