صمت رسمي وتسريبات أمنية مصرية عن إخلاء سبيل صحافي "الجزيرة" محمود حسين

05 فبراير 2021
وصف مراقبون التسريبات بأنها محاولة "جس نبض"(تويتر)
+ الخط -

التزمت السلطات والأجهزة المعنية الرسمية في القضاء والشرطة في مصر، صمتاً تاماً، بعد تعمد جهات أمنية تسريب أقاويل لا تستند إلى أية مصادر رسمية، تفيد بإخلاء سبيل الصحافي محمود حسين، مراسل قناة الجزيرة بالقاهرة.

وبينما لم يصدر أي تعليق أو بيان رسمي من القناة، أو من هيئة الدفاع عنه، أو من أسرة حسين، فقد أفاد المرصد المصري للصحافة والإعلام (منظمة مجتمع مدني)، بأن الدائرة الثالثة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، برئاسة المستشار محمد عبد الستار، قررت يوم الإثنين الماضي، 1 فبراير/شباط 2021، إخلاء سبيل الصحافي ومدير مراسلي قناة الجزيرة في القاهرة، محمود حسين جمعة، بتدابير احترازية، على ذمة القضية 1365 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا، بعد 4 سنوات من الحبس الاحتياطي.

كما نشر موقع "القاهرة 24"، الذي يصفه إعلاميون مصريون بأنه مقرب من أجهزة استخبارات مصرية، مضمون ما تردد، دون أن يسنده إلى أي مصدر قضائي أو قانوني أو أمني رسمي.

جس نبض

ووصف مراقبون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، التسريبات، بأنها محاولة "جس نبض"، لدوائر سياسية ومنظمات حقوقية، داخل وخارج مصر، لمعرفة تأثير الخطوة، إذا ما حدثت، على صورة النظام في مصر؛ رابطين بين ذلك، وبين حديث مقربين منه، عن توقع ضغوط سياسية من الإدارة الأميركية الجديدة على النظام، خاصة في ملف حقوق الإنسان، والحريات.

ورغم عدم وجود أي تأكيد رسمي لإخلاء سبيل محمود حسين، حتى نشر هذا التقرير، فقد لقي تداولاً، وتعليقات كثيرة، على أكثر من مستوى.

وغرد الكاتب عمار علي حسن: "‏أسعدني نبأ الإفراج عن محمود حسين، الذي سبقني بعام في كلية "الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة" وطابت علاقتنا في كل الأيام. هو رجل طيب مجتهد مسالم حذر محب لبلده وأهله، ولم يكن له السجن أبدا، ولم يعتقد في أي يوم أنه سيكون ضحية لتقلبات السياسة حتى ولو بتدابير احترازية فأهلا".

ونقلت الناشطة الحقوقية سارة ويتسون: "مصر تخلي سبيل مراسل قناة الجزيرة محمود حسين – المزيد من الأخبار السعيدة".

من جانبه، نشر الصحافي خالد البلشي: "‏بعد أكثر من 4 سنوات من الحبس الاحتياطي.. المرصد المصري: إخلاء سبيل صحافي الجزيرة محمود حسين جمعة بتدابير احترازية".

ومحمود حسين محبوس منذ 21 ديسمبر/كانون الأول 2016، على ذمة القضية 1152 لسنة 2016 حصر أمن الدولة العليا، بتهمتي الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون ونشر أخبار كاذبة، وصدر قرار محكمة الجنايات بإخلاء سبيله في 21 مايو/أيار 2019، وقبل استكمال إجراءات الإفراج عنه فوجئ بعرضه مرة أخرى أمام نيابة أمن الدولة على ذمة القضية 1365 لسنة 2018 حصر أمن دولة، ووجهت له النيابة ذات الاتهامات السابق توجيهها إليه بالقضية 1152 لسنة 2016.

ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، قمعت السلطات العمل الصحافي المستقل، وحجبت تعسفا مئات المواقع الإلكترونية، وداهمت وأغلقت تسع منصات إعلامية على الأقل، واعتقلت العشرات من الصحافيين تعسفًا"، حسب منظمة العفو الدولية، التي أكدت أنها وثقت وجود ما لا يقل عن 36 صحافيا محتَجزًا لمجرد ممارستهم عملهم المشروع أو لتعبيرهم عن آرائهم عبر منصاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يرتفع العدد لما يقرب من 80 صحافيًا وإعلاميًا في تقديرات حقوقية محلية، تحصي جميع العاملين في مجال الصحافة والإعلام من النقابيين وغير النقابيين.

وطبقًا لأحدث تصنيف لمنظمة مراسلون بلا حدود، بشأن حرية الصحافة في 2020، الصادر في 21 إبريل/نيسان الماضي، أظهر تراجع مصر للمرتبة 166 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، بتراجع 3 مراكز عن ترتيبها في العام الماضي.

وحسب وصف المنظمة، تعد مصر من أكبر سجون الصحافيين بالمنطقة.

