"سي أن أن" و"أم أس أن بي سي": دراسة تكشف المعايير المزدوجة في تغطية حرب الإبادة في غزة

15 أكتوبر 2024
مظاهرة مؤيدة لفلسطين أمام مكتب "سي أن أن" في واشنطن، 17 ديسمبر 2023 (بروبال رشيد/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهر تحليل لموقع "ذا نايشن" أن شبكتي "سي أن أن" و"أم أس أن بي سي" قدمتا تغطية أقل تعاطفاً مع الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين والأوكرانيين، مع استخدام مصطلحات عاطفية بشكل أكبر لوصف مقتل الأوكرانيين والإسرائيليين.

- استخدمت الشبكتان مصطلحات مثل "همجي" و"مجزرة" لوصف قتل الإسرائيليين والأوكرانيين، بينما نادراً ما استخدمت هذه العبارات للفلسطينيين، مع تغطية إعلامية أكبر للمدنيين الأوكرانيين.

- أشار التقرير إلى أن عبارات مثل "جريمة حرب" كانت أكثر شيوعاً في سياق الحرب الروسية على أوكرانيا، مع دعوة لتغطية إعلامية أكثر عدالة للواقع في غزة.

خلال أول مئة يومٍ من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، حظي الفلسطينيون بمقدار أقل من التغطية المتعاطفة والإنسانية من شبكتي "سي أن أن" و"أم أس أن بي سي" الأميركيتين، مقارنة بتلك التي حظي بها الإسرائيليون أو الأوكرانيون في أول مئة يوم على الغزو الروسي، وفق إحصاء تحليلي نشره موقع ذا نايشن الأميركي، أمس الاثنين.

اختار القائمون على التحليل التركيز على "سي أن أن" و"أم أس أن بي سي" لكونهما تلعبان دوراً مهماً في تشكيل آراء ووجهات نظر يسار الوسط الأميركي، بمن فيهم الليبراليون ومؤيدو الحزب الديمقراطي، المنقسمون حول الموقف من الحرب على غزة. ولقد قرروا استبعاد شبكة فوكس نيوز ذات الميول الجمهورية من التحليل، بسبب أن القادة الجمهوريين أكثر تشدداً في دعم الاحتلال وتأييد أي قرار يتخذه رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو.

أشار معدو التحليل إلى أنّ اختيار تغطية الشبكتين للحرب على أوكرانيا جاء من أجل إيجاد نقطة مرجعية، تسمح بتسليط الضوء على التحيز الموجود في وسائل الإعلام الأميركية، إذ على الرغم من أن نسبة الخسائر البشرية بين المدنيين الفلسطينيين تبلغ 500% مقارنة بنسبة الخسائر البشرية بين نظرائهم الأوكرانيين، إلا أنّ أهالي غزة لم يحصلوا حتى على مقدار مماثل من التغطية المتعاطفة

ونبّه معدو التقرير إلى أنّهم لا يدعون إلى حرمان الأوكرانيين من التغطية المتعاطفة في الإعلام الأميركي، بل إلى رفع مستوى تغطية المنصات نفسها للمعاناة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، واستعمال خطاب أخلاقي مماثل.

كذلك، لفت "ذا نايشن" إلى أنّ افتقار تغطية "سي أن أن" و"أم أس أن بي سي" وغيرهما من وسائل الإعلام للتعاطف مع الفلسطينيين، ساعد على استمرار الدعم العسكري والسياسي الأميركي للإبادة المستمرة منذ أكثر من عام في غزة.

ركّز التحليل، الذي توصل إلى خلاصات عدة، على تغطية الشبكتين لأول مئة يوم في العدوان على غزة مقارنةً بأول مئة يوم من الحرب الروسية على أوكرانيا، خاصةً أنها الفترة التي شهدت "تأسيس السرديات" المرافقة للحربين، كما أن هذه الفترة توضح كيف لعب الإعلام الأميركي دوراً مهماً في تبرير المذبحة بحق الشعب الفلسطيني.

