صراع بين روائي وسكرتيرته: "غضب الله" أم غضب المرء؟

22 يوليو 2022
الروائي وسكرتيرته في "غضب الله": أي علاقة؟ أي التباس؟ أي مصير؟ (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

روائيّ يُملي على سكرتيرةٍ نصوص رواياته، وبعضها غارقٌ في عنفٍ وقتلٍ وارتباكات. له زوجةٌ، راقصة سابقة للباليه، يحول حادث سيرٍ دون تمكّنها من إكمال ممارسة ما تعشق، إذْ ينكسر فيه عظمٌ، ككسر ذاتٍ وروحٍ. لهما معاً ابنة ضاجّة بالحياة، تحبّ السكرتيرة كثيراً، إلى حدّ أنّها ترسمها إلى جانب والديها في رسمةٍ طفولية تكون هي، الابنة الوحيدة، فيها. للسكرتيرة شقيقان وشقيقة، ووالدان تبدو صحّتهما بخير. عائلتها "سعيدة"، كتلك الصورة المُكرّرة في أفلامٍ هوليوودية كثيرة، عن ألفةٍ وتضامن وحبّ ناشئ بين أفراد الأسر الأميركية، مع اختلافٍ طفيف، فأفلام كهذه تفخر بالعلم الأميركي على أبواب المنازل العائلية، بينما هنا، مع عائلة السكرتيرة، لا علم ولا حسّ وطنياً ولا إعلان، ضمنياً أو واضحاً، عن التزام ببلدٍ وهويته وإرثه.

وهذا، إنْ يكن محصوراً بعائلة السكرتيرة (التي لن يتوقّع أفرادها والمشاهدون، سلفاً، مصائرهم المقبلة)، يعثر على بقايا له في يوميات عائلة الروائيّ، لأنّ إرثاً من الحبّ يحضر من زمنٍ سابقٍ، والكآبة الطاغية لن تُبدِّد هذا الحبّ، الذي تُترجم مفرداتٍ منه في علاقة الروائي بابنته، وفي اهتمامه بزوجته، رغم أنّ هناك إحساساً شبه دائم بأنّ الظاهر يُناقض الباطن. لكنْ، أتكون إثارة إحساسٍ كهذا مقصودة، لكونها جزءاً من إيهامٍ سينمائيّ بخلل ما في العلاقات؟

البنية السردية لـ"غضب الله" (2022)، للأرجنتيني سيباستيان سينْدِل، مهمومةٌ بمتابعة سيرة الروائي كلوسْتر (دييغو بيريتي) وعلاقته بسكرتيرته، لوثيانا ب. (مَغَرينا أتْشاغا)، في فيلمٍ مقتبس من رواية "الموت البطيء للوثيانا ب." (2007)، للكاتب والسيناريست وعالم الرياضيات الأرجنيتيي غييرمو مارتينز (1962). بهذا، تقترب البنية السردية، قليلاً، من سيرة الروائية كاترين ترامِل (شارون ستون)، في "غريزة أساسية" (1992)، للهولندي بول فيرهوفن (1938)، إذْ تتتالى جرائم قتل غامضة واقعياً، بعد إيراد تفاصيل منها، كثيرة أو قليلة، في رواياتها.

التشابه بين الفيلمين كامنٌ في هذا فقط. التحقيق في جرائم قتل "غريزة أساسية" يقوم به ضابط الشرطة نِكْ كورن (مايكل دوغلاس)، الذي يقع في المحظور، بانجذابه الجنسيّ/الانفعالي الكبير إلى ترامِل، مع ما يُنتجه انجذابٌ كهذا من أحداثٍ وتفاصيل. التساؤلات المطروحة مع بول فرهوفن منبثقةٌ من الجنس والقتل والعلاقة الملتبسة بين الواقع والمتخيّل (الأدبي). مشاهد جنسية/إيروتيكية عدّة تُصوِّر شيئاً من معنى العلاقة القائمة بينهما، لتأكيد سطوتها عليه.

 

 

هذا كلّه، وغيره، غير حاضرٍ في "غضب الله": البنية السردية (سيناريو بابلو دِلْ تيزو، بالتعاون مع مارتينز وسينْدِل) غير معنية مباشرة بالجنس، وعمليات القتل الغامضة محصورة بين السكرتيرة والروائي وعالمهما، والكاتب لن يكشف "مدى ترجمته" عمليات القتل الواردة في مؤلّفاته إلى أفعالٍ واقعية، رغم أنّ إيحاءات عدّة تظهر، رويداً، في سياقٍ مليء بصدامٍ وتشنّجات وموتٍ يُزيد الهوّة بينهما، ويطرح تساؤلات عن مفاهيم تشبه "العين بالعين"، ومعنى الصدف في حياة الفرد، والإيهام والتحايل والشهرة والقهر والخراب والعيش المضطرب والثأر.

في "غضب الله" (المنصّة الأميركية "نتفليكس")، يتولّى الصحافي والروائي إسْتِبان (خوان مِنوخِن) تحقيقاتٍ، لكشف مدى إمكانية أنْ تكون هناك روابط بين الروائي كلوسْتر ومقتل أفرادٍ من عائلة لوثيانا، التي تتّهمه به من دون إثباتات. هذا يُتيح لقاء مباشراً بين خصمين سابقين، يكشف عمق التباعد بينهما، ويطرح إيحاءات بروابط كهذه، يصعب لاحقاً التثبّت منها، وإنْ يكن كلامٌ لكلوستر، في نهاية "غضب الله"، أوضح من كلّ لحظة سابقة.

هذا كلّه مُصاغ، سينمائياً، بمزيجٍ متماسك من التشويقي والنفسي والعائلي، ومن تداخل بصري متين بين عوالم متناقضة، اجتماعياً وحياتياً، وبين رغبات مكبوتة وحاجات تُلحّ على الفرد لممارسة تصرّفات محدّدة.

الأمطار والعتمة طاغيتان، رغم إجازة على شاطئ بحرٍ، يتحوّل (الشاطئ) إلى شاهدٍ على أول فعل جُرميّ، وعلى أول تشكيك للوثيانا بدورٍ كلوسْتر فيه، مع تحوّل في الطقس يتمثّل بهبوب ريحٍ، وبلونٍ رماديّ ينتشر في الفضاء، والنفوس. الشخصيات مكتوبة بمهنيّةٍ، وكلّ ممثلٍ يؤدّي دوره بحِرفية عادية. الأسئلة المطروحة ضمنياً، في سياق سرديّ يعكس اضطراباتٍ وآلامٍ ومخاوف، ورغبات حادة في تسلّط وتملّك أحياناً، وفي ثأر، تنفيذه مشوبٌ بالتباس وغموض.

المساهمون