عريضة لاستعادة الآثار المصرية من المتحف البريطاني

12 مارس 2024
تستمرّ قضية القطع الأثرية المصرية في المتحف بإثارة الجدل (أمير مكار/ فرانس برس)
+ الخط -

يتعرّض المتحف البريطاني ومعظم المؤسسات الأوروبية التي تحتفظ بمقتنيات اكتسبتها خلال فترة الاستعمار، لضغوط متزايدة، لإعادة القطع الأثرية إلى بلدانها الأصلية.

وفي خطوة قد تكون الأحدث في هذه القضية، وتحديًا إضافيًا للمتحف البريطاني، أعلن دير وستمنستر في بريطانيا في فبراير/ شباط 2024، موافقته، "من حيث المبدأ"، على إعادة لوح مقدس إلى الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية.

ومع تزايد النداءات حول مسألة الكنوز الثقافية في المتحف البريطاني، يبرز الصوت المصري، من خلال التماس يدعو الحكومة البريطانية إلى إعادة النظر في قانون المتحف البريطاني الذي وضع عام 1963، مُجدِّداً تأكيد قدرة مصر على الحفاظ على تراثها الثقافي، وحمايته للأجيال القادمة.

في هذا السياق، يشير المحامي والمستشار عمرو محب الذي أطلق الالتماس المصري، في ردّه على أسئلة "العربي الجديد" إلى جوانب أساسية في هذه القضية، إذ يسلّط الضوء أولاً على أهمية الوجود المصري، وبالتحديد من حيث العدد، في المملكة المتحدة.

ويوضح عمرو محب أنّ هناك أيضاً جاليات عربية وأفريقية أخرى تتجاوز أعدادها الملايين، وهي من دون أدنى شك تدعم هذه العريضة أو الالتماس، والذي حسب اعتقاده سيعود بالنفع عليهم جميعًا.

يضيف محب أن الالتماس لا يتعلّق بمصر وحدها، بل يهدف إلى تعديل القانون الإنكليزي للمتاحف، ما يعني أن الفائدة لن تقتصر على مصر وحدها، بل ستمتد إلى جميع دول العالم التي تقبع قطعها الأثرية في المتحف البريطاني وغيره منذ عقود من الزمن.

ويلفت إلى أنّه في حال تحقيق الالتماس الدعم الكافي من الحملات الإعلامية والترويج الشخصي، وحصوله على عشرة آلاف داعم كحدّ أدنى، سيتأهّل لرد رسمي من الحكومة البريطانية.

يشير محب أيضًا إلى وجود اعتقاد خاطئ لدى الجاليات، فيظن بعض الناس أن أي عريضة يُصوَّت عليها في البرلمان البريطاني، يشارك فيها حصرًا البريطانيون. ويشرح أن لا أساس من الصحة لهذا الاعتقاد، وأن أي فرد مقيم في بريطانيا يتمتع بحق المشاركة في عملية التصويت على العريضة.

ويشير كذلك إلى أهمية دور وسائل الإعلام في توضيح هذه الحقيقة، لتحقيق فهم دقيق للعملية الديمقراطية، ودعم التوعية لتشجيع المشاركة الشاملة في التأثير بصنع القرارات.

يرى أن العريضة التي تهدف إلى تعديل قانون المتحف البريطاني لعام 1963 تشكل خطوة أولى، وأنّه في حال حصولها على 10 آلاف توقيع، سيتولى فريق من الخبراء المصريين والعرب في مجال القانون الدولي والتخصصات ذات الصلة مهمّة مواصلة العمل عليها.

ويبدو محب متفائلاً حين يتطرّق إلى محاولات أخرى ناجحة لاستعادة الآثار، حدثت في عام 2023، حين استعادت إثيوبيا قطعاً أثرية لها. مع ذلك، يحذّر من وجود معارضين في كلّ مكان، ويدعو إلى التركيز على جذب الداعمين، لافتًا إلى أنّ الرأي العام البريطاني يتكون من أصول وأنسجة مختلفة، وكلها تؤثّر في الرأي العام.

