من اللحظة التي التقطت فيها هذه الصورة أصبحت صورة العام. في الصورة، ينظر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب شزراً مباشرة إلى عدسة الكاميرا كأنه يتحدّاها. خلفية الصورة رمادية، وهناك بقعة ضوء أبيض تنعكس على وجهه وشعره الأشقر من الأسفل. كالعادة، يرتدي ألوان العلم الأميركي: بدلة باللون الأزرق الغامق، وقميص أبيض، وربطة عنق حمراء زاهية، لكن دبوس طية صدر السترة الذي يشتهر به إما غير موجود أو غير مرئي في الصورة.
يحدق من تحت حاجبيه، غير مبتسم، وقد ظهرت عيناه محتقنتين بالدم بشكل غريب، وجبهته مجعدة، وذقنه مدسوسة إلى الداخل، كما لو كان على وشك ضرب الكاميرا برأسه. الصورة صارخة، ومجردة من الأعلام ومظاهر الترف التي كانت تشكل الإطارات المفضلة لدى ترامب عند التقاط الصور التذكارية في ناديه الخاص في فلوريدا أو في برج ترامب في نيويورك، أو خلال فترة ولايته في منصبه. أثناء جلسة التصوير الرسمية للبيت الأبيض قبل وقت قصير من توليه منصب الرئيس، عبس ترامب أمام الكاميرا، وأخبر مساعديه أنه يعتقد أنه يشبه الزعيم البريطاني ونستون تشرشل.
التقطت هذه الصورة في سجن مقاطعة فولتون في ولاية جورجيا لدى توقيف ترامب لفترة وجيزة مساء الخميس، بتهمتَي الابتزاز والتآمر لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالحه. الصورة ستُسجّل في التاريخ بوصفها أوّل صورة جنائيّة لرئيس أميركي سابق، وستنضم إلى مجموعة مماثلة تاريخية لصور مشاهير.
وندّد ترامب بـ"مهزلة قضائيّة" بعد توقيفه رسميّاً الخميس بتهمتَي الابتزاز والتآمر في جورجيا، واصفاً ما حصل بأنه "تدخّل انتخابي". وقال ترامب لصحافيّين بينما كان يستعدّ للسفر من أتلانتا، بعد أن أوقِف فترة وجيزة والتُقِطت له الصورة الجنائيّة: "ما حدث هنا هو مهزلة قضائيّة. لم نرتكب أيّ خطأ. لم أرتكب أي خطأ". وأضاف: "ما يفعلونه هو تدخّل في الانتخابات". ولم يُحدّد ترامب الجهة التي يتّهمها بالتدخّل، لكنّه سبق له أن ندّد بالرئيس جو بايدن وبسواه من الديموقراطيّين، زاعمًا أنّهم يعرقلون حملة إعادة انتخابه.
وبعد أخذ مقاساته، أطلِق سراح الرئيس السابق بكفالة حُدّدت قيمتها بـ200 ألف دولار. وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، أمضى ترامب نحو 20 دقيقة فقط في سجن مقاطعة فولتون، حيث خضع لبعض الإجراءات الروتينية الخاصة باستقبال المتهمين الجنائيين. أخذت بصمات أصابعه، والتقطت صورته. حصل على رقم تعريف P01135809 في نظام العدالة الجنائية في مقاطعة فولتون. في سجل ترامب في نظام الحجز في مقاطعة فولتون، أدرج على أنه ذو شعر "أشقر أو أشقر الفراولة"، ويبلغ طوله 6 أقدام و3 بوصات (متر و95 سنتمترا) ووزنه 215 رطلاً (97 كيلوغراما ونصف). وهذا الوزن أقل بـ24 رطلاً (نحو 11 كيلوغراما) من الذي كشفه طبيب البيت الأبيض عن وزن ترامب عام 2018.
نشر ترامب نفسه صورته الجنائية فجر الجمعة على "إكس"، في أول منشور له على منصّة تويتر سابقاً، منذ يناير/ كانون الثاني 2021 حين علق حسابه لانتهاكه سياسة المنصّة، بتشجيعه حشداً من أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن في 6 يناير 2021، لمنع الكونغرس من المصادقة على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. وأعاد مالك "تويتر" الجديد، إيلون ماسك، تفعيل حساب ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد أيام من إعلان الملياردير الجمهوري قراره الترشح للرئاسة، لكنه لم ينشر أي تغريدة حتى الآن مفضلاً البقاء على منصته الخاصة "تروث سوشال".
ويتضمن منشور ترامب الصورة الجنائية التي التقطت له في سجن مقاطعة فولتون ورابطاً إلى حملته للانتخابات الرئاسية 2024. وكتب فوق الصورة "صورة جنائية – 24 أغسطس/ آب 2023"، وألحقها بعبارتي "تدخل في الانتخابات" و"لا استسلام".
