قبل 6 سنوات، خرج عمرو واكد من مصر، ولم يعد إليها نتيجة مواقفه السياسية. في هذا الحوار نتطرق معه إلى هذه المواقف، وإلى أعماله السينمائية والدرامية خصوصاً خارج مصر، في هوليوود وفي أوروبا
لنبدأ من تجربتك في السينما العالمية، وتحديداً مع فيلم "سيريانا" (2005)، كيف وقع الخيار عليك للمشاركة في العمل؟
ببساطة حضرتْ لجنة لاختيار الممثلين إلى مصر، وقدّمت وقُوبلت، لأداء دور الشيخ عجيزة.
ألم تخف من تأدية الدور، خصوصاً أن السينما الغربية كانت تحصر العرب في تلك الفترة بأدوار الإرهابيين؟
طلبت قراءة السيناريو بالكامل قبل إبداء الموافقة النهائية. وهنا أودّ الإشارة إلى أنه وجب على الفنان ألا يرفض لعب دور "الإرهابي"، لكن مطلوب منه أن يوافق على العمل ككل ورسالته. شجاعة الكاتب هي ما دفعتني لقبول دور الإرهابي. بعدها عُرض عليّ 5 أعمال للقيام بدور عربي "إرهابي" أيضاً ورفضتها جميعها.
بعد العمل في مصر وخارجها هل وجدت اختلافات بين طبيعة العمل والممثلين والأجواء؟
توجد اختلافات كبيرة، أهمها التواضع عند الممثلين في هوليوود، إذ يعملون من دون أي فوقية، كما أنهم مثقفون بشكل كبير. والممثل الغربي، خصوصاً في هوليوود، مهتم بما يجري خارج حدوده، ويغرق في هم ما يدور بالعالم، من دون محاربة الثقافات الأخرى. ربما لأنهم لم يقعوا تحت الاحتلال، فلا اتهامات جاهزة لديهم للأطراف الأخرى.
هل الاستعمار وحده هو سبب خلق هذه الحالة بين الفنانين العرب، أي تبادل الاتهامات واستهداف فنانين آخرين بسبب مواقفهم السياسية؟
الثقافة هي التي تصنع الفرق، لذلك نرى أن أغلب الفنانين في الغرب يرفضون العمل أداة في ماكينة البروباغاندا التي تقوم بها الدولة.
هل ترى أنه من الطبيعي أن يعلن الفنان موقفه السياسي؟ هناك بعض الفنانين المصريين يمتنعون عن الحديث في السياسة، خوفاً من خسارة عملهم، أو جزء من جمهورهم.
كل فنان له كامل الحرية في إعلان موقفه السياسي أو لا، لكننا حالياً في ظرف استثنائي، لذا يجب على كل فنان أن يكشف عن موقفه، وأن يخاطب الناس، لأجل هذا أتكلم وأكتب ولن أتوقف، أنا لا أملك نفسي ولا الدولة تملكني، فمن يملكني هو الجمهور الذي صنع اسمي، وهذا جزء من رد الجميل.
ما الذي دفعك للاعتذار للرئيس الراحل محمد مرسي؟
اعتذرت عن موقفي السابق حول وجوب فض اعتصام رابعة عام 2013، حيث كنت مسيراً بالغضب من جماعة الإخوان المسلمين وقيادتها وإدارتها للأوضاع. تستطيعين القول إنني كنت ضحية لماكينة البروباغاندا. لكن بعد قراءة تقرير تقصي الحقائق والأدلة الأخرى الكثيرة، علمت أني وقعت في خطأ كبير، وهو جعلني أشعر بغضب كبير من نفسي ومن تاريخي، فشعرت بذنب كبير. لهذا اعتذرت حتى أستطيع أن أنظر إلى نفسي براحة، رغم اختلافي المعلن والمستمر مع جماعة الإخوان المسلمين.
عودة للفن، لقد عملت بلغات مختلفة وثقافات مختلفة وبالطبع في إطار مدارس سينمائية مختلفة، وتكنيك مختلف، ما الذي تعلمته؟
أولاً حرية التعبير، وأن الأهم في عملنا هو الموضوعات. في هوليوود والغرب عموماً السيناريو يناقش مواضيع حقيقية، بينما في مصر "ناس بتستعبط"، فممنوع الحديث عن السياسة، عن الدين، أو عن الجنس. كيف نناقش المواضيع المجتمعية ونحن ممنوعون من مناقشة أهم ثلاثة موضوعات هي أساس المشاكل في أي مجتمع.
