لا يمكن تفسير ظاهرة إصرار عدد كبير من الأطباء ورجال الأعمال في لبنان على الدخول إلى عالم الفنّ بشتى الوسائل والطرق. والواضح أنه من الصعب شرح المعادلة، لكثرة ما تحمله هذه المهرجانات من مصالح وعلاقات وشبكات قوى، لا تعتمد على التصنيف الموضوعي للمشاريع أو الإنتاجات الفنية، بل على مزاجية مجموعة من الأطباء قرروا خوض غمار التجربة الفنية من هذا الباب واختيار الفائزين لتسليمهم جائزة.
تصعب مقارنة حفلات الجوائز التي تقام في لبنان بأي مهرجان آخر يُقام في العالم لجهة النتائج، فهي مجرد استثمار فنّي بين الممول، أو الراعي التجاري، وصاحب الفكرة، غالباً هو طبيب تجميل أو أسنان. وهذه المهرجانات هي نتيجة جهد شخصي غير مدعوم من قبل وزارة الثقافة، أو معاهد الفنون الخاصة بالغناء والتمثيل والسينما والمسرح.
قبل أيام، أقام طبيب التجميل اللبناني هراتش ساغبزريان حفلاً تحت عنوان "الزمن الجميل"، لتكريم مجموعة من الفنانين، هم ميمي جمال وأحمد بدير ودريد لحام وعفاف راضي. تصدر الحدث، بصوره وفيديوهاته، مواقع التواصل الاجتماعي. لكن هذا التكريم لم يخرج عن إطار المبادرة الفردية التي يحاول هراتش ساغبزريان بواسطتها حجز مكان لنفسه في المشهد الفني، من خلال لقاءاته مع فناني "الزمن الجميل"، والقول إنه تفوق على التكريم الرسمي المفترض أن يقام لهؤلاء، على الرغم من أن بعضهم كُرم في موطنه رسمياً، مثل دريد لحام (سورية) وعفاف راضي (مصر).
وبعيداً عن الشكل والـ"ترند" والفيديوهات التي أشادت بمجهود طبيب التجميل، وكلامه عن ولعه بالفنون، انتهى هذا الاستعراض من دون إضافة للمكرمين، كون اختيار الأسماء المكرمة على عاتق مؤسس وصاحب فكرة "المهرجان" الذي يشاور بعض أصدقائه وفق مزاجيته، ويقرر الجميع الاتصال بالفنان ودعوته إلى بيروت للتكريم.
مجرد عروض يقوم بها مجموعة من الأطباء اللبنانيين لا تعتمد على المعايير الفنية الواجبة لمنح الفنانين هذه الجائزة، والتفاخر بها أمام الجمهور، مما يجعلها أسيرة "الشخصنة" وعلاقات صداقة ما كانت ستحصل لولا هذا التكريم الدعائي القائم مالياً على الرعاة التجاريين من شركات طيران وفنادق ومجوهرات وغيرها.
قد يكون تنظيم هذا النوع من التكريمات، أيضاً، نوعاً من الدعاية المجانية التي يقدّمها الطبيب لنفسه في الأوساط الفنية، فكثير من الفنانين يترددون باستمرار على أطباء التجميل بهدف ضبط شكلهم ومظهرهم العام، والطبيب يجد في تكريمه لهم فرصة لاستقطابهم واستقطاب غيرهم إلى عيادته.
لأكثر من عشرين عاماً، كانت مهرجانات التكريم في لبنان مجرد استعراض للملابس، والمنافسة على الضوء، سواء من خلال حروب الأطباء أنفسهم لإثبات غلبة واحدهم على الآخر، أو من خلال التباهي المؤقت لبعض الفنانين بحملهم هذه الجوائز التي، مهما طال الزمن، ستصبح مجرد مُجسّم على رف في المكتبة وفي ذاكرة الفنان الذي حصدها.