بدأ الموسيقي المصري شادي مؤنس مشواره الفني مع فرقة "إسكندريلا" عام 2005، ثم غادرها لتأسيس فرقة "حكايات" في 2009. إلى جانب عمله في الفرقتين، لحّن أعمالاً لعدد من المطربين، مثل علي الحجار ومحمد محسن ومدحت صالح. أسماء تقدم نموذجاً من الغناء يحرص مؤنس عليه.
بعدها، انتقل إلى تأليف الموسيقى التصويرية لعدد من الأعمال الدرامية، مثل "جمع سالم"، و"الفتوة"، و"جزيرة غمام". وعلى الرغم من قلة أعماله في هذا المجال، فإن نجاحها، كما حصل مع "جزيرة غمام" الذي عرض في رمضان الماضي، نبّه إلى اسم جديد، قادر على تقديم أعمال موسيقية طالما ميزت الدراما المصرية، وإن تراجع مستوى ما قدمته خلال الفترة الماضية. حول تجربته الفنية، التقت "العربي الجديد" الفنان المصري.
البداية كانت من "إسكندريلا". ما الذي قدمته لك؟
دفعتني "إسكندريلا" إلى التعرف أكثر على أعمال سيد درويش والشيخ إمام، على هذه النوعية من الموسيقى التعبيرية التي تهتم أكثر بالتعبير عن الكلمة، كما أتاحت لي نوعية من الفن يهتم طول الوقت بالالتحام مع قضايا الناس، والواقع الذي يحيونه.
أسست بعد ذلك فرقتك "حكايات". ما الذي أتاحته لك ولم يكن ممكناً مع "إسكندريلا"؟
في "إسكندريلا" كانت السياسة غالبة على الأغاني، كما أن جمهور الفرقة "زنقنا" في هذه المساحة، حتى الأغاني التي قدمناها نحن كانت محكومة بهذا المزاج. لهذا، كانت "حكايات" ضرورية لأنها أتاحت لي تنوعاً لم يكن ممكناً مع "إسكندريلا". إلى جانب أن الأخيرة اقتصرت آلاتها الموسيقية على الأعواد، إضافة إلى البيانو والإيقاع، بينما أدخلت في "حكايات" آلات أخرى، مثل الناي والأكوروديون والكمان.
في أحاديث سابقة، أكدت على تمسّكك بمصرية الموسيقى. ما الذي يجعل موسيقى شادي مؤنس أكثر مصرية؟ ومن يقدم اليوم الأغنية المصرية بحسب رأيك؟
أتصور أننا نمتلك هوية موسيقية وآلات تعبر عنها، وأنا حريص على تقديم ذلك، حتى عندما أستعمل في بعض الأحيان قوالب موسيقية غربية، مثل التانغو والفالس. أحرص على تقديم هذه القوالب من خلال جمل موسيقية مصرية، في محاولة لدمج القوالب الموسيقية الغربية مع آلاتنا الشرقية وجملنا المصرية.
بالنسبة لمن يقدم الأغنية المصرية، هناك أسماء مثل شيرين، وعلي الحجار، وأنغام، ومدحت صالح. أعتقد أن لديهم هوية حتى في طريقة الغناء، وستجد في ألبوماتهم أكثر من أغنية "شبهنا مش كلها شبه الخواجة"، وربما هناك محاولات من مطربين آخرين، لكن تقف عند عتبة أغنية ضمن عشرات.
من يستمع إلى موسيقى أغانيك، يدرك أنك تتحرك في مساحة واسعة ومتنوعة. هل يأتي ذلك بدافع التجريب والاستكشاف؟
دائماً ما أصنع الموسيقى التي أحبها. لا أفكر أبداً في ما يتطلبه السوق أو ما يضعه من معايير وضوابط للانتشار. وفي سبيل هذه الهواية أو الغواية، أعمل على توسيع مداركي الموسيقية عن طريق سماع مختلف أنواع الموسيقى، من كافة أنحاء العالم، فلدي يقين أن الله منح كل واحد منا قدراً معيناً من الموهبة. وبعد وقت، طال أم قصر، سيستنفد هذا القدر وتكرر نفسك، لذلك لا بد من العمل على توسعة المدارك. وفي مجالنا، يكون ذلك ممكناً عبر سماع كل أنواع الموسيقى، حينها يصبح المؤلّف عرضة أكثر للإلهام. ورغم تنوع ما أقدمه، لكني معني فقط بالموسيقى المقنعة لي، ولا أشغل نفسي بأي شيء آخر، مثل تصنيف الموسيقى.