الخلاصة الأولى: تعاطف أكبر مع الصحافيين واللاجئين والأطفال الأوكرانيين مقارنة بغزة، إذ يتم ذكر هؤلاء الضحايا في أوكرانيا أكثر بكثير من نظرائهم في غزة، على الرغم من الفجوة الأوسع كثيراً في عدد الضحايا والمعاناة الإنسانية.

تلقّى ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وتحديداً الأطفال والصحافيين الذين يحظون عادةً بتعاطف أكبر من المتابعين، تغطية إعلامية محدودة خلال أول مئة يوم من العدوان، على الرغم من حجم معاناتهم الكبير.

للمقارنة، قتل 262 طفلاً بعد مئة يوم من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، أما في غزة فقد قتل خلال الفترة نفسها من بدء العدوان الإسرائيلي أكثر من 10 آلاف طفل، ومن المرجح أن يكون الرقم الحقيقي أعلى بكثير. مع ذلك، كانت الإشارات إلى وفيات الأطفال والمصطلحات ذات الصلة أعلى بنسبة 33.4% في أوكرانيا مقارنةً بغزة (4223 مقابل 3632).

في الفترة نفسها، ذكرت شبكة سي أن أن ضحايا الحرب الأطفال في أوكرانيا 2446 مرة مقابل 2110 مرات في ما يخص غزة. أما "أم أس أن بي سي" فقد ذكرت ضحايا الحرب من الأطفال الأوكرانيين 1775 مرة مقابل 1522 مرة تطرقت فيها إلى أقرانهم في غزة. يعني ذلك أنه مقابل كل طفل قتل في أوكرانيا، ذكر الضحايا الأطفال 16.1 مرة على الهواء، في حين أن ذكر هؤلاء في غزة لم يتجاوز 0.36 مقابل كل طفل قتله الاحتلال.

في الفترة نفسها، قتل الاحتلال 77 صحافياً في غزة، أما في أوكرانيا فقد قتل ثمانية صحافيين في المئة يوم الأولى للحرب. مجدداً، وعلى الرغم من التفاوت الهائل في عدد الضحايا، ذُكر الضحايا من العاملين في مجال الإعلام في أوكرانيا 196 مرة من قبل الشبكتين الأميركيتين، اللتين ذكرتا نظراءهم في غزة 198 مرة. يعني ذلك أن كل مقتل لصحافي في غزة ذكر بمعدل لا يتجاوز مرتين ونصف تقريباً، مقارنةً بـ 24 ذكراً في حالة الصحافيين الذين قتلوا في أوكرانيا.

في السياق نفسه، لم تبث "أم أس أن بي سي" في أول مئة يوم من العدوان الإسرائيلي على غزة فقرات تركز بشكل خاص وحصري على معاناة الأطفال في غزة، فيما بثت أكثر من اثنتي عشرة فقرة تركز بشكل خاص على محنة الأطفال الأوكرانيين.

كذلك، كانت التغطية الإنسانية للاجئين بسبب الحرب غير متكافئة، ففي حين بلغت نسبة النازحين أو اللاجئين في غزة أكثر من 80% خلال المئة يوم الأولى للحرب، لم تتجاوز هذه النسبة 33% في أوكرانيا. مع ذلك، وصف الأوكرانيون باللاجئين أو النازحين أو غيرها من العبارات المتعاطفة ثماني مرات أكثر من الفلسطينيين (1663 مقابل 211). كما بثت "أم أس أن بي سي" عدة فقرات أطول وأكثر تعاطفاً مع اللاجئين الأوكرانيين، بينما لم تبث مثل هذه الفقرات الطويلة عن الفلسطينيين النازحين في غزة.

الخلاصة الثانية: استخدمت "سي أن أن" و"أم أس أن بي سي" كلمات عاطفية مثل "همجي" و"مذبحة" و"مجزرة" و"بربري" و"وحشي" بكثرة لوصف قتل الأوكرانيين والإسرائيليين، لكنّها نادراً ما استخدمت هذه العبارات لوصف قتل الفلسطينيين.

