صنّاع المحتوى الجزائريون... ضبط الفضاء الحرّ

13 يونيو 2023
صادق البرلمان الجزائري على قانون المقاول الذاتي (ماثيو آشتون/ Getty)
+ الخط -

يبدو أنّ الحكومة الجزائرية تتّجه تدريجياً نحو ضبط نشاط المؤثرين وصناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي وفرض ضرائب على مداخيلهم، إلى جانب سنّ تشريعات جديدة تحكم عملهم على الشبكة. فقبل أيام طالب الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي بالنيابة مصطفى ياحي الوزراء المنتمين إلى حزبه بالدفع نحو وضع قوانين تضبط النشاط الهائل للمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال ياحي إنّ "هؤلاء المؤثرين ينشطون في الإعلانات والتجارة الإلكترونية من دون أن تستفيد منهم خزينة الدولة، وهذه وضعية مقلقة، خصوصاً أن ذلك يحصل على حساب المؤسسات الإعلامية المنخرطة في المنظومة الاقتصادية، وتقوم بتسديد الضريبة الناتجة عن معاملات الإشهار والإعلان. لذلك نطالب الحكومة بالإسراع في حلحلة هذه الإشكالية حتى يتم توظيف ذلك في خانة البدائل الاقتصادية المرجوة".

في حديث مع "العربي الجديد"، يؤكد خبير الإنترنت والمعلوماتية في الجزائر يونس قرار أنه "من الضروري وضع إطار قانوني لنشاط المؤثرين، لأنهم يوقّعون على عقود وصفقات تجارية مع مؤسسات رسمية أو خاصة. فكيف يمكن إتمام هذه الصفقات وهؤلاء لا يملكون سجلاً تجارياً، ولا مسؤولية قانونية تترتب على عقودهم؟ البديهي أن أي فرد يقوم بنشاط اقتصادي يجب أن يملك سجلاً تجارياً، ويدفع ضرائب، ويقدّم للعاملين معه تأميناً اجتماعياً، وإلا سيصبح عمله مجرّد نشاط في السوق السوداء، وهو ما يخلق مشاكل عدة، ولا يحمي المؤثر نفسه ولا العاملين معه".
وفي إطار شرحه لضرورة تشريع عمل المؤثرين، يضيف قرار "المحتوى الذي يقدمه هؤلاء، تنتج عنه عواقب قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية، وهو ما يفرض تحديد المسؤوليات، وذلك غير ممكن إلا ضمن إطار قانوني يضبط العمل... والجزائر لن تكون السبّاقة، فقد أقدمت دول عدة على سن قوانين تحكم العمل على شبكة الإنترنت، أبرزها فرنسا التي وضعت ميثاق أخلاقيات يلتزم به المؤثرون، يمارسون عملهم على أساسه".

المحتوى الذي يقدمه هؤلاء تنتج عنه عواقب قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية

وشهدت الجزائر سلسلة من الأحداث التي جعلت من موضوع تأطير عمل المؤثرين موضوع نقاش جاد، ولعل أشهرها فضيحة النصب والتحايل على أكثر من 70 طالباً في قضية الدراسة في الخارج، بعدما روّج عدد من المؤثرين/ات الذين يحظون بملايين المتابعات، لشركة ادعت أنها تؤمن الدراسة الجامعية لطلاب جزائريين في الخارج، ليتبين لاحقاً أن الشركة احتالت على الطلاب، بعدما قبضت منهم المال.
وانتهت القضية قبل عام (يونيو/ حزيران 2022) بإدانة القضاء الجزائري لـ3 من نجوم إنستغرام والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة النصب والاحتيال على طلاب جامعيين. وأصدرت محكمة الدار البيضاء في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية وقتها، حكماً بالسجن لمدة عام واحد على كل من نوميديا لزول، وأبركان محمد المعروف باسم ستانلي، وفاروق بوجملين المعروف باسم ريفكا، بتهمة المشاركة في النصب والاحتيال. كما أصدرت حكماً بالسجن لمدة 7 سنوات على صاحب الشركة أسامة رزاقي، بتهمة "النصب على الجمهور، ومخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف، وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وتبييض الأموال باستعمال التسهيلات التي يضمنها النشاط المهني في إطار جماعة إجرامية منظمة، والتزوير واستعمال المزور في محررات مصرفية ووثائق إدارية". فيما حكم على شركائه ومساعديه بالسجن ما بين أربعة أشهر وسنة، بتهمة "النصب الموجه إلى الجمهور والمشاركة في النصب".

