في 16 سبتمبر/أيلول من عام 1987، وقعت 24 دولة اتفاقاً نص على حظر استخدام المواد الضارة والمستنفدة لطبقة الأوزون، مثل مركبات الكلورو فلورو كربون. عرف الاتفاق باسم "بروتوكول مونتريال"، نسبة للمدينة الكندية التي احتضنته، وبلغ عدد الدول الموقعة عليه أكثر من 190 دولة.
الآن، وبعد مرور 35 عاماً على توقيع بروتوكول مونتريال، يتوقع العلماء أن تتعافى طبقة الأوزون في غضون أربعة عقود، مع تسارع الجهود العالمية الرامية للتخلص التدريجي من المواد الكيميائية المستنفدة لطبقة الأوزون، كنتيجة طبيعية لجهود التخفيف من حدة التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري.
درع الأرض
يقصد بطبقة الأوزون الجزء من طبقة الستراتوسفير الذي يحمي كوكبنا من أشعة الشمس فوق البنفسجية. وهي منطقة من الغلاف الجوي العلوي، تقع بين 15 و35 كيلومتراً فوق سطح الأرض تقريباً، وتحتوي على تركيزات عالية نسبياً من جزيئات الأوزون (O3). يوجد ما يقرب من 90 في المائة من الأوزون في الغلاف الجوي في الستراتوسفير، وهي المنطقة الممتدة من 10 إلى 18 كم إلى ما يقرب من 50 كم فوق سطح الأرض. ترتفع درجة حرارة الغلاف الجوي في طبقة الستراتوسفير بشكل متزايد، وهي ظاهرة ناتجة عن امتصاص طبقة الأوزون للإشعاع الشمسي. تحجب طبقة الأوزون بشكل فعال جميع الإشعاعات الشمسية -تقريباً- ذات الأطوال الموجية التي تقل عن 290 نانومترا من الوصول إلى سطح الأرض، بما في ذلك أنواع معينة من الأشعة فوق البنفسجية وأشكال أخرى من الإشعاع التي يمكن أن تصيب أو تقتل معظم الكائنات الحية. ويعتقد العلماء أن تكوين طبقة الأوزون لعب دوراً مهما في تطوير الحياة على الأرض، من خلال فرز المستويات المميتة من الأشعة فوق البنفسجية، وبالتالي تسهيل هجرة أشكال الحياة من المحيطات إلى اليابسة، وفقاً لنظريات البيولوجيا الجزيئية.
في التقرير الرباعي الذي أعده فريق الخبراء المدعوم من الأمم المتحدة، وعُرض يوم التاسع من الشهر الحالي، في الاجتماع السنوي الـ 103 لجمعية الأرصاد الجوية الأميركية، حذروا من أن بعض التأثيرات "غير المقصودة" قد تكون لها نتائج سلبية على الطبقة التي تحمي الأرض من الآشعة الضارة. يعني العلماء بالتأثيرات غير المقصودة الإجراءات التي تتبعها بعض البلدان، وتعرف باسم "الهندسة الأرضية"، وتعتمد إضافة الهباء الجوي إلى طبقة الستراتوسفير، كطريقة محتملة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، عن طريق زيادة انعكاس ضوء الشمس. التقرير حذر من أن العواقب غير المقصودة لحقن الهباء الجوي الستراتوسفيري يمكن أن تؤثر أيضاً على درجات حرارة الستراتوسفير، والدورة الستراتوسفيرية، وإنتاج الأوزون ومعدلات تدميره ونقله.
صدر التقرير متضمناً نتيجة التقييم الذي يجري مرة كل أربعة أعوام، لمتابعة مدى التزام الدول الموقعة على بروتوكول مونتريال ببنود الاتفاق الذي يهدف إلى الحد من غازات الدفيئة المسببة لنفاد طبقة الأوزون التي تحمي الحياة على الأرض، ويمكن وصفها بـ"درع الأرض". وأشارت نتيجة هذا العام إلى أن الالتزام ببنود الاتفاق أدى إلى التخلص التدريجي من ما يقرب من 99 في المائة من المواد المحظورة المستنفدة للأوزون، ما أدى إلى استعادة ملحوظة لطبقة الأوزون في الجزء العلوي من الستراتوسفير، وتقليل تعرض البشر للأشعة فوق البنفسجية.
تعديل كيغالي
في يناير من عام 2019، دخل تعديل كيغالي على بروتوكول مونتريال حيز التنفيذ، في خطوة مهمة على طريق خفض إنتاج واستهلاك الغازات الدفيئة القوية المعروفة باسم الهيدروفلوروكربون (HFCs)، والحد بشكل كبير من الاحترار العالمي. ومركبات الكربون الهيدروفلورية هي مركبات عضوية تستخدم بكثرة كمبردات في مكيفات الهواء وغيرها من الأجهزة، كبدائل للمواد المستنفدة للأوزون الخاضعة للرقابة بموجب بروتوكول مونتريال. وتعد مركبات الكلور، ومن ضمنها ثلاثي كلورو فلورو الميثان، من المركبات المستنفدة لطبقة الأوزون التي نص اتفاق مونتريال على السعي إلى حمايتها وتقليص الانبعاثات المستنفدة لها. ويعتمد تعافي طبقة الأوزون على استمرار تراجع تركيزات ثلاثي كلورو فلورو الميثان.
