مقابر بلجيكا/غيتي
02 فبراير 2021
+ الخط -

استقبلت المقبرة متعددة الطوائف في بلدية حي سكاربيك ببروكسل ما يقرب من 1100 متوفى هذا العام. أي ثلاث مرات أكثر من عام 2019 أغلبهم من المسلمين. كيف تتم عملية الدفن في زمن كورونا في بلد سمح بمنح المسلمين مقابرهم.

مقبرة استثنائية
اجتمع أبناء العلاطي حول قبر والدهم في مقبرة سكاربيك المتعددة الطوائف منشغلين في إزالة التربة الزائدة قبل وضع شارة صغيرة: محمد العلاطي 1940-2020. فعلى الرغم من أن والدهم كان يبلغ من العمر 80 عاماً، إلا أنه كان يتمتع بصحة جيدة ومستقلا. فكما يحكي حميد، أحد أبنائه، لـ"العربي الجديد": "سمعنا بأنه لا يجب الإسراع في الذهاب إلى المستشفى فأبقيناه في المنزل حيث كان الطبيب يأتي كل يوم. كان بصحة جيدة إلى أن تم نقله إلى المستشفى. وقد أظهر الفحص بالأشعة وجود التهاب رئوي". أربعة من أبنائه السبعة حضروا اليوم بالإضافة إلى زوجته التي أصرت على الحضور رغم البرد. وتشير سناء، إحدى بناته، إلى أنه "عندما دفن في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، كان أحد آخر المدفونين في هذه المقبرة. أما الآن فعشرات القبور، ربما 150، تمت إضافتها". 

منذ أزمة كوفيد 19، ضاعفت المقبرة نشاطها ثلاث مرات، حيث زاد عدد المدفونين من 352 في عام 2019 إلى أكثر من ألف حالياً. في المساحة المخصصة للمسلمين، تتم مراسم الدفن بشكل مستمر تقريباً لما يصل من 10 إلى 15 مدفوناً يومياً في ذروة الأزمة. ويوضح لودو بيرتنز، مدير المقبرة لـ"العربي الجديد": "مع الموجة الثانية، اضطررت إلى شراء المصابيح  حتى نتمكن من العمل ليلاً. ربما كنا المقبرة الأكثر عملًا في البلد بأكمله. والسبب هو خصوصية نوع الدفن لطوائف لا تحبذ حرق الجثة. هذا هو الحال بشكل خاص مع المسلمين، الذين يتم دفنهم بشكل جانبي مع توجيههم نحو مكة. أمر لا توفره معظم المقابر". مشيراً إلى أن "هذه المقبرة تستضيف الآن مسلمين ويهودا وأرثوذكسيين وبعض الكاثوليك من اثنتي عشرة بلدية". أمر دفع بمجموعة من بلديات بروكسل لإعادة النظر في مقابرها لتوفير مكان مناسب لمثل هذا النوع من الدفن.  

في المساحة المخصصة للمسلمين، تتم مراسم الدفن بشكل مستمر تقريباً لما يصل من 10 إلى 15 مدفوناً يومياً في ذروة الأزمة

وقد لعبت أزمة كورونا دورا في زيادة أعداد الدفن. أولاً بسبب الزيادة المفرطة في الوفيات التي تسببت به. وكذلك، مع إغلاق الحدود، أوقفت الحكومة المغربية إعادة الجثث إلى الوطن بسبب الوباء، مما أجبر المسلمين في بلجيكا على البحث عن حل محلي. "لقد تعزز هذا الاتجاه التصاعدي في السنوات الأخيرة ،" يقول لودو بيرتنز. مسترسلاً "المقبرة معروفة أكثر فأكثر لدى الجالية المسلمة المغربية، وفي الوقت نفسه، يختار الكثير من المواطنين أخيراً الدفن في بلجيكا لأن العائلة استقرت هنا لفترة طويلة". وهذا هو الحال مع الأب العلاطي، الذي أصدر تعليمات بدفنه بالقرب من أطفاله. 

