شهدت أفغانستان خلال العقود الأربعة الماضية تغيرات وتقلبات سياسية وعسكرية كثيرة، تبعتها تأثيرات اجتماعية وثقافية، انعكست بشكل مباشر على التقاليد التي اعتمدها الأفغان عند كلّ تغيّر سياسي في بلادهم. على سبيل المثال، مع سقوط حكومة محمد نجيب الله عام 1992 وسيطرة الإسلاميين على البلاد، توجه الأفغان إلى القلنسوة التقليدية المعروفة محلياً باسم "بكول". لكنّ هذا التقليد تراجع بشكل كبير بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم وحلّت محلّها العمامة والقلنسوة القندهاريتان. ومع القضاء على حكومة طالبان، عادت من جديد "قلنسوة المجاهدين".
قبل أربعة أشهر، وفي منتصف شهر أغسطس/آب الماضي عندما سيطرت حركة طالبان مرة أخرى على كابول وانسحبت القوات الأميركية من البلاد، عادت الثقافة القندهارية متمثلة في القلنسوة القندهارية والعمامة والملابس المزخرفة للانتشار في جميع أرجاء أفغانستان، وارتفع الإقبال عليها من قبل الشباب، خصوصاً هؤلاء الذين يؤيدون "طالبان" أو تربطهم بالحركة مصالح معيّنة.
هكذا لم يعد يخلو سوق شعبي في العاصمة كابول من محلات بيع القلنسوات القندهارية، والعمائم، والملابس القندهارية المزخرفة، ما جعل الشباب يتزاحمون لشرائها تماشياً مع المرحلة السائدة. يقول أحمد خان الذي يسكن حالياً في منطقة شير بور في كابول وتنحدر أصوله من مديرية ميوند في إقليم قندهار، لـ"العربي الجديد" إنه سعيد جداً عندما يرى الثقافة القندهارية تتمدد في ربوع البلاد، خصوصاً في العاصمة كابول، مشيرا إلى أنه عندما يرى الشباب "يضعون الطاقية القندهارية المزينة بأنواع مختلفة من التطريز، أشعر بسعادة فائقة، وقد جاء هذا نتيجة سيطرة (طالبان) على الحكم في بلادنا". ويصف أحمد خان، الثقافة القندهارية بالعريقة والتاريخية، مؤكداً في الوقت نفسه أنّ حركة طالبان لم ترغم أحداً على ارتداء هذه الأزياء "لكنّ الناس يتبنون هذه الثقافة من تلقاء أنفسهم".
كذلك يقول محمد عمر الذي يحضر إلى مسجد شير بور لأداء الصلاة بعدما انتقل من قندهار إلى كابول إثر سيطرة "طالبان": "أشعر بسعادة فائقة عندما أضع عمامة سوداء، تلك هي من ثقافتنا العريقة وأيضاً من ديننا، إنّ حركة طالبان لم ترغم أحداً على أن يلبس هذا أو ذاك، لكنّ الناس أنفسهم يحبون هذه الثقافة".
وكما ازداد الطلب على القلنسوة والعمامة القندهاريتين في السوق ارتفعت أسعارهما في الأيام الأخيرة، بسبب الطلب. إذ ليس مسلحو طالبان فقط من يشترون هذه القلنسوات والعمائم بل أيضاً عامة المواطنين. يقول صاحب محل للعمائم في كابول ويدعى فيض الله خان لـ"العربي الجديد" إنّه منذ سيطرة "طالبان" على كابول ازداد الطلب على العمائم: "كنت أبيع في السابق يومياً بين خمس إلى ست عمائم، لكن الآن أبيعها بالعشرات ومعظم الناس يريدون العمائم السوداء تقليداً لطالبان". يؤكد أنّ هذا أمر جيد، إذ إنّ "الناس يتبنون ثقافة أفغانية أصيلة".
كذلك، ارتفعت قيمة القلنسوات والعمائم القندهارية في أسواق العاصمة وفي المدن الرئيسية أيضاً. يقول فيض الله إنّ الأسعار ارتفعت بنسبة 30 في المائة عن السابق. وتتفاوت الأسعار حسب نوع الأقمشة المستخدمة، فتبدأ الأسعار من 300 أفغانية (3 دولارات تقريباً) إلى 4000 أفغانية (40 دولاراً تقريباً)، مؤكداً أنّ الأسعار ربما ترتفع أكثر نظراً لتدهور قيمة العملة الأفغانية مقابل العملة الصعبة، تحديداً الدولار. ويحذّر أنّ الناس في مختلف مدن أفغانستان، تحديداً في العاصمة فقراء والوضع المعيشي في البلاد هش للغاية، وبالتالي لن ترتفع الأسعار أكثر لأنّ الإقبال على شراء هذه الأزياء، تحديداً العمائم، سيتراجع.
وعلى عكس قيمة العمائم ارتفعت قيمة القلنسوات إلى حد كبير، إذ إنّ سعر بعضها وصل إلى سبعة آلاف أفغانية (70 دولاراً) أو عشرة آلاف أفغانية (100 دولار)، كما يقول تاجر القلنسوات في مدينة قندهار محمد آغا، مشيراً إلى أنّ القلنسوة القندهارية لم تخسر قيمتها ومكانتها في أي وقت من الأوقات "لكن، بعد سيطرة طالبان على البلاد ارتفعت القيمة إلى حد كبير وزاد الإقبال من جميع شرائح المجتمع والإثنيات، فنجد الشباب من شمال أفغانستان ومن إثنيات غير البشتونية يضعون الطاقية أو القلنسوة القندهارية وهو فخر لنا".
لكن محمد سمير، أحد سكان كابول، يرى عكس هؤلاء جميعاً، إذ يعتبر أنّ المعضلة الأساسية أنّ تقاليد الشعب الأفغاني على مر العقود الأربعة الماضية تتغير مع تغير الأنظمة السياسية، وهو يدل على هشاشة الشخصية عند الأفراد: "أرى كثيرين كانوا يعارضون طالبان وبكل شدة، لكن بمجرد أن وصلت الحركة إلى كابول غيّروا رأيهم وبدأوا يعتمرون العمائم والقلنسوات القندهارية لإظهار تأييدهم للحركة". ويؤكّد أنه لا يعارض ثقافة معينة، ولن يعارض ثقافة قندهار العريقة "لكن المشكلة الأساسية أنّ شريحة كبيرة من الأفغان يغيرون رأيهم بسهولة وهو أمر سيّئ... لا مشكلة في تبني ثقافة معينة، لكن لا يجب أن يرتبط ذلك بهذا الحزب أو الحركة أو المنظمة".
أما الناشط محمد داوود، المهتم بالثقافات الأفغانية والإثنيات، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ هذا التغيّر أمر طبيعي، ولا يدل على هشاشة شخصية من يتبنى ثقافة بعينها، خصوصاً إن كان ذلك عن قناعة، لكنّ المشكلة في بعض المنتفعين الذين يتبنون ثقافة محددة من أجل مصالحهم المرتبطة بهذا الطرف أو ذاك.