ويأتي تسليم ترامب نفسه لسلطات جورجيا بعد ساعات على المناظرة الأولى في ميلووكي للجمهوريين المرشحين للانتخابات التمهيدية التي آثر عدم المشاركة فيها، بدعوى أنّ استطلاعات الرأي تؤكّد تصدّره بفارق كبير عن بقية منافسيه. وعلى الرغم من تغيّبه عن المناظرة، فقد كان الحاضر الأبرز فيها. وبدأت المناظرة في ميلووكي بعد دقائق على بثّ مقابلة مسجّلة للإعلامي اليميني المتشدّد تاكر كارلسون مع ترامب عبر "إكس".
نجله دونالد ترامب جونيور شارك عبر "إكس" رابطاً يحيل إلى متجر إلكتروني خاص به، عرض عليه تصميمات مختلفة لقمصان وأكواب وملصقات عليها الصورة الجنائية التي التقطت للرئيس السابق، بالإضافة إلى شعارات "حرروا ترامب" و"مطلوب في 2024... لأربع سنوات إضافية". حدد سعر كوب القهوة بـ15.99 دولاراً، والقميص بـ29.99 دولاراً، والملصق بـ19.99 دولاراً. وكتب دونالد ترامب جونيور: "سيتم التبرع بجميع الأرباح من المتجر الإلكتروني الخاص بي إلى صندوق الدفاع القانوني، لمحاربة الطغيان والجنون الذي نشهده أمامنا. على عكس الكثيرين، لن أحاول الاستفادة من هذا، لكني سأفعل ما في وسعي للمساعدة".
ترامب ليس محرجاً من هذه اللقطة إذاً، بل يقدمها، كعادته، على أنها دليل آخر على مظلوميته، ويستفيد منها إلى أقصى حد إعلامياً، وهي لعبة يجيد الرئيس الأميركي السابق لعبها.
وغالباً ما تلازم هذه الصورة المعروفة باللغة الإنكليزية بكلمة mugshot المشاهير الكثر الذين اضطروا إلى الخضوع لها. فقبل دونالد ترامب، خضع لها آل كابون وجين فوندا وهيو غرانت وغيرهم.
ومن أشهر الصور الجنائية، تلك الملتقطة لنجم كرة القدم الأميركية السابق أو. جاي. سيمبسون، عندما أوقف للاشتباه بأنه قتل زوجته السابقة وصديقها. بعد أسبوع على التقاطها، تصدرت غلاف مجلة تايم، ولا تزال حتى اليوم توضع على بعض القطع التذكارية من قمصان قطنية وآلات غيتار كهربائية.
وتواصل الممثلة الأميركية جين فوندا، عبر موقعها الإلكتروني، بيع ملابس وفناجين قهوة تحمل صورتها الجنائية الملتقطة عام 1970. وأوقفت يومها في مطار كليفلاند بتهمة الاتجار بالمخدرات التي أسقطت عندما أظهرت التحاليل أن حقيبتها تحوي أقراص الفيتامين. واستغلت فرصة التقاط الصورة لتظهر بوضعية استفزازية رافعة قبضتها مع عودتها للتو من كندا حيث ألقت خطاباً مناهضاً لحرب فيتنام. وقالت الممثلة والناشطة لصحيفة لوس أنجليس تايمز عام 2018: "بالتأكيد استفدت جداً من توقيفي هذا".
لكن بالنسبة للكثير من المشاهير، أدت هذه الصور إلى سقوطهم الكبير. فكان من الصعب التعرف إلى نجم رياضة الغولف تايغر وودز الذي أوقف وهو نائم في سيارته في كاليفورنيا عام 2017. وأوضح وودز أنه كان تحت تأثير مسكنات أوجاع قوية، إلا أن وجهه المنتفخ ولحيته الشعثة وعينيه الغائرتين أصبحت مرادفاً لانحراف سببته مشاكل في الظهر عانى منها.
أما شعر الممثل نيك نولتي الأشعث، إثر توقيفه عام 2002 وهو يقود تحت تأثير عقاقير مثبطة للجهاز العصبي، فكانت مؤشراً إلى السقوط المدوي لهذا الرجل الذي اختير قبل عشر سنوات على ذلك "أكثر رجال العالم إثارة".
الممثل هيو غرانت أثار فضيحة عندما ضبط مع بائعة جنس في سيارة، وأظهرته صورة الشرطة في لوس أنجليس مع تعابير وجه بدا عليها الإحراج. وكان الممثل البريطاني على علاقة يومها بالممثلة ليز هورلي.
صحيح أن ترامب أول رئيس سابق تدرج صورته في ملفات القضاء الأميركي إلا أنه ليس السياسي الأول. فالمرشح للانتخابات التمهيدية الديمقراطي في 2008، جون إدواردز، أوقف في 2011 للاشتباه باختلاس أموال من حملته لاخفاء خيانته الزوجية، قبل أن يدان خلال محاكمته. أما حاكم ولاية تكساس ريك بيري فقد ظهر بابتسامة عريضة في صورته الجنائية عندما أوقف عام 2014 بشبهة استغلال السلطة واتهامات أسقطت بعد ذلك.