محمود حسين من مواليد 12 ديسمبر/ كانون الأول 1966 بمحافظة الجيزة. التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة حيث تخرج فيها عام 1988، ثم حصل على تمهيدي الماجستير في العام التالي، ثم عاد لدراسة القانون مجددًا وحصل على ليسانس الحقوق بنفس الجامعة عام 1994، كما درس التاريخ في كلية الآداب، وحصل على دبلوم العلوم السياسية من معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية؛ كان ذلك عام 1998، ويعد أول الحاصلين على شهادة جامعية في أسرته، ولخبرته العلمية والمهنية، كانت لمحمود حسين الإمكانيات التي أتاحت له التدريس في معهد الإذاعة والتلفزيون، لصغار الصحافيين والمتدربين لحوالي 5 سنوات.

بدأ مسيرته المهنية كمحرر ومعد للبرامج السياسية بإذاعة صوت العرب المصرية، وظل بها لنحو 10 سنوات، حيث عمل في العديد من الجهات، منها عمله كباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام، ثم في مركز دراسات الوحدة العربية بمكتب القاهرة، ثم في مركز الدراسات الحضارية، كما عمل محررًا صحافيًا بمكتب صحيفة الشرق القطرية بالقاهرة.

ثم بدأت نقلته النوعية في العمل التلفزيوني منذ عام 1997، إذ بدأ العمل في قناة النيل للأخبار بالتلفزيون المصري، كصحافي ومراسل حتى عام 2004، وترقى فيها إلى كبير مراسلين ثم أصبح مديرًا عامًا لقسم المراسلين بالقناة. وفي الوقت ذاته كان محمود حسين يعمل مراسلًا لقناة العالم الإخبارية، وتلفزيون البحرين، وتلفزيون السودان. كما تولى إدارة مكتب قناة الرافدين العراقية وإدارة مكتب التلفزيون السوداني بالقاهرة.

في عام 2011 انتقل الصحافي محمود حسين، للعمل رسميًا بقناة الجزيرة الإخبارية في القاهرة، فعمل منتجًا ومراسلًا وظل بها حتى يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2016، حيث تعرض للتوقيف في مطار القاهرة الدولي فور عودته من الدوحة لقضاء إجازته السنوية في مصر، ولم يُطلق سراحه إلا بعد 15 ساعة من التحقيقات مع سحب جواز سفره.

عام 2011، انتقل الصحافي محمود حسين للعمل رسميًا بقناة الجزيرة الإخبارية في القاهرة

بعد يومين، تلقى محمود حسين، اتصالًا هاتفيًا من مقر مباحث أمن الدولة بالجيزة يطلب منه الحضور لاستلام جواز سفره، ومن هنا كتم اقتياده - بعد انقطاع الاتصال به لأكثر من 10 ساعات-مُقيدًا إلى منزله، حيث جرى تفتيشه ثم اقتياده إلى جهة غير معلومة بعد إلقاء القبض على شقيقيه عمر وناجح، عقب مداهمة منازلهم جميعًا. وأُطلِق سراح شقيقيه بعدها بـ 11 ساعة.

كانت نيابة أمن الدولة قد أعلنت وقتها عن حبس محمود حسين 15 يومًا على ذمة التحقيق، ليتم نقله إلى سجن القاهرة/مجمع سجون طرة في 28 ديسمبر/كانون الأول بعد قرار حبسه احتياطيًا على ذمة القضية رقم 1152 لسنة 2016 حصر تحقيق أمن دولة، بتهم نشر أخبار وبيانات وشائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية لمصر واصطناع مشاهد وتقارير إعلامية والترويج لأخبار كاذبة بما يهدد أمن الوطن.

وبتاريخ 13 يونيو/حزيران 2017، تعرض محمود حسين لكسر في ذراعه اليسرى، وقد التأم العظم بشكل خاطئ ما استدعى خضوعه لعملية جراحية لم تجر في وقتها، وأوضحت ابنته في تصريحات للمرصد المصري للصحافة والإعلام -منظمة مجتمع مدني مصرية-أنه يعاني حاليًا من رعشة بذراعه، ولا يحركها بشكل جيد، لكنه يعالجها بالمسكنات، كما أصيب بخشونة في الركبة، بسبب الرطوبة وقلة الحركة.

بتاريخ 13 يونيو/حزيران 2017، تعرض محمود حسين لكسر في ذراعه اليسرى، وقد التأم العظم بشكل خاطئ، ما استدعى خضوعه لعملية جراحية لم تجر في وقتها

في ديسمبر/كانون الأول 2020، طالب المعهد الدولي للصحافة على صفحات "واشنطن بوست" الأميركية بإطلاق سراح محمود حسين، جاء في متن التقرير: "اليوم هو تمام الـ 4 سنوات منذ حبس الصحافي محمود حسين، أب لتسعة، بلا محاكمة، ورغم قرار المحكمة بإخلاء سبيله في 21 مايو/أيار 2018، يستمر حبس محمود حسين في خرق واضح للقانون المصري. على مصر أن تطلق سراح محمود حسين هو وعشرات المراسلين والصحافيين المحتجزين".

وحل اسم الصحافي محمود حسين في المرتبة الثانية ضمن قائمة "تحالف الصحافة الحرة" (one free press Coalition) لشهر ديسمبر/كانون الأول 2020 للحالات الصحافية الأكثر إلحاحًا، وذلك بالتزامن مع مرور 4 سنوات على اعتقاله.

كما قررت الرابطة الوطنية للصحافيين الأميركيين من أصل أفريقي منح جائزة "بيرسي كوبوزا" للصحافي محمود حسين، المعتقل منذ أكثر من أربعة أعوام في مصر.

 
المساهمون