عامان على قرارات سعيّد: الصحافة التونسية في كابوس

27 يوليو 2023
خلال وقفة احتجاجية للصحافيين التونسيين في مايو الماضي (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

مرّت سنتان على قرارات الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الاستثنائية التي كان لها الانعكاس الكبير على أحوال الصحافة والعاملين فيها، إذ بلغت الاعتداءات، خلال هذه الفترة، مستوى قياسياً، وتدهورت الحريات، مما دفع منظمات مهنية وحقوقية، محلية وعالمية، إلى دق ناقوس الخطر، والتحذير من المنحى الذي آلت إليه الأمور.
يوم 25 يوليو/ تموز من عام 2021، أعلن قيس سعيّد قراراته الاستثنائية عززت صلاحياته التنفيذية والتشريعية. أصدر سعيّد بداية أمراً رئاسياً يمدد تعليق البرلمان، مع استمرار رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ثم أقال رئيس الوزراء، وعلّق عمل البرلمان، وتولى السلطة التنفيذية، مستنداً إلى "حالة طوارئ وطنية"، وهو ما اعتبره خصومه انقلاباً.
هذه القرارات كان لها التأثير الكبير على الإعلام التونسي الذي كان يعد المستفيد الأكبر من الثورة التونسية عام 2011، حين حررته من القيود التي كانت مفروضة عليه، وخرج من بيت الطاعة وقتها.
وفي هذا السياق، عقدت قوى المجتمع المدني الديمقراطية ملتقى في العاصمة التونسية الثلاثاء. خلال هذا الملتقى، أكّدت نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أميرة محمد أن "الوضع اليوم، بعد سنتين من تولي الرئيس قيس سعيد كل السلطات، أكثر من كارثي في قطاع الإعلام، ويستدعي وقفة تأمل جادة للخروج من هذا الوضع الخطير".
ودلّلت أميرة محمد على ذلك من خلال مجموعة من الإحصائيات المفزعة، إذ بينت أنه "بين عامي 2021 و2023، تعرض الصحافيون التونسيون إلى 473 اعتداء، 325 اعتداء ارتكبتها جهات رسمية، أي أن أكثر من 70 في المائة من الاعتداءات تسبب فيها مسؤولون رسميون". وأضافت أن "تونس شهدت خلال هاتين السنتين أعلى معدل ملاحقات قضائية للصحافيين، بمعدل ثلاث ملاحقات كل شهرين، وهو رقم لم نشهده بعد الثورة التونسية، كما تمّ الزج بأربعة صحافيين (ثلاثة من الذكور وزميلة صحافية) في السجن، وصدرت ضدّ بعضهم أحكام سالبة للحرية تصل إلى خمس سنوات سجن، وهو أمر مفزع يترجم الحالة التي وصلت إليها حرية الصحافة في تونس خلال السنتين الماضيتين".
أما على المستوى المؤسساتي، فأشارت نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى أن "السلطة التونسية وضعت يدها على مؤسسات الإعلام الرسمي، من خلال عودة الحجب في وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات)، وتحول التلفزيون التونسي إلى بوق دعاية للنظام، في حين لا نعلم مدى قدرة بعض جيوب المقاومة في الإذاعة التونسية على الصمود أمام هذا التيار الجارف للعودة بالإعلام التونسي إلى مربع الاستبداد الأول قبل الثورة التونسية". وقالت أميرة محمد: "السلطة التونسية تعتمد سياسة العصا والجزرة مع المؤسسات الإعلامية المصادرة (شمس أف أم ودار الصباح): إما دخول بيت الطاعة، أو التجويع من خلال قطع مصادر التمويل".

واعتبرت محمد أن وضع الإعلام التونسي عرف انتكاسة كبرى بعد سنتين من حكم الرئيس قيس سعيد، مبينة أن السيطرة على الإعلام "ستؤدي إلى وأد كل نفس ديمقراطي"، وهو ما شاركه فيه رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، ورئيسة جمعية النساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي. الطريفي والزغلامي نبها إلى أن وضع الحريات العامة والفردية، بما فيها حرية الصحافة، يشهد تراجعاً كبيراً. وذكرا تحديداً إقدام سعيّد على إصدار المرسوم 54، في 13 سبتمبر/ أيلول من عام 2022، المتعلق بالجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال الذي عمل على تجريم حرية الرأي والفكر، من خلال سن عقوبات ردعية سالبة للحرية.
أميرة محمد ونائلة الزغلامي وبسام الطريفي أجمعوا على أن الحلّ في ضمان حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير هو في توحيد جهود قوى المجتمع المدني للدفاع عن هذه المكتسبات وصونها من كل انتكاسة وتدعيمها بحقوق أخرى، مؤكدين عزمهم على مقاومة كل من يريد المسّ بهذه الحقوق.
وكان نقيب الصحافيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، قد تحدث لـ"العربي الجديد"، وحمّل "السلطات التونسية مسؤولية ما آلت إليه الأمور". وقال الجلاصي: "نحن نعيش اليوم حالة غريبة، إذ بتنا كلنا مشاريع سجناء في ظل التزايد المهول لعمليات الإيقاف والتحقيق على خلفية ما نعبر عنه". وشدّد على أن "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين وشركاءها من المجتمع المدني سيواصلون النضال من أجل ضمان حرية الرأي والتعبير والحريات الفردية والجماعية باعتبارها المحرّك الأساسي للنظام الديمقراطي".

المساهمون