صورة الدليل في محكمة لاهاي: الإبادة بالعلامة المائية

15 يناير 2024
من أمام المحكمة الدولية (ميشيل بورو/ Getty)
+ الخط -

هي سابقة تاريخية أن تقف دولة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعيّة. ونركز على كلمة دولة، لأن محكمة لاهاي مختصة بمقاضاة الدول، وليس الأفراد. ويرجح ألا يوصف "كلّ" العدوان على قطاع غزة بالإبادة الجماعية، بل يكفي حدث محدد موثق بدقة، كي تُدان دولة الاحتلال الإسرائيلي.
اللافت في الجلسات التي عقدت، هو الدليل الذي استُخدم، بعيداً عن الخطابة القانونيّة. نرى في الجلسة الأولى، نهاية الساعة الأولى، استعراض تسجيليين، كلاهما مصوّر بهواتف نقالة. نحن هنا أمام مفارقة لا يمكن تجاهلها، تحول إثرها الشخصي والذاتي المصور بهاتف نقال احتفالاً بالقتل، إلى دليل في واحدة من أعلى الهيئات القضائيّة في العالم. الشخصي والاعتباطي أو حتى الأيديولوجي تحول إلى دليل إدانة لبلد بأكمله، ليس لشخص. وربما هي سابقة قانونية، كون الدليل هنا لم يحصل عليه من ملفات سريّة أو اعترافات أو تسريبات، بل كان موجوداً في العلن، متوفّراً لـ"الجميع". والمفارقة أن هذه الفيديوهات يصفها جيش الاحتلال الإسرائيليّ بأنها تصرفات فرديّة، فهل يحاكم هؤلاء الأفراد في إسرائيل في محاولة لتفادي التهمة التي تطاول الدولة أم لا؟
المفارقة هنا أن هذه الصور و"الأدلة" التي تُظهر أفراداً، تكشف بدقة عن معنى خطاب الكراهية، والأهم النية بارتكاب الإبادة الجماعيّة، كون النية، وإن كانت مُجرمة في اتفاقية منع الإبادة الجماعيّة، لا يمكن إدانة أحد بها إن لم يمتلك أسباب ومقدرات ارتكابها. وهذا بالضبط ما سيدين إسرائيل لاحقاً؛ فالنية تقترن مع القدرة، والدليل هو احتفالات الجنود بالقصف، أما القدرة فدليلها "كل" الصور التي بثت من غزة.
عديلة هاشم استخدمت صوراً تحوي العلامة المائية لـGetty Images. لن نخوض هنا في سؤال حقوق الملكيّة، لكن اللافت أن الدليل هنا، حتى في أشد المساحات جديّة، يمتلك طبعة رأسماليّة، تتمثّل في علامة على ملكيّة الصورة، خصوصاً أن عملاق الصور شديد الحرص على ملكية الصور إلى حد مقاضاة إحدى شركات الذكاء الاصطناعي التي تتغذّى على هذه الصور. العلامة المائية هنا تبدو خارج السياق، دمغة لطبيعة العصر الذي نعيشه، فحتى العدالة الأعلى، تلجأ للشركة العابرة للقارات من أجل دليل أو قرينة. وهنا السؤال: هل ستتدخل هذه الشركات لاحقاً في مسار العدالة؟
يلفتنا كذلك أنه لا توجد صورة من مصادر "مستقلة" عرضتها إسرائيل أثناء الدفاع، هي إما صور حربيّة أو صور من داخل كاميرات المراقبة في المشافي. والمصدر الوحيد الذي يمكن اعتباره مستقلاً هو "الإعلام الحربي" التابع لحركة حماس، أليست هذه مفارقة مثيرة  للضحك؟ إذ لا توجد مصادر مستقلة للصور!

ينسجم ذلك مع التهديد الذي يتعرض له أي صوت في إسرائيل يحاول مجرد التشكيك في حدوث إبادة جماعية؛ فأبواب الجحيم ستنصب عليه كما حصل مع النائب في الكنيست عوفر كسيف، الذي يواجه الآن محاولات فصله من الكنيست لتوقيعه عريضةً تطالب بتحقيق مستقل باتهامات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل، أو بصورة أدق، بشبهة ارتكاب إبادة، وأكد في العريضة أن الهدف هو جهة مستقلة تحقق، ليس إسرائيل نفسها التي بالتأكيد لن تدين أياً من مؤسساتها العسكريّة.
باختصار، فإن الصور التي عرضتها إسرائيل للأدلة على انتهاكات حركة حماس لا يمكن وصفها سوى بالمبتذلة، ذات الصور التي انتشرت في وسائل الإعلام عن مخازن أسلحة لا تكفي لاقتحام منزل، ظهرت أمام القضاة بوصفها "ترسانة حماس" بصورة مخزية، فضلاً عن أن استعراض كولاج لصور الرهائن، لاحظ كثيرون وجود صور مكررة فيه، وكأن الواحد منهم مأخوذ رهينة مرتين، ولا مكان هنا للتأويلات الشعرية، لكن الواضح أن هناك تسرّعاً في اختيار الصور، بل استعراض صور من "الإعلام العسكريّ" الخاص بحركة حماس. فهل الآن نصدق ما تبثه حماس من صور؟ أليست كلها بروباغاندا حسب وجهة النظر الإسرائيليّة؟

المساهمون