دفن مختلف
في محنتهم كان أفراد أسرة العلاطي "محظوظين"، إذ أتت فاجعة الوفاة في بداية الموجة الثانية. لذلك لم يكونوا مقيدين بإجراءات الحجر الشديدة. لم تتم صلاة الجنازة في المسجد لكن الجيران حضروا الجنازة وتمكنت العائلة من زيارته خلال أيامه الأخيرة في المستشفى. وتشرح سناء أن "الحداد كان هو الصمت الذي حل محل مكالمات والدي الهاتفية اليومية. إنه أمر صعب. لا نختار كيف نغادر هذه الحياة. الإيمان مهم جداً، ونحن نحافظ على الجانب الإيجابي. فقد عاش الحياة التي تمناها، وكان فخوراً بنا كما أخبرنا قبل أسبوعين من وفاته".  خلال الموجة الأولى، "كان من الصعب جداً على الأشخاص ألا يكونوا قادرين على مرافقة الشخص في لحظاته الأخيرة" يقول لودو بيرتنز. مضيفاً "عندما يتعلق الأمر بأسرة تعيش تحت سقف واحد، هناك شعور بأن المستشفى قد صادرت المتوفى. وحقيقة عدم وجود شاهد للنَفَس الأخير والكلمة الأخيرة، أمر خطير بالنسبة للمؤمنين. فعدم تنفيذ كل الطقوس يعرض العائلات لحزن مؤلم".

بعد ظهر يوم زيارتي للمقبرة، كان هناك عدد قليل من المواكب الجنائزية التي تحترم الحد الأقصى البالغ 15 مشاركاً. كما كان يحضر صلاة الجنازة أحياناً من 50 إلى 60 شخصاً في مساحة مكشوفة مخصصة لذلك على بعد أمتار قليلة من القبور. ويعلق لودو بيرتنز، "نظرياً، يجب أن أطردهم بعيدًا، لكنني لا أفعل ذلك أبداً. فليس لدينا ما يكفي من الموظفين لتنظيم هذه المراسم. وهو أمر صعب على أي حال لأننا نتواجد في مساحة مفتوحة. بالإضافة إلى أن الأمر يخص عائلات كبيرة لديها الكثير من الأبناء. ولا نريد رفض المشاركة في هذه اللحظات المهمة لعدد منهم".

بعد الصلاة، يقوم متطوعون بإرشاد العائلات إلى مكان الدفن. هولاء هم الذين سمحوا بأن تظل المقبرة مكان ترحيب طوال الأزمة، ولا سيما الحفاظ على نظافة القبور عندما كان العدد القليل من الموظفين يحفرون ويردمون. ويتم الدفن بشكل متتال خلال اليوم، لذا يواجه المشيعون أحيانا مشاهد مؤلمة. مثل مواصلة عمليلت الحفر في وقت تنتشر فيه أصوات النساء الباكيات. وبحسب أحد العاملين في المقبرة، حسن العلج، "لا ننفذ عملية الدفن بشكل مستمر بل نترك دائما حوالي ربع ساعة بين عائلتين. ونعمل غالباً من الساعة التاسعة صباحاً حتى السابعة مساء. لذا لا وقت للتفكير فيما يحدث، فقد كنا مثل الروبوتات".

كارثة إنسانية
وقد واجه واحد من كل خمسة بلجيكيين وفاة مرتبطة بوباء كورونا. بالإضافة إلى الوفيات، التي تتعدد أحياناً في نفس الأسرة، هناك ظروف صعبة بشكل خاص لحداد العائلات. فبالنسبة للبروفيسور أديلايد بلافير، رئيس مركز الصدمات النفسية: "أزمة كوفيد قد تؤدي إلى زيادة الحزن المؤلم. بشكل عام، يحتاج البشر إلى فهم ما يحدث لهم. فالفهم والإدراك هو جوهر عملية الحداد، إنه أمر أساسي.

لكن مع مرض كوفيد، فقدت العائلات لحظات مهمة للغاية في إدارة الفجيعة مثل مرافقة الشخص في لحظاته الأخيرة، ورؤية الجسد بعد الموت وأن يكون محاطاً. من الصعب جداً تخيل كيف مات الشخص عندما لا يمكنك أن تكون معه كما هو الحال الآن". مشيراً إلى أن التقديرات تؤكد بأن الحزن العادي يستمر لمدة عام. حيث من الطبيعي أن يشعر المرء، خلال هذه المدة، بأنه ليس على ما يرام. "لكن المشلكة أنه حالياً لا وجود لإمكانية الالتقاء بالآخرين أو العودة إلى العمل التي تسمح باستعادة موطئ قدم في الواقع. فنحن مجبرون على البقاء وحدنا في المنزل وهذا أمر مقلق". ويؤكد الخبير خطر الإيذاء الثانوي الناجم عن الشعور بالظلم في حالة الوفاة بفيروس كورونا، لأن المرء يعتقد أن المستشفى ودار التمريض والدولة قد أساءت إدارة الأزمة. "وضع يثير الاستياء للغاية ويجعل الصدمة أسوأ".
 

المساهمون