وبالنسبة إلى عملية استعادة القطع الأثرية، يوضح أنّها ليست جزءاً من اختصاص المتحف البريطاني أو سلطاته، إذ يحدّ قانون عام 1963 من قدرته على اتخاذ قرارات منفردة في هذا السياق. ويعلّق: "برأيي، إنّ قلة المعلومات والتوعية عند الجالية العربية بمدى الاستفادة من العريضة، لم يرْقَ بعد إلى الدرجة المطلوبة لنجاحها. كذلك، إنّ العديد من المصوتين لا يعلمون أنه يجب تأكيد التصويت من خلال بريد يرسل إليهم من البرلمان لاحتساب الصوت وعدم إلغائه".

في المقابل، يتجاهل المتحدّث باسم المتحف البريطاني الردّ على سؤال "العربي الجديد" على الالتماس المصري، ويقول إنّهم لم يتلقوا أي طلب رسمي من الحكومة المصرية لإعادة حجر رشيد إلى مصر.

كذلك يشير إلى أنّ المتحف البريطاني يعمل مع شركاء في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الزملاء في جميع أنحاء مصر في المشاريع والمعارض والأبحاث، وإنهم يتمتعون بعلاقة تعاون طويلة الأمد مع وزارة الآثار المصرية. ويتابع: "يمكن لزوارنا رؤية قطع أثرية من مصر ضمن سياق الثقافات القديمة المعاصرة، بما في ذلك روما وأثينا وبلاد فارس، وهذا يتيح لهم استكشاف هذا القوس الشاسع من تاريخ البشرية وفهم كيفية تأثر العالم الحديث بهذه الحضارات العظيمة، وكيف أثّر بعضها ببعض".

بدوره، يلفت كونور واتسون، من مكتب إعلام المتحف البريطاني، إلى كيفية وصول حجر رشيد إلى المتحف البريطاني، ويقول إنّه اكتُشف في حصن رشيد، على يد جنود فرنسيين. وعندما استسلم جيش نابليون للقوات المصرية البريطانية، اتُّفق على تسليم 21 قطعة أثرية، بما في ذلك الحجر.

هذه القطع جمعها الفرنسيون للبريطانيين كهدية دبلوماسية. ووقّع آنذاك ممثلو الحكومات المصرية والفرنسية والبريطانية على وثيقة الاستسلام، التي سافرت إلى بريطانيا مع حجر رشيد.

ويقول إنّ حجر رشيد متاح لجميع المهتمين، سواء في صالات العرض أو من طريق التعيين لدعم البحث الأكاديمي.

وتستمرّ قضية القطع الأثرية المصرية الموجودة في المتحف البريطاني في إثارة الجدل.

وبرغم تأكيد المتحف البريطاني التزامه التعاون مع الشركاء العالميين، بما في ذلك مصر، وتشديده على القيمة التعليمية الناجمة عن عرض القطع الأثرية ضمن سياق ثقافي أوسع، لا تزال العديد من الأصوات المصرية وغيرها تطالب بعودة الآثار إلى بلدانها الأصلية.

ويبدو أنّ المتحف البريطاني يلجأ إلى حالة حجر رشيد، في ردّه على المطالبة باستعادة مصر للقطع الأثرية، ليبرّر بها آلاف القطع الموجودة في المتحف، إذ يبرزها كمثال على التبادلات الدبلوماسية التي شكّلت حركة التحف الثقافية، متغاضياً عن كيفية وصول الكثير من الكنوز الثقافية الأخرى إلى قاعاته.

وفي السياق المعاكس، يتطلع مؤيدو العريضة المصرية الحالية إلى تحقيق عدد كافٍ من التوقيعات قبل الثالث عشر من أغسطس/ آب المقبل، بهدف الحصول على استجابة رسمية من البرلمان البريطاني. ويناشدون المصريين وأولئك الذين يحملون قيم الضمير والوعي المشاركة في دعم مطلبهم الرامي إلى تعديل قانون المتحف البريطاني، ما قد يؤدي إلى استعادة العديد من الآثار إلى بلدانها الأصلية.

وتظهر هذه التحديات أهمية إجراء حوار مستفيض وتعاون فعّال، وربما إعادة تقييم الأطُر القانونية لتحقيق التوازن الحساس بين الحفاظ على التراث الثقافي وضمان الوصول إليه واستعادته.

المساهمون