يرى المدافعون عن ضرورة سن قوانين تحكم العمل على شبكة الإنترنت، أن السبب الأبرز لهذه الخطوة هو حماية المستهلك من أي أضرار قد تسببها دعاية إشهارية من قبل مؤثرين. وقال المهندس المتخصص في تكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال يزيد أقدال إن "هناك مسألة مهمة، تخص حماية المستهلك. ففي حال قامت إحدى المؤثرات مثلاً بإعلان لأحد مستحضرات التجميل الذي قد يكون له تأثير سلبي على المستهلك وصحته، ما هو المسار القانوني لحماية الضحية؟ الحقيقة أنه غير موجود"، ويضيف أن "المسألة تتعلق أيضاً بالعدالة الضريبية كاستحقاق يفرض على الدولة المساواة بين كل  المواطنين. فكل من له نشاط تجاري وعائد مالي على مواقع التواصل الاجتماعي أو قناة على يوتيوب مثلاً يحصل على مبالغ مالية من المنصة، وطريقة الدفع تعبر قنوات بنكية ومالية خارجية من دون أن تحصل الدولة على أي عائد ضريبي". ويشرح أقدال أن أهمية فرض ضريبة سببها أولاً أنّ "منصات التواصل الكبرى مثل فيسبوك، وإنستغرام، وتيك توك، وتويتر، ويوتيوب، تعتبر المستفيدة الأولى من جهود ومنشآت الدولة في مجال خدمات الإنترنت ورفع نسبة التدفق وتحسين الخدمة بما يسمح بمشاهدة الفيديوهات من دون انقطاع. ونتيجة لهذا الواقع يجب على الحكومة الجزائرية، مثلها مثل دول عربية وغربية عدة، أن تفاوض الشركات المتخصصة التي تملك منصات التواصل الاجتماعي، للحصول على حقوقها وعوائدها المتأتية من الإعلانات ومن نشاط المؤثرين".

حماية المستهلك من أي أضرار قد تسببها دعاية إشهارية من قبل مؤثرين

قبل فترة قصيرة صادق البرلمان الجزائري على قانون المقاول الذاتي، الذي وقع عليه رسمياً الرئيس عبد المجيد تبون ونشر في الجريدة الرسمية، الثلاثاء الماضي (قبل أسبوع)، وهو تشريع يمهد الطريق للسلطات لفرض قوانين تنظم عمل المؤثرين وفق أطر واضحة. ويتطرق القانون كذلك إلى التراخيص القانونية التي يحتاجها صانعو المحتوى لناحية التصوير في مواقع معيّنة، وإنتاج محتوى واستغلال الفضاءات العامة والخاصة. ويؤكد الخبير الاقتصادي المهتم بالرقمنة والمؤسسات الناشئة السجال عبد الحفيظ لـ"العربي الجديد"، أن القانون الجديد يضع نشاط هؤلاء المؤثرين ضمن الأنشطة السبعة المعنية بما يعرف بالمقاول الذاتي، ويصفها بالخدمات الرقمية والأنشطة ذات الصلة، والخدمات الثقافية والاتصال والسمعي البصري. إذ يسمح القانون لهؤلاء المؤثرين بالانتظام ضمن صيغة تسمح لهم بالحصول على بطاقة المقاول الذاتي وتفرض استخراج سجل تجاري للنشاط والانخراط في الوعاء الضريبي. ويشير عبد الحفيظ إلى أن "مسألة تنظيم نشاط المؤثرين واستخلاص ضرائب منهم، ضروري لأنهم يستخدمون القاعدة اللوجيستية لخدمة الإنترنت في الجزائر، ويعملون في مجال الإعلان أيضاً ويحصلون نتيجة لذلك على مداخيل، وهو ما يعطي الدولة مشروعية تحصيل ضرائب منهم".

بعيداً عن الضرائب وحماية المستهلك، برزت أخيراً في الجزائر أصوات تطالب بفرض ما يشبه الرقابة على المحتوى، أي أن تكون هناك قوانين تحرص على أن يكون المحتوى الذي يقدّمه المؤثرون "متناسباً مع القيم الاجتماعية في الجزائر"، و"منخرطاً في عجلة التنمية الوطنية"، وهو ما يهدد المساحات الحرة التي خلقتها مواقع التواصل، ويتعارض مع أحد أدوارها الأساسية في توسيع هامش التعبير بعيداً عن المنصات الرسمية كالإعلام التقليدي.

المساهمون