يتطلب هذا التعديل الذي تأخر تطبيقه ثلاث سنوات (جرى التوقيع عليه عام 2016) خفضاً تدريجياً لإنتاج واستهلاك بعض مركبات الكربون الهيدروفلورية (HFCs). ومركبات الكربون الهيدروفلورية لا تستنفد الأوزون مباشرة، بل هي غازات قوية تحدث تغيراً في ظروف المناخ.
تتوقع الأمم المتحدة أنه في حالة الالتزام ببنوده، فإن تعديل كيغالي، سيقلص ما يصل إلى 0.4 درجة مئوية من الاحترار العالمي خلال القرن الحالي، مع الاستمرار في حماية طبقة الأوزون، وتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ. وفي سبتمبر/أيلول من عام 2019، أعلن برنامج مراقبة الأرض التابع للاتحاد الأوروبي، "كوبرنيكوس"، أنه من المرجح أن يكون ثقب الأوزون قد بلغ أصغر حجم له خلال عام 2019 مقارنة بالـ30 عاما الماضية، ليصل إلى حجم لا يتجاوز الـ10 ملايين كيلومتر مربع، مقارنة بـ25 مليون كيلومتر مربع في ذروة التدهور. وأرجع المرصد هذا التقدم إلى نجاح الأطراف في تطبيق بروتوكول مونتريال.
إشارات من القطب الجنوبي
أشار التقرير الأممي الجديد إلى أنه إذا استمرت البلدان في الالتزام ببنود اتفاق مونتريال، فمن المتوقع أن تعود طبقة الأوزون إلى مستويات ما قبل ظهور ثقب الأوزون عام 1980، وذلك بحلول عام 2066، فوق القطب الجنوبي، وبحلول عام 2045 فوق القطب الشمالي، وبحلول عام 2040 لبقية العالم. أظهرت دراسة نشرتها وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تراجعاً في حجم ثقب الأوزون أعلى القطب الجنوبي، ليصل إلى 23.2 مليون كيلومتر مربع في الفترة بين 7 سبتمبر و13 أكتوبر 2022. كانت هذه المنطقة المستنفدة من طبقة الأوزون فوق القطب الجنوبي أصغر قليلا من العام الماضي، وبشكل عام استمر الثقب في الانكماش بشكل عام في السنوات الأخيرة. لاحظ الباحثون بعض التذبذب في حجم الثقب مع تغير ظروف الطقس وعوامل أخرى تجعل الأرقام تتذبذب قليلا من يوم لآخر ومن أسبوع لآخر.
في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، رصد الخبراء في خدمة مراقبة الغلاف الجوي في "كوبرنيكوس"، عند إغلاق ثقب الأوزون في القطب الجنوبي عام 2022 بعض السلوكيات غير العادية. إذ لم يستغرق إغلاق ثقب الأوزون وقتاً أطول من المعتاد فحسب، بل كان وقتاً طويلاً نسبياً، ويختلف عما لوحظ في الأربعين عاما الماضية.
يبدأ ثقب الأوزون في القطب الجنوبي عادة في الاتساع خلال ربيع نصف الكرة الجنوبي (في أواخر سبتمبر) ويبدأ في التراجع والانكماش خلال أكتوبر، قبل أن ينتهي تماماً خلال نوفمبر/تشرين الثاني، كما هو المعتاد. ومع ذلك، تظهر بيانات نظام إدارة ضمان الكفاءة من السنوات الثلاث الماضية سلوكا مختلفا. في ما يتعلق بأسباب هذا السلوك الجديد، قال الخبراء الأوروبيون، وفق التقرير الصادر عن كوبرنيكوس"، إن هناك عدة عوامل تؤثر على مدى ومدة ثقب الأوزون كل عام، ولا سيما قوة الدوامة القطبية ودرجات الحرارة في الستراتوسفير. كما تميزت السنوات الثلاث الماضية بدوامات قوية ودرجات حرارة منخفضة، ما أدى إلى حلقات متتالية كبيرة وطويلة الأمد لثقب الأوزون. وهناك علاقة محتملة مع تغير المناخ التي تميل إلى تبريد الستراتوسفير.
على الرغم من النتائج التي وصفها التقرير بغير العادية، فقد أشاد الخبراء الأوربيون ببنود بروتوكول مونتريال التي يقولون إنه بفضلها ظلت تركيزات المواد المستنفدة للأوزون تتناقص ببطء ولكن بثبات منذ أواخر التسعينيات. ومن المتوقع أن تعود تركيزاتها في الستراتوسفير إلى مستويات ما قبل الصناعة في غضون 50 عاماً.