على الرغم من أن عدد الشهداء الفلسطينيين تجاوز في 11 أكتوبر 2023، عدد القتلى الإسرائيليين في عملية طوفان الأقصى قبلها بأربعة أيام، إلا أنّ ذلك لم ينعكس تغطية أكثر تعاطفاً مع سكان غزة. على مدى فترة الاستطلاع التي استمرت خلال الثلاثين يوماً الأولى من الحرب، استخدمت شبكتا "سي أن أن" و"أم أس أن بي سي" كلمات عاطفية لوصف مقتل الإسرائيليين 1053 مرة، والفلسطينيين 43 مرة فقط. مع العلم أنّ عدد الشهداء الفلسطينيين تجاوز 10 آلاف خلال هذه الفترة، 70% من النساء والأطفال.

استخدم مذيعو "أم أس أن بي سي" وضيوفها ومراسلوها مصطلحَ "همجي" 23 مرة و"بربري" 46 مرة و"وحشي" 146 مرة و"مجزرة" 177 مرة، و"مذبحة" 102 مرة للإشارة إلى مقتل الإسرائيليين في السابع من أكتوبر. بينما لم يطلق على قتل الفلسطينيين مطلقاً وصف "بربري" أو "وحشي"، وأشير إلى ما يجري بوصفه "مجزرة" أربع مرات و"مذبحة" ثماني مرات، واستعملت عبارة "وحشية" خمس مرات.

بشكل مماثل، أشار مذيعو "سي أن أن" وضيوفها إلى قتل الإسرائيليين باعتباره "همجياً" 13 مرة و"بربرياً" 56 مرة و"وحشياً" 186 مرة، كما وصفوه بأنّه "مجزرة" 225 مرة و"مذبحة" 79 مرة، فيما لم توصف عمليات قتل جيش الاحتلال لسكان القطاع من الفلسطينيين أبداً بكلمات مثل "بربرية" أو "همجية"، واستعملت عبارات مثل "وحشي" ثماني مرات و"مجزرة" 16 مرة.

أما على صعيد الحرب في أوكرانيا، فقد استعمل صحافيو الشبكتين الأميركيتين وضيوفهما مصطلحات عاطفية على الهواء 661 مرة خلال الشهر الأول من بدء الغزو الروسي في فبراير/ شباط 2022.

الخلاصة الثالثة: منحت شبكتا "سي أن أن" و"أم أس أن بي سي" تأثير الغزو الروسي على المدنيين الأوكرانيين تغطية تعادل ضعف ما أعطته لتأثير حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، على الرغم من أن عدد الشهداء المدنيين في غزة خلال الإطار الزمني المخصص كان أعلى بنسبة 500% من عدد الضحايا في أوكرانيا.

وذكر مذيعو "سي أن أن" ومراسلوها وضيوفها المدنيين الأوكرانيين على الهواء 15593 مرة بين 24 فبراير و4 يونيو/ حزيران 2022. في المقابل، ذكروا المدنيين في غزة 7569 مرة من 7 أكتوبر 2023 إلى 14 يناير/ كانون الثاني 2024، فيما ذكر العاملون في "أم أس أن بي سي" وضيوفها المدنيين الأوكرانيين على الهواء 13941 مرة مقابل 7493 مرة للمدنيين في غزة.

شهدت البرامج الحوارية والإخبارية التي تبث في ساعة الذروة على "أم أس أن بي سي" تفاوتاً هائلاً في الإشارة إلى الضحايا المدنيين في غزة وأوكرانيا. على سبيل المثال، ذكرت راشيل مادو وضيوفها في البرنامج الذي يحمل اسمها المدنيين الأوكرانيين 3.4 مرات أكثر من المدنيين في غزة. أما في برنامج "ذا لاست وورد" مع لورانس أودونيل، فقد ذكر المقدم وضيوفه المدنيين الأوكرانيين 2.3 مرة أكثر من المدنيين في غزة، فيما ذكرت نيكول والاس في برنامجها "ديدلاين" المدنيين الأوكرانيين 3.2 مرات أكثر من نظرائهم الفلسطينيين.

