على من تقرأ مزاميرك يا داود؟

22 مايو 2024
ثلاثي "الجيّد، السيء، القبيح" عام 1966 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تنتشر على فيسبوك صور لعاملين في صناعة السينما الأمريكية ولقطات من أفلام قديمة، مع تجاهل لأهمية توثيق المصادر والتواريخ، ما يؤدي إلى نشر معلومات غالبًا ما تكون غير صحيحة.
- يعاني العالم العربي من فوضى في التوثيق، خاصةً على الإنترنت، مع غياب مؤسسات رسمية تمتلك أرشيفًا موثوقًا، بينما تحاول مؤسسات خاصة، بدعم غربي، ترميم الذاكرة السينمائية.
- الاستسهال في نشر صور ومعلومات دون التحقق من صحتها يسود على فيسبوك، مما يعكس لامبالاة تجاه الدقة والمصداقية، حتى في مشاركات تدّعي "حب" السينما، مثل نشر صور لأبطال "الجيّد، السيئ، القبيح" بادعاء أنها حديثة رغم وفاة اثنين منهم.

 

تتكاثر صُور عاملين وعاملات في صناعة السينما، الأميركية غالباً، في فيسبوك، ولقطات من أفلامٍ مُنتَجة في أعوام قديمة، مع صُور ممثلين وممثلات فيها بعد أعوامٍ لاحقة على تواريخ الإنتاج. هذا عاديّ ومُسلٍّ ("العربي الجديد"، 12 إبريل/نيسان 2024).

هناك أيضاً أقوالٌ لبعض هؤلاء، تتناول مواضيع عدّة، منها حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزّة وناسه، وانتقاداً لحكومة إسرائيل، من دون ذكر مصدر القول وتاريخه، ما يكشف لامبالاة قاتلة إزاء توثيق القول، إذْ يحقّ لقارئ ـ قارئة معرفة المصدر بالكامل (وسيلة النشر ـ البثّ وتاريخهما ومناسبة القول). ذكر المصدر يمنح المنشورَ في فيسبوك مصداقية، إذْ ينكشف سريعاً، من دونه، أنّ غالبية الأقوال غير صحيحة، أو أنّها صحيحة لكنّها مذكورة في مناسبات غير تلك التي يُشير إليها ناشرها في فيسبوك.

هذا منبثقٌ، وإنْ بشكل لاواعٍ، من فوضى التوثيق العربي، عامةً. فالنسخة العربية من "غوغل" مثلاً مليئة بأخطاء جمّة، وبغياب فظيع لمعلومات موثّقة علمياً. مؤسّسات رسمية عربية، يُفترض بها أنْ تُعنى بالثقافة والفنون، غير مالكة أرشيفاً يُركَن إليه، والتجربة الشخصية مع مؤسّسات لبنانية تؤكّد ذلك. مع هذا، فإنّ مؤسّسات خاصة، مموّلة من جهات غربيّة، تحاول ترميم الذاكرة السينمائية، كما يحاول أفرادٌ، مهمومون بالفنّ السابع، توثيقَ تلك الذاكرة، ما يتطلّب منهم ومنهنّ جهوداً جبّارة، يجب على مؤسّسات، رسمية وخاصة، أنْ تبذله.

الاستسهال غير مقبول. صُورٌ ولقطات مع معلومات غير صحيحة غالباً، وقلّة تُنبّه إلى هذا، لكنْ من دون جدوى. الاستسهال معطوفٌ على لامبالاة وادّعاءٍ بـ"حبّ" السينما. لكنْ، إنْ يكن هناك حبّ فعلي للسينما، فلماذا عدم التدقيق بالمنشور، وإنْ يكن في فيسبوك، بل لأنّه منشور في فيسبوك، حيث الفوضى واللامبالاة سائدتان بقوّة؟

إحدى الصُور الأشهر في فيسبوك، حالياً، تضمّ ثلاثيّ "الجيّد، السيئ، القبيح" (1966) لسيرجيو ليوني: كلينت إيستوود ولي فان كليف وإيلي والّاش. صورتان للثلاثيّ: في الفيلم ثم في الحاضر، ويؤكّد ناشر الصورتين أنّ الحاضر يعني عام 2024، أو قبله بقليل. هذا مُثير للسخرية: فان كليف ووالّاش متوفّيان عامي 1989 و2014.

هذا مثلٌ من أمثلة كارثيّة للغاية. لكنْ، على من تقرأ مزاميرك يا داود؟

المساهمون