حققت صفحات متعددة عبر منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام"، تقاوم ما تصفه بـ"الفن الهابط" من أغانٍ وقصائد وأعمال فنية كالمسرحيات والمسلسلات، انتشاراً واسعاً في العراق خلال الفترة الماضية، عبر تناول ذلك بطريقة ساخرة أحياناً وجدية أحياناً أخرى.
ويقول القائمون على تلك الصفحات إنها وسيلة توعية ومقاومة للمحتوى غير الهادف والمعلومات المغلوطة التي تقدم ضمن أعمال مسرحية ومسلسلات وأغان وقصائد ورسوم فنية.
وتوجد أكثر من 10 صفحات على "فيسبوك" ونسخ مماثلة منها على "إنستغرام"، وأبرزها "الحلزونة يمه الحلزونة، و"توب تن ترندغ"، و"تحت موس الحلاق"، و"يوميات واحد عراقي"، و"تفصيخ"، إضافة إلى برنامج "أحمد هيثم" الذي عادة ما يتخذ شكل برامج "التوك شو"، ويسلط الضوء على الأعمال الفنية الهابطة.
وتقدم بعض تلك الصفحات ملفات تعريفية بها تفيد بأنها "تحارب أشكال التردي الثقافي والفني"، و"تلفت انتباه السلطات إلى بعض الحالات الفنية الجديدة التي لا تتناسب مع الموروث العراقي الغزير بالأعمال الفنية والثقافية والأدبية المهمة"، فيما يُشير فنانون إلى أنّ هذه الصفحات مفيدة للفنانين الجدد لمنع وقوعهم في ما يرون أنه فخاخ النصوص والأعمال الرديئة.
وقال محمد حميد، أحد مسؤولي صفحة عراقية فنية ساخرة، إنّ "العراق كان من أهم دول المنطقة العربية من ناحية صناعة الأعمال الفنية الراقية والمهمة، وكانت الأغاني العراقية تنتشر في سورية ومصر والخليج العربي أسرع حتى من انتشارها داخل العراق".
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّه "على مستوى المسرحيات والمسلسلات، فقد اتصفت بالأهمية من ناحية النصوص والتمثيل، وخلال العقود التي سبقت الاحتلال الأميركي، كان العراق من أهم الدول إلى جانب مصر من ناحية الإنتاج الفني، إلا أن الفنون العراقية تعاني حالياً من التشوه بسبب التفكير التجاري والطارئين على الفنون".
وبيّن حميد أنّ "الصفحات الفنية الساخرة التي أنشئت خلال الأعوام القليلة الماضية تمثل رد فعل على الهبوط الفني والتراجع الثقافي لدى جيل جديد من الفنانين، الذين بلغوا المسرح والواجهة عبر مقاطع فيديوية غريبة الأطوار في وقت سابق، دون دراسة أو البحث في تاريخ الفنون وأصوله".
تقدم بعض الصفحات على مواقع التواصل ملفات تعريفية بها تفيد بأنها "تحارب أشكال التردي الثقافي والفني"
من جهته، قال أحد مسؤولي صفحة "تحت موس الحلاق"، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس من قسم التمثيل في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، إنّ "الصفحة أنشئت بجهود شخصية من قبل شباب معظمهم من المتابعين للشأن الفني، سواء على مستوى المحلي في العراق أو العربي، وبعض القائمين تعلموا على برامج تقطيع وتصميم المقاطع الفيديوية، وهكذا قامت الصفحة على فيسبوك، ولم تكن هناك أي توقعات بخصوص رواج الصفحة، إلا أنها انتشرت بصورة كبيرة، وبات الوسط الفني يتابع صفحاتنا بشكلٍ مكثف".
واستكمل حديثه شرط عدم ذكر اسمه: "صفحتنا ومعظم الصفحات الساخرة الأخرى تتعرض بين فترة وأخرى إلى هجمات من قبل فنانين جدد متضررين من المقاطع الفيديوية التي ننشرها، مع العلم أننا لا ننشر أي إساءة، بل نضع الأعمال الجديدة في مقارنة مع أعمال مهمة سابقة، أو نستعرض الأعمال الجديدة ونترك الحكم للعراقيين".
أما الممثل العراقي أسعد مشاي فأشار إلى أنّ "هذه الصفحات الفنية الساخرة الحديثة تمثل حالة صحية بما أنها تندرج ضمن النقد البناء للحالات الفنية الهابطة والشاذة، لكن بعض المنشورات والمقاطع كانت قاسية على بعض الفنانين الجدد الذين تنقصهم الخبرة، لذلك لا بد من الالتزام بسلوكيات النقد الهادف لتحقيق المسار الفني الذي يعاني من بعض المشاكل على مستوى الكتابة والنصوص والإخراج والتمثيل".
وأوضح، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك حاجة لتطوير الفنون في العراق، والاعتماد على الخبرات وليس على المشاهير الذين اقتحموا عالم التمثيل وتقديم البرامج، وأخفقوا وتعرضوا إلى السخرية والتنمر فيما بعد".
نظراً لتفشي ظاهرة الأدب الهابط وحرصاً منا على محاربة الأدب الحلزوني قررنا انشاء هذه الصفحة الحلزونية المباركة
Posted by الحلزونة يما الحلزونة on Sunday, 28 June 2020
بدورها، قالت فوزية جميل، وهي أستاذة في معهد الفنون الجميلة ببغداد، إنّ "أشكال النقد الفني تبدلت، وأسفر التطور التكنولوجي إلى تغيير الحراك النقدي للأعمال الفنية، فقد كان في السابق التعامل يكون عبر قنوات رسمية وشبه رسمية من خلال النقاد المنسبين من وزارة الثقافة ودوائر المسرح، لكن حالياً صار النقد متاحاً في مواقع التواصل الاجتماعي".
وأوضحت لـ"العربي الجديد" أن "السعي لتحقيق المشاهدات من بعض كليبات الأغاني والمسلسلات والأعمال الفنية هو السبب في تراجع المضمون الفني، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة في الانتقاد، كما أن كثيراً من الأعمال تتعمد الهبوط كي يتم انتقادها، بالتالي تحظى بمشاهدات عالية تحقق الربح للقائمين والمنفذين لها".