أما برامج "سي أن أن" فقد شهدت تغطية أكثر تكافؤاً بقليل لحال السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، وإن بقي حضور المدنيين الأوكرانيين أعلى بنسب تصل إلى الضعف. هذا التحسّن جاء بسبب ثلاثة برامج هي "ذا ريد أوت" و"أيمن محيي الدين" و"فريد زكريا جي بي أس"، التي أعطت مساحة متساوية للشهداء المدنيين في قطاع غزة والضحايا المدنيين في أوكرانيا.

وأشار "ذا نايشن" إلى أن نسبةً كبيرةً من الإشارات إلى الوفيات المدنية في برامج الشبكتين كانت عابرة ومختصرة، وغالباً ما سبقت بعبارة "وفقاً لمسؤولي الصحة الذين تديرهم حماس"، باعتبار ذلك نوعاً من التشكيك في مصداقيتهم. فاستخدمت شبكة "سي أن أن" عبارة "تديره حماس" 247 مرة، مقابل 137 مرة عند "أم أس أن بي سي". مع العلم أن استخدام هذه العبارة وشبيهاتها بدأ إثر مجزرة مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر التي نفذتها إسرائيل، لكنها اتهمت حركة الجهاد الإسلامي بارتكابها.

وعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية ومنظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" قد أكدت علناً صحة هذه الأرقام، إلّا أنّ ذلك لم يمنع الشبكتين الأميركيتين من الاستمرار في استعمال عبارات وتسميات متشككة، في الوقت الذي لم تستعمل فيه صياغات مماثلة للإشارة إلى إجمالي عدد الضحايا الأوكرانيين أو القتلى الإسرائيليين في السابع من أكتوبر.

الخلاصة الرابعة: ذكرت "سي أن أن و"أم أس أن بي سي" كلمتي "جريمة حرب" أو "إبادة جماعية" أكثر من 17 مرة في سياق الحديث عن الحرب الروسية على أوكرانيا مقارنة بحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة.

وخلال الثلاثين يوماً الأولى من تغطية الشبكتين للحرب في أوكرانيا، استخدم مذيعوها وضيوفها عبارتي "الإبادة الجماعية" و"جرائم الحرب" 1790 مرة، مقارنة بـ104 مرات عند الحديث عن العدوان الإسرائيلي على غزة.

خلال فترة التحليل، أشارت "سي أن أن" إلى المدنيين الفلسطينيين على أنهم عرضة لـ"الإبادة الجماعية" خمس مرات و"جرائم الحرب" 57 مرة، فيما أشارت إلى أن الأوكرانيين عرضة لـ"الإبادة الجماعية" 157 مرة و"جرائم الحرب" 774 مرة. أما "أم أس أن بي سي" فقد أشارت إلى أن الفلسطينيين عرضة لـ"الإبادة الجماعية" سبع مرات و"جرائم الحرب" 35 مرة، بينما أشير إلى الأوكرانيين 118 مرة على أنهم يتعرضون لإبادة جماعية، كما استعملت عبارة "جرائم حرب" 741 مرة.

ولفت معدو التقرير إلى أنّ مزيجاً من العنصرية المعادية للعرب وللمسلمين سمح بتغييب حقيقة الدور الأميركي في قتل الفلسطيينيين، عبر تسليح الاحتلال بالقنابل والدعم العسكري، ممّا جعل الحرب على غزة تبدو أشبه بموقع كارثة طبيعية، بدلاً من الإضاءة على حقيقة ما يجري بصفته عملية قتل جماعي، بنية إبادة جماعية موثقة.

وأشاروا إلى أنّ تحليل الفترة الأولى من الحرب يكشف عن ازدواجية المعايير في التعاطف مع الضحايا، وكيف تم تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وتصوير قتلهم حدثاً عرضياً وغير مقصود، بينما يتم وضع مقتل الأوكرانيين والإسرائيليين ضمن سياق أخلاقي ومتعاطف. كما خلصوا إلى ضرورة العمل على خلق تغطية أكثر عدالة وأقل انحيازاً إلى الواقع القائم في قطاع غزة.

المساهمون