تحرص الأحزاب الدينية اليهودية الحريدية على إحباط أي محاولة قد تزعزع سيطرتها على أتباعها، وذلك عبر ضمان عدم انفتاحهم على الشبكة العنكبوتية. ولعل الترجمة الأوضح لهذا الحرص، إصرار هذه الأحزاب على تضمين الاتفاقات مع حزب الليكود، الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بندا يلغي ما أطلق عليه في تل أبيب "إصلاحات الهواتف الذكية"، والتي أقرها وزير الاتصالات السابق يوعاز هندل.
وحسب ما ذكره يئير شراكي، مراسل القناة "12"، فإن الأحزاب الحريدية معنية بإلغاء هذه الإصلاحات، لأنها تصفي عمليا دور "لجنة الحاخامات لشؤون الاتصالات"، وهي لجنة مكونة من حاخامات التيار الحريدي، ومخولة بتحديد الشروط التي تجعل الهاتف الذي يشتريه رجل الشارع الحريدي "هاتفا حلالا". ويعني "الهاتف الحلال" بأنه الهاتف الذي لا يمكن أن يتصل بالإنترنت، ويجري تحديد البرمجيات التي يعرضها بشكل مسبق مع "لجنة الحاخامات".
وحتى الآن، ألزمت "لجنة الحاخامات لشؤون الاتصالات" كلا من وزارة الاتصالات والشركات التي تبيع الهواتف الذكية بفرض قيود على الهواتف التي يشتريها الحريديم، بحيث لا يكون بالإمكان اتصالها بالإنترنت، من منطلق أن التعرض لمواقع الشبكة وبعض الخدمات التي تقدمها برامج الهواتف الذكية يمكن أن يمس بمدى التزام أتباع التيار بالتوجهات الدينية.
وقد ذكرت صحيفة "كاكليست" الاقتصادية أنه من أجل إحكام سيطرتها على آليات وأنماط استخدام الهواتف الذكية أجبرت "لجنة الحاخامات" وزارة الاتصالات على وضع مقدمة من أرقام تخصص للهواتف الذكية التي يشتريها الحريديم، بحيث تتحول هذه الهواتف إلى "هواتف حلال" غير مرتبطة بالإنترنت.
وفي التقرير الذي أعدته مايا كوهين، تشير الصحيفة إلى أن الإصلاحات التي بلورها الوزير هندل لا تمس بمعايير "الهاتف الحلال"، التي حددتها "لجنة الحاخامات" لكنها ألغت دور هذه اللجنة كحلقة وسيطة بين مستهلكي الهواتف الذكية من الحريديم والشركات التي تبيع الهواتف الذكية. ومع ذلك، فإن التيار الحريدي يخشى أن يفضي الاستغناء عن دور "لجنة الحاخامات" إلى انفتاح الجمهور الحريدي على الإنترنت في النهاية.
فقد نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن الحاخام حاييم كبنسكي، الذي توفي أخيراً، وكان يعد أهم مرجعيات الإفتاء اليهودية قوله: "لقد كتبنا سابقا أن كل المصائب الكبرى في زماننا مصدرها الإنترنت... والآن هناك خطر يتمثل في توجه الأشرار لإدخال تعديلات على الأجهزة الحلال... وهذا يمكن، لا سمح الله، أن يساهم في إدخال الإنترنت... ولا أحد يعلم كم من المصائب ستحل لاحقا".
ولا ترمي مرجعيات التيار الحريدي ونخبه السياسية من وراء الإصرار على احتكار الإشراف على سوق الهواتف الذكية في الوسط الحريدي فقط إلى التأكد من عدم انفتاح أتباع التيار على الإنترنت والمس، تبعا لذلك، بمنظومة القيم الدينية التي يؤمنون بها، بل أيضا هناك تخوف من أن يسهم انفتاح هؤلاء الأتباع على الشبكة العنكبوتية في دفعهم للتمرد على البناء الهرمي للقيادات الحاخامية.
كما يلعب العامل الاقتصادي دوراً مهماً في إصرار مرجعيات وأحزاب التيار الحريدي على احتفاظ "لجنة الحاخامات" بدورها. فحسب صحيفة "كلكسلت" هناك نصف مليون هاتف ذكي لدى الوسط الحريدي، وهذا الواقع يمنح "لجنة الحاخامات" القدرة على ابتزاز الشركات التي تبيع الهواتف الذكية، وإجبارها على دفع أموال ضخمة مقابل السماح لها ببيع الهواتف الذكية في التجمعات السكانية الحريدية. فالمرجعيات الدينية الحريدية التي تحظر على أتباعها استخدام الإنترنت، تسمح لقادة وناشطي الأحزاب الحريدية باستخدامه بهدف الترويج لمنطلقات هذه الأحزاب والدفاع عن مصالحها.
وقد كانت المفارقة أن يعلن قبل أسبوعين رئيس لجنة المالية في الكنيست الحاخام موشي غفني، الذي ينتمي للتيار الحريدي الليتائي، وهو التيار الذي يتبنى الموقف الأكثر تشددا في رفض الانفتاح على الإنترنت، عن افتتاح حساب له على "تويتر" بحجة أن الخطوة جاءت لمنع "البعض" من تدشين حسابات مزيفة باسمه. كما نشط زعيم حركة "شاس" الحريدية الحاخام أرييه درعي، وهو وزير الداخلية والصحة في الحكومة الجديدة، على "تويتر" و"تيك توك" خلال الحملة الانتخابية اليهودية.
تدل كل المؤشرات على أن تعاظم نفوذ التيار الديني في الحكومة الجديدة سيمكّنه من دفن إصلاحات الهواتف الذكية، والحفاظ على معايير وظروف استخدام "الهواتف الحلال" كما تحددها المرجعيات الدينية.