"عودة عايدة"... حكاية شخصية عن نكبة 1948

18 مايو 2024
لم تخطط كارول منصور لتحويل ما صوّرته إلى فيلم (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "عودة عايدة" فيلم يروي قصة عايدة منصور، التي هُجّرت من يافا عام 1948، من خلال رحلة شخصية تقدمها ابنتها المخرجة كارول منصور، مستخدمة صوراً فوتوغرافية ومقابلات تسلط الضوء على حياتها في فلسطين، لبنان، وكندا.
- كارول توثق الأيام الأخيرة لوالدتها في كندا، معالجة مواضيع الموت والذكريات في يافا، وتستخدم التصوير بالهاتف المحمول كوسيلة للتعامل مع الخسارة، دون نية مبدئية لصنع فيلم.
- الفيلم يختتم بمهمة كارول العاطفية لإعادة رماد والدتها إلى يافا، متغلبةً على تحديات الدخول إلى فلسطين المحتلة، ونثر الرماد في منزل العائلة والمقبرة، مما يرمز إلى "عودة عايدة" ويجسد الحنين والأمل في العودة.

شهد المسرح البلدي في مدينة رام الله، أخيراً، العرض الأول لفيلم "عودة عايدة"، للمخرجة اللبنانية كارول منصور. على عكس أفلامها السابقة، رحلت منصور بالمشاهدين إلى عوالمها الشخصية، لنتابع ليس فقط حكاية والدتها الفلسطينية عايدة منصور، أو عايدة عبّود، منذ هُجّرت قسراً عشرينية من حي العجمي في مدينة يافا، في عام 1948.

تعتمد مقاطع السيرة لفيلم "عودة عايدة" على عدد كبير من الصور الفوتوغرافية الثابتة من حياة والدتها في فلسطين ولبنان وكندا. وترصد يوميّات من طفولتها في فلسطين، ومن حكايتها مع زوجها ميشيل منصور، وعائلتها المكونة من ثلاثة أبناء، أصغرهم الابنة الوحيدة مخرجة الفيلم. إلا أن الحكاية الفلسطينية تتكئ على استعادة لمقابلة أجريت مع الأم عايدة عام 2007، إذ تتذكر مدينة يافا، ما قبل وأثناء الحرب، مُظهرة الحياة المتطورة في المدينة التي كانت تعد من الحواضر الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية والتعليمية المتقدمة في المنطقة العربية. كما نتعرّف إلى حكايات التهجير إلى أبو رمانة، على أمل العودة القريبة، كما حدث مع كثير من عائلات اللاجئين الفلسطينيين، متذكرة المدرسة الداخلية، والصيدلاني، وبائع البوظة، والقناصل ومدراء البنوك الذين كانوا يستأجرون في بناية والدها. ومن الحكايات اللافتة، أنها كانت من بين المكلفين في رحلة مكوكية، بعد احتلال عام 1948 وقبل احتلال عام 1967، إلى نابلس بالطائرة، بتنسيق ما بين الصليب الأحمر ومنظمة أونروا، وتمنّت على الطيار الأميركي، وقتذاك، أن يمرّ في يافا، أو يهبط في مطار اللد، لكنه أخبرها بأن الأمر مستحيل. وللمصادفة، وجّه جيش الاحتلال الإسرائيلي طلقات نيرانية تحذيرية تجاه الطائرة، بذريعة عبورها فوق معسكرات يحظر التحليق فوقها، فتجبر على الهبوط تحت تهديد النيران في مطار اللد، ليتحقق "حلمها"، رغم تحفّظات ضباط جيش الاحتلال بادئ الأمر باعتبارها الفلسطينية الوحيدة.

احتوى "عودة عايدة" على توثيقات لحوارات بالفيديو في مراحل عمرية متقدمة للأم المقيمة في كندا، لتتحدث عن الموت واقترابه، وعن ولادتها في يافا فلسطين. في السنوات الثلاث الأخيرة ما قبل رحيل عايدة عام 2015، توجّهت كارول إلى كندا أكثر من عشرين مرة، لافتة إلى أنها كانت توثق حياة والدتها بهاتفها المحمول كنوع من التعامل مع خسارة متوقعة، لتحتفظ بلحظات حميمية، إلا لم تكن تخطط، وقتذاك، لإنجاز فيلمها.

تبدأ حكاية أخرى حين تقرّر كارول منصور أن تعيد رماد والدتها إلى يافا. ولكونه يتعذر عليها الدخول إلى فلسطين المحتلة، تقول لها صديقتها منتجة الفيلم، منى الخالدي، إنه يمكنها أن تعطي بعضاً من هذا الرماد للمصورة الصحافية تانيا حبجوقة، المقيمة في القدس وصديقها الأميركي الصحافي بيتر فان أغتامايل. نجح تمرير رماد عايدة من بيروت إلى الأردن، ثم من خلال المعبر البرّي إلى فلسطين. وفي وقت لاحق، تنضم إلى الفريق صديقتهم الفنانة والكاتبة الفلسطينية رائدة طه التي تبدي جهداً استثنائياً في العثور على المنزل، ونثر الرماد داخله، وكذلك في المقبرة. كما يستوقفنا ذلك المشهد حين يتحول رماد عايدة في بحر يافا إلى غيوم تارة، وخرائط تارات أخرى، على وقع دموع كارول ورفيقتَي الرحلة.

كانت المخرجة كارول منصور قد أشارت في بيان صحافي، إلى أنها تصنع الأفلام الوثائقية منذ أكثر من 15 عاماً، وإلى أن جوهر عملها هو قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية: "كوني ابنة لأبوين فلسطينيين، كلاهما جاء إلى لبنان كلاجئين عام 1948، فقد نشأت مع قصص النكبة. مع تقدمي في السن، أصبحت قصص التهجير والسلب التي سمعتها عندما كنت طفلة، واقعاً سياسيّاً واجتماعيّاً ساهم في تشكيل حياتي، فالنكبة هي واحدة من أكبر مظالم القرن العشرين التي لا تزال مستمرة حتى وقتنا الحاضر". وأضافت: "عايدة، والدتي الفلسطينية، توفيت عن عمر يناهز 86 عاماً، بعد أربع سنوات من تشخيص إصابتها بمرض ألزهايمر المتقدم، وخوفاً من فقدانها بسبب المرض، وجدت نفسي أصورها في كل مرة أزورها فيها في مونتريال. في ذلك الوقت، كان تصويرها مشروعاً شخصيّاً بحتاً، ولم تكن هناك خطط لتحويله إلى فيلم على الإطلاق".

المساهمون