حالة من الحفاوة الملحوظة نالها الفيلم الوثائقي المصري "عاش يا كابتن"، لمي زايد، مع عرضه في المسابقة الرسمية للدورة الـ42 (2 ـ 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، قبل فوزه، بشكل غير مُفاجئ، بـ3 جوائز: الهرم البرونزي لأفضل عمل أول أو ثاني لصانعه، و"إيزيس" لأفضل فيلم مصري يُبرز قضايا المرأة، وجائزة الجمهور.
يتناول الفيلم ساحة تدريب شعبيّ في الإسكندرية، حيث يُدرِّب كابتن رمضان، لسنين طويلة، بطلات رفع الأثقال المصريات، وأبرزهنّ ابنته نهلة رمضان، الفائزة ببطولة العالم للناشئين، والتي نافست على ميدالية أولمبية في رفع الأثقال، في "أولمبياد 2004 ـ أثينا" و"2012 ـ لندن".
يبدأ الفيلم بنصّ مكتوب عن نهلة، وإلهامها بطلات أخريات؛ وتسير أحداثه مع زبيبة (13 عاماً)، التي تتدرّب في الساحة، ويُنتَظر منها تحقيق الكثير في المستقبل القريب. الفيلم يتابع رحلتها ورحلة كابتن رمضان والساحة الشعبية أيضاً، في 4 أعوام كاملة استغرقها التصوير.
أسباب عدّة تميّز "عاش يا كابتن"، وتعتبره استثنائياً في هذه المرحلة من واقع السينما المصرية، بدءاً من اختياره "كيف يحكي؟"، بمتابعته الحياة اليومية لشخصياته، من دون أيّ تدخّل أو ظهور لمخرجته أو لأحد صنّاعه، ومن دون حديثٍ مباشر، ولو عابراً، بين شخصياته والكاميرا. أمرٌ صعبٌ للغاية، لكنّه خيار فني مُلائم، يمنح الفيلم اختلافاً واضحاً. هناك الشخصيات نفسها، ودورها في الأثر الذي تتركه في المُشاهد، وتحديداً كابتن رمضان، العجوز النشيط، والمتحدّث الدائم، وسليط اللسان الذي لا يهدأ، والباحث عن دعمٍ من الدولة لتحسين الوضع المؤسف للساحة الشعبية، التي يديرها ولا يكترث بها أحد ("محدش بيقولنا إزيكم"، بحسب تعبيره)، رغم تخريجها الدائم بطلات في رياضة رفع الأثقال.
هناك انجذاب كبير إلى كابتن رمضان، وتعليقاته اللافتة للانتباه، والطريقة "الخشنة" والحادّة التي يعنِّف بها الشابات أثناء التدريب، أو في مباريات البطولات، قبل مصالحتهنّ بحنانٍ أبوي لا يوصف. في المقابل، تبرز زبيبة كنقيضٍ له. فرغم أنّها بطلة الفيلم، يندر أنْ تتكلّم. مع ذلك، تُعبّر عيناها وملامحها عن كلّ شيء. متابعة رحلتها ومباريات البطولة المُختلفة التي تُشارك بها، تورِّط المُشاهد معها ببطء، مع استمرار الأحداث، بل مع كل "رفعة" جديدة، ناجحة أو لا.
الجاذبية الاستثنائية للشخصيات لم تظهر إلّا بقدرة صنّاعه أنفسهم، في الفترة الطويلة للتصوير (4 أعوام) ـ التي أنتجت نحو 300 ساعة، كما قالت مي زايد بعد عرضه ـ على محو أيّ حاجزٍ بين الشخصيات والكاميرا. لا شعور، ولو للحظةٍ واحدة من مدّة العرض، بأنّ هناك كاميرا وتصويراً، أو افتعال أيّ حديث أو ردّ فعل. هناك صدق في معاينة حياة الشخصيات كما هي، وهذا أحد أكبر المنجزات التي يُمكن لفيلمٍ وثائقي تحقيقها، مانحاً "عاش يا كابتن" لحظاتٍ سينمائية عدّة، مؤثّرة للغاية.
العنصر المهمّ الأخير في تميّز الفيلم عائدٌ إلى المونتاج (زايد والمونتيرة سارة عبد الله)، الذي استغرق العمل عليه، بحسب المخرجة أيضاً، عاماً ونصف عام، لتحقيق بناءٍ درامي واضح للـ300 ساعة درامية المتناثرة، ما يجعل المونتاج الـ"بطل" التقني الرئيسي للفيلم، في سرديّته وبنائه العام، المتمحورين حول بطولات رفع الأثقال، التي تشارك فيها زبيبة، وحول أدائها فيها، وتمارينها اليومية السابقة عليها، وعلاقتها بكابتن رمضان، وعلاقة الأخير نفسه بالصبايا الأخريات، كما بالدولة والمسؤولين، وبالموت أيضاً، الحاضر منذ البداية.
يتميّز المونتاج أيضاً في التقطيع داخل المشهد الواحد، وخلق شعور بمشاهدة فيلمٍ روائي لا وثائقي، بما يتّفق مع خيارات مي زايد وطموح الفيلم، وهذا تحقق بجودة كبيرة.
"عاش يا كابتن" مؤثّر ومهمّ ومختلف، يطرح رؤية نسوية للعالم من دون ضجيج، لأنها خارجة من قلب الشارع، ومن حياة يومية لأناسٍ عاديين. لكنّها، بفضل سينمائيين موهوبين وأعوام مديدة من العمل، تظهر أجمل وأكثر درامية من أيّ حكاية مصنوعة.