من أين بداية التغيير في المشهد الفني المصري؟
البداية تكون مع قناعتنا بحرية الرأي، مثلاً أنا خارج مصر منذ 6 سنوات، وحتى اليوم لم يتصل بي أي زميل، بسبب آرائي السياسية.
طيب إذا تخطينا موضوع حرية التعبير، على الصعيد التقني هل هناك اختلافات بين الإنتاج في مصر وفي الغرب؟
في هوليوود مثلاً القطاع الخاص هو المنتج.
في الولايات المتحدة هناك ما يسمى بـ "صناديق الأفلام" التي تشارك في الإنتاج، شبيهة بصناديق الاستثمار، يشارك فيها أفراد وأحياناً بنوك، هدفها الاستثمار في السينما. في أوروبا الوضع مختلف، الدول هناك تشارك في الإنتاج، ومتحملة النصيب الأكبر في الإنتاج، وتمول من ضرائب المواطنين، وتدار بواسطة المسؤولين في وزارة الثقافة، أو الوزارات المعنية بالقطاع.
إذاً الوضع شبيه بوضعنا؟
لا، هناك فرق، الدولة تشارك بشكل منح، ولكن لا تتدخل في إدارة المشروع أو رسالته أو توجهه، الدولة هنا ممول فقط، بالطبع لديها أجندة ككل الدول، لكن حرية الفكر والتعبير مكفولة بشكل كبير. الفنان في الغرب ليست لديه محظورات، ولا يعاقب بسبب رأي سياسي أو اعتراض على نظام الحكم، لكن يعاقب لو ثبت قيامه بجرم كالتحرش مثلاً.
بالنسبة للتكنيك؟
التكنيك واحد، نحن نستعمل الأدوات نفسها والقوانين نفسها، لكن الفيصل الحقيقي هو السيناريو، ثم الأداء. فإن امتلكت الحرية ستكتب سيناريو جيّداً، ستختار الموضوعات التي تجذب الجمهور، وتؤدي أداءً باهراً ومبدعاً. ونحن في مصر نفتقد الاثنين، لا كاتب حر ولا ممثل حر.
عودة إلى الحريات، نرى ازدهار السينما الإيرانية داخل وخارج إيران، رغم طبيعة الحكم فيها والتضييق على الحريات، لماذا لا يحصل ذلك في مصر؟
الشعب الإيراني قارئ نهم ومثقف، فالمخرج هناك يخاطب شعباً بهذه العقلية، لكننا شعب "يسمع" ولا يقرأ، لدينا متعلمون، ولكن ليس مثقفون، وهناك فارق كبير. هذا تحليلي وقد أكون مخطئاً، لكن أعتقد أنّ ثقافة المتلقي في إيران فرضت على العاملين في الصناعة الارتقاء بالطرح.
أهم تجربتين مصريتين في الوقت الحالي للعمل في السينما العالمية هما تجربتك وتجربة خالد أبو النجا، كيف تقيّمها مع تجربة عمر الشريف؟
لا أستطيع أن أضع نفسي في ميزان مع أي أحد، لأن هذا ليس ميزاناً عادياً، فعمر الشريف قادم من العصر الذهبي، سواء في السينما المصرية أو العالمية. السينما العالمية اليوم أردأ من السابق بكثير، هناك 3 أو 4 مخرجين حقيقيين، أما الأبطال الخارقون والإبهار الشديد فليس له علاقة بالسينما. المخرج الكبير مارتن سكورسيزي قال لا بد أن نفرّق بين فكرتي الترفيه والسينما، حالياً السينما تحتضر ويحل محلها الترفيه.
الفيلم الوثائقي الأخير "صناع قصر الحمراء" كان على قائمة الأفلام الأكثر مشاهدة في إسبانيا، ماذا عن مشاركتك في هذه التجربة؟
الفيلم ظل في قائمة العشر الأوائل لأربعة أسابيع، وأعتبره مكسباً كبيراً، وقد شارك في مهرجانات في جميع أنحاء العالم، وتلقى ردات فعل باهرة. يتناول الشريط حقبة العصور الوسطى، حين كانت أوروبا تغرق في الظلام، لتكون علوم المسلمين أو ثقافة العالم الإسلامي هي أساس النهضة الأوروبية.