بعد قرابة 13 سنة من تأسيس "حكايات". هل حقق المشروع ما يرضيك؟
لا، هناك عوائق تمنع الفرق المستقلة عموماً من الانتشار، أهمها بالطبع العوائق الإنتاجية؛ فنوعية الموسيقى التي أقدمها تحتاج إلى آلات كثيرة، وبالتبعية إلى إنتاج ضخم. ولأنه ليس متوفراً؛ فأنا مضطر، من أجل خفض التكلفة، إلى تقليص الموسيقيين، لأني لا أرغب في أن تكون التذكرة بألف جنيه مثلاً. ولو وصلت إلى هذا الرقم لن يشتريها أحد، بالتالي لا بد من موازنة عدد الموسيقيين والتكلفة بشكل عام مع سعر التذكرة. ومع ذلك، هذا لا يعفيني من أعباء مادية أتحملها عند إقامة الحفلات، فالأمر لا يحقق أي أرباح حتى مع امتلاء المسرح بالجمهور، مع الانتباه إلى أن تقليص عدد الموسيقيين يؤثر على جودة الموسيقى.
وبالنسبة للموسيقي أو العازف، أصبح يحصل على أجور مرتفعة جداً في الخليج، وبالتالي استقدامه لعمل خمس بروفات مثلاً، من أجل إخراج العمل بصورة جيدة، ليس متاحاً. لهذا، أضطر إلى أن أكتفي ببروفتين. إلى جانب هذه الأمور، هناك أيضاً محدودية الأماكن المتاحة للفرق، وعدم وجود راع. وعلى الرغم من هذه الأعباء، فإنني أحب المسرح وأجواءه والبروفات والتفاعل مع الجمهور. لكن طبعاً هذه الموانع جعلتني غير قادر على بلوغ مستوى أو انتشار أتمناه.
قدمت الموسيقى التصويرية لعدد من الأعمال الدرامية. ما الصعوبات التي واجهتها لدى انتقالك من التلحين إلى التأليف الموسيقي؟ وإلى أي مدى اختلف الأمر؟
في مقدمة الصعوبات التي واجهتني، أني لم أدرس الموسيقى دراسة أكاديمية، فالهندسة هي تخصصي، ولدى وضع موسيقى تصويرية، أنت مطالب بالعديد من الأمور الفنية. "ده مش لحن هتسجله على العود وتسيبه وتمشي". لا بد من وضع الهارموني و"الكونتربوينت". كما عليك أن تعرف كيف سيجري تنفيذ الجملة الموسيقية وبأي آلات.
في مسلسلي الأول، "الفتوة"، ساعدني صديقي مهندس الصوت والموزع رفيق عدلي، بعدها بدأت الدراسة خارج مصر عن بعد عبر الإنترنت، وأحضرت مدرسين لتعليمي الأوركسترا والهارموني، واستطعت بعد سنتين من الدراسة أن أوزع وأكتب في "جزيرة غمام" الهارموني و"الكونتربوينت". لذلك أنا سعيد بالتجربة، لأنها منحتني حرية أكبر في صناعة الموسيقى التي أحبها.
هناك اتفاق على أن أعمالك في الدراما، رغم قلتها، استعادت مكانة افتقدناها في الموسيقى التصويرية، خصوصاً مع مسلسل "جزيرة غمام". ما الذي حققه لك هذا المجال في المقابل؟
حقق لي الكثير، أي فنان في حاجة إلى التقدير المعنوي. كان عملي محصوراً في السابق في عدد من المغنين القريبين من نوعية الموسيقى التي أقدمها. لكن الأغنية، حتى مع نجاحها، لا مجال للمقارنة بينها وبين الموسيقى التصويرية لعمل ناجح. فنهاك مائة مليون يسمعونها، لذلك أعتبر أنني دخلت اليوم إلى مرحلة جديدة وأمست المسؤولية أكبر، فالجميع يتنظر ما ستقدمه.
ذكرت في أكثر من لقاء أن عمار الشريعي كان في مقدمة ملهميك، هو أيضا أسس فرقة فنية "الأصدقاء"، لكنها توقفت عند انتقاله إلى التأليف الموسيقي، فهل "حكايات" مجرد عتبة كذلك أم تراها بصورة مختلفة؟
لن أتخلى عن "حكايات"، ربما كانت فرقة "الأصدقاء" مرتبطة بأشخاص بعينهم، وبمجرد أن أصبح كل منهم نجماً، تفككت الفرقة. لكن بالنسبة لـ"حكايات"، هناك استقرار في أعضائها، وحتى إذا غادرها أحدهم، فسيكون هناك من يحل محله. أحب فكرة المسرح وأجواء البروفات وإقامة الحفلات، كل هذا يشعرني بالسعادة، رغم كوني لا أقوم به بكثافة للأسباب التي ذكرتها.