أحدثت انتفاضة لبنان التي انطلقت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول هزّة لم تقتصر على التظاهرات الشعبية والندوات السياسية والأنشطة المدنية في مواجهة طبقة حاكمة متجذّرة تأبى النزول عن عرشها، بل طاولت الإعلام والمنصّات الرقمية التي شهدت مرحلة انتقالية، وباتت السلاح الأقوى للتأثير والتغيير وفضح ممارسات المسؤولين وملفات الفساد في ظل الدولة البوليسية التي قمعت مواطنيها عند كلّ تحرك لإسكات المنتقدين في الشوارع وعلى شبكة الإنترنت.
وفي الذكرى الأول للانتفاضة الشعبية، تنطلق منصات عدة هدفها رفع صوت اللبنانيين وأوجاعهم ومطالبهم، ومن أبرزها "تلفزيون الثورة اللبنانية" و "تي في سفنتين" TV Seventeen.
"تلفزيون الثورة اللبنانية" هو منصة إلكترونية تنطلق اليوم السبت تدريجياً، ببث فقرات وبرامج يشارك فيها عدد من الإعلاميين والفنانين والوجوه المعروفة التي "تجمّعت كلّها حول منصّة واحدة، لتعبّر عن نقمتها وتجسّد ثورتها بطريقة تشبهها"، وفق ما تقول المؤسِّسة ماتيلدا فرج الله لـ"العربي الجديد".
وتضيف فرج الله: "نعيش اليوم نقمة كبيرة على مسؤولين أودوا بالبلاد إلى الانهيار، ودمّروا لبنان وقطاعاته ومؤسساته، وأفقروا الشعب، وتركوه جائعاً مهاناً. ونحن نرى أن رفع الصوت قادر على التغيير، وهذا هدفنا وأساس المنصّة التي قرّرنا الانطلاق منها".
لا تتجاهل فرج الله الانتقادات التي وُجهت إلى بعض المشاركين في برامج التلفزيون المرتقب، لجهة انتماءاتهم الحزبية أو توجهاتهم السياسية في مرحلة معينة، لكنها ترى أن "كلّ مواطن لبناني كان في مرحلة من المراحل حزبياً أو صاحب انتماء ومشاركاً في الحياة السياسية، وكانت وجهات النظر مختلفة، وتمكّنا من العيش في ظلّها. لكن اليوم، بعد كل الأحداث والتطوّرات والظلم الذي نتعرّض له، أصبحت نقمتنا وجهة نظر، واتحدنا حولها".
وتفيد فرج الله بأن تمويل المشروع مصدره رسوم رمزية لضمان الاستمرارية، إلى جانب القسم الأكبر الذي يتولاه "أشخاص ميسورون (لم تحدد هويتهم) ومغتربون يريدون مساعدة أبناء وطنهم الأم بأي طريقة".
ومن بين الوجوه التي ستباشر العمل مع "تلفزيون الثورة اللبناني" الإعلامية إلسي مفرّج التي أصدر مجلس التّحكيم في "التيار الوطني الحر" الذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية ميشال عون قراراً بفصلها، وإلزامها تسليم بطاقتها الحزبية، في يونيو/حزيران الماضي.
وجاء قرار فصل مفرّج بعد أيام من محاولة دعم إحدى المتظاهرات، وقولها عبر برنامج "صار الوقت"، على شاشة "أم تي في" اللبنانية، إنّها تخاف على الحريات في لبنان ومن تحوله إلى دولة أمنية. كذلك وصفت العهد الحالي بـ"الأسوأ والأكثر مرارة"، في حديثها لموقع "أساس ميديا" الإخباري، في يوليو/ تموز الماضي.
وإطلالتها في "تلفزيون الثورة اللبنانية" ستدور في فلك ما واجهته نفسها، إذ ستتطرق في برنامجها إلى مواضيع الحريات والحقوق المدنية والسياسية، وستسلط الضوء تحديداً على التوقيفات والاعتداءات المرتبطة بحرية الرأي والتعبير.
وتقول مفرّج، لـ"العربي الجديد"، إن برنامجها "لن يكون معلبّاً داخل استديو خاص، بل اتخذت من الميدان مركزاً لتقاريرها، ثم ستسلك الطريق القانوني لمتابعة الملفات قضائياً". وتوضح "سنتابع عبر البرنامج التوقيفات ومصير الموقوفين، وما إذا كانت جرت معاملتهم وفق الأصول والقوانين وشرعة حقوق الإنسان خلال التحقيقات".
في السياق نفسه، تفيد إحدى مؤسسات "سفنتين تي في"، دعد سعد، بأن التلفزيون انضم الى شبكة "عرب سات" و"كابل فيزون"، ويضم موقعاً إلكترونياً، وسيبث بواسطة تكنولوجيا الإنترنت.
وتشير سعد إلى أنّ المشاركين في القناة ليسوا من الوجوه المعروفة، بل شباب شاركوا في الانتفاضة وناشطون يطمحون الى التغيير "من خلال سلاح الصوت والكلمة"، لكنهم تلقّوا تدريبات مكثفة من أستاذ الإلقاء أنطوان كاسابيان الذي درّب عشرات الوجوه الإعلامية والفنية.
وتقول إن "التمويل أتى من ثوار على الأرض، والتطوع جاء من أشخاص من مختلف الاختصاصات المرتبطة بالإعلام والغرافيك والتكنولوجيا وناشطين يطمحون إلى إيجاد مساحة تشبههم وتضيء على مشاكل الوطن وتكشف فضائح المسؤولين أمام الرأي العام".
من جهة ثانية، يوضح مدير التحرير وليد داهوق، لـ"العربي الجديد"، أنّ التلفزيون سيكون "وسيلة تواصل إعلامية بين الثورة وشبابها الذين انتفضوا في 17 أكتوبر ولم يتركوا الساحات حتى استرجاع دولتهم من طبقة سياسية، أدى فسادها الى انهيار الدولة"، مشدداً على أنّ Seventeen TV "انطلق من رحم 17 أكتوبر، وسيُحاكي لغة الشباب المنتفض الثائر".
ويؤكد داهوق أنّ المشاركين في التلفزيون هم من المتطوعين الذين لا يتلقون أجراً مقابل عملهم، و"سنلتزم المعايير العالمية في معالجة الأخبار والسياسية التحريرية والأخلاقيات التي للأسف تفتقدها معظم القنوات المحلية، وسيغلب على محتوى النشرات التقارير التنموية، وتسليط الضوء على مشاكل الناس وهموم المواطنين والحقوق المسلوبة".
ويرى أن أمام التلفزيون فرصة للنجاح، اعتماداً على التقنيات الحديثة المتوافرة بأسعار معقولة، ورغبة المقيمين والمغتربين في المساعدة، لافتاً إلى أنهم قد يلجأون مستقبلاً إلى سياسة التسويق لدعم البرامج. ويقول إن لدى القناة فريقاً متطوعاً لدراسة مصادر التمويل "النظيفة" المحتملة التي لن تؤثر على موضوعيتها واستقلاليتها.