استمع إلى الملخص
- رغم تواضع الأدوات الفنية والتقنية في تلك الفترة، إلا أن شمص وزملاءه أبدعوا في تقديم أعمال تلفزيونية وسينمائية جذابة وبسيطة.
- شهرة شمص التلفزيونية طاغية، ويُعتبر من المؤسسين الفعليين لمهنة التمثيل في لبنان، حيث تميز بأداء عفوي وبسيط بعيد عن التصنع.
عند رحيل ممثل ـ ممثلة لبنانيَّين، ينتميان إلى زمن قديمٍ يوصف عادةً بـ"الجميل" أو "الذهبي"، في الحياة والعمل والعلاقات، يُطرح سؤالٌ: أهناك قيمة إبداعية في إنتاجات تلك المرحلة، وللممثل ـ الممثلة فيها فعلٌ أساسيّ؟
مقارنة بالحاصل في راهنٍ، عربي ودولي، مليءٍ بإبداعات مُثيرة لمتعة ودهشة وحيوية، سيُقال إنّ الفن اللبناني حينها عادي للغاية، بل ربما يفتقر إلى أبرز مقوّمات الصّنعة الفنية، إخراجاً وتمثيلاً وكتابة ومهناً فنية وتقنية. هذا، في بعضه، حقيقيّ، فالأدوات، التقنية والفنية تحديداً، متواضعة للغاية، رغم أنّ بعضها يُعتَبر، في تلك المرحلة، مُتقدّماً وعصرياً. أمّا الإخراج والتمثيل، فيعكسان جمالياتٍ، لا علاقة لها بزمن من دون آخر، بل بقدرةٍ على ابتكار جميلٍ وجاذب، إنْ يُكْتَب الحوار بالفصحى أو العامية، والأخيرة موزّعةٌ بين لهجةٍ شمالية لبنانية، ولكنةٍ بيروتية صرفة، وشيءٍ من ريفٍ قروي أحياناً.
في 11 أغسطس/آب 2024، يُعلنَ نبأ وفاة الممثل اللبناني سمير شمص (25 نوفمبر/تشرين الثاني 1942). هذا دافعٌ إلى إعادة طرح السؤال نفسه، فلهذا الممثل أعمال تلفزيونية وأفلام سينمائية، مُنجزة في مرحلة مليئة بغليان ثقافي وفني واقتصادي وسياحي، بين منتصف ستينيات القرن الـ20 والنصف الثاني من سبعينياته، برغم أنّ اللاحق عليها نابضٌ بإنتاجات، تلفزيونية وسينمائية لبنانية، تستحقّ قراءة نقدية، لن تتحرّر من مزيج الفني البحت بالسياسي ـ الاجتماعي ـ الحياتي، فالبلد مكوّن من خليطٍ كهذا، في كلّ شيء.
سمير شمص، الأشهر تلفزيونياً مع جيلٍ مندثر، يواكب تلك المراحل اللبنانية منذ بدايات انخراطه في التمثيل، عام 1964، الشاهد على ظهوره في "كانت أيام" التلفزيوني (تأليف أنطوان غندور، إخراج باسم نصر)، و"العسل المرّ" لرضا ميسر (تأليف أحمد عزت وميسر نفسه) سينمائياً، علماً أنّ كلّ معلومة تُذكَر في أرشيفٍ لبناني تحتاج إلى تنقيبٍ كثير للتأكّد من صحّتها، فالأرشيف اللبناني، للأسف، غير موثوق به، لانعدام كلّ اشتغال علمي عليه. هذا يحتاج إلى نقاشٍ، بل إلى ممارسة، لكنّ البلد معطوبٌ، ومؤسّساته العامة معطّلة، والخاصة منشغلة بمصالحها.
شهرته التلفزيونية طاغية شعبياً، وهذا طبيعي. فالمرحلة تلك غير مُنتِجةٍ سينمائياً بفعالية كبيرة، مع أنّ أفلاماً عدّة تُنجز، وله في بعضها حضورٌ. إعادة مشاهدة تلك الأفلام كفيلةٌ بتبيان "بهتانٍ" أدائي، فالأداء المسرحيّ لدى البعض أقوى، كما الأداء التلفزيوني لدى بعض آخر. مع هذا، فـ"النجاح" كامنٌ في براعة شمص وزملائه وزميلاته في ابتكار كلّ فعلٍ جميل ومتقن وجاذب من عفوية وبساطة وعدم ادّعاء وتصنّع. عفوية ترتكز على قناعةٍ عميقة بالفن عامة، وبجعل التمثيل حياةً، لا مهنة فقط. وبساطةٌ تبرز في انفضاضٍ عن كلّ ادّعاء ومبالغة، وفي منح الشخصية مفردات واقعيّة وحقيقية، لتُصبح أقدر على إثارة متعة مشاهدة ومتابعة واقتناع وحبّ.
رغم كلّ رأي وتحليل، لسمير شمص، ولجيله الفني كلّه تقريباً، مكانة بارزة في التأسيس الفعلي لمهنةٍ، سيُفقِدها تحوُّلها الأخطر لاحقاً كلَّ جمالية بريئة، وعفوية صادقة، وجمالٍ مُحبَّب.