سيلين ديون وليدي غاغا: غناء تحت الحلقات الخمس

04 اغسطس 2024
ليدي غاغا في حفل الافتتاح (أريس مسينز/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سيلين ديون اختتمت مراسم افتتاح الألعاب الأولمبية 2024 في باريس بأداء أغنية "أنشودة إلى الحب" على شرفة برج إيفل، في أول ظهور فني لها منذ أربع سنوات بعد معاناتها مع متلازمة "المرء المتصلّب".

- ديون أعلنت عزمها على العودة إلى الغناء رغم التحديات الجسدية والنفسية ووفاة زوجها، كما جاء في فيلم وثائقي على نتفليكس.

- ليدي غاغا افتتحت الحفل بأغنية "Mon Truc en Plumes" مع عرض مستوحى من العروض الترفيهية الباريسية القديمة، مصاحبة بفرقة جاز نحاسية.

تحت أنوار الحلقات الخمس، شعارُ الأولمبياد الذي يرمز إلى اجتماع قارات العالم، وقفت المغنيّة الكندية سيلين ديون على شرفة عند أعتاب برج إيفل، وسط مدينة باريس، مرتديةً فستاناً أبيض برّاقاً، لتختُمَ بصوتها مراسم افتتاح الألعاب الأولمبية، ومعلنة بدء دورة عام 2024. على الرغم من تلبّد السماء بالغيوم وزّخات المطر المتفرّقة، فإن ديون تألقت أمام عشرات الآلاف من المحتشدين في الطرق والساحات، والملايين من المتابعين خلف الشاشات، حيث قدّمت أغنية "أنشودة إلى الحب" (Hymne À L'Amour)، رائعة أيقونة الغناء الفرنسي في منتصفَ القرن الماضي إديت بياف (1915 ــ 1963).

تُستهلّ الأغنية التي صاغتها المؤلفة الفرنسية مارغريت مونو (1903 ــ 1961) بمقدمة أوركسترالية درامية وشاعرية. تستمر الوتريات في مصاحبة الغناء، الذي يحمل في خطوطه اللحنية روحاً رومانسية مشرقة، تنسجم مع معاني الكلمات المغمورة بيقين الحب، التي وضعتها بياف بنفسها، إذ تبدأ بمقطع يقول: "السماء الزرقاء فوق رؤوسنا قد تنخسف، والأرض تحتنا قد تنهار. إلا أنّني لا أهتم بكل بهذا، إن كنت تحبني، ولا أبالي بالدنيا كلّها".

تُعدّ المشاركة الأولمبية لديون في 26 تموز/ يوليو الماضي، التي استمرت لنحو خمس دقائق، الظهور الفني الأول لها أمام الجمهور منذ أربع سنوات، قضتها وقد ناهزت 56 عاماً، في مقارعة ملحميّة مع اعتلالٍ عصبيّ نادر وغامض يُعرف بمتلازمة "المرء المتصلّب" (Stiff person syndrome). يؤدي المرض إلى انقباضات عضليّة مفاجئة ولاإرادية على درجة من القوة بحيث يمكن لها أن تكسر أحد أضلع القفص الصدري، أو أن توقف عضلة القلب نهائياً، ناهيك عن احتمال اختلاج الصوت أثناء الغناء في حال أصابت التشنّجات العضلات المحيطة بالحنجرة والحبال الصوتية. إضافةً إلى مصابها، تصاحب تشخيصها مع صراع مرير موازٍ خاضته إلى جانب زوجها المنتج الكندي لأم لبنانية وأب سوري رينيه أنجيليل، جراء إصابته بسرطان أدى في النهاية إلى وفاته سنة 2017.

سيلين ديون في افتتاح أولمبياد باريس (Getty)
سيلين ديون في افتتاح أولمبياد باريس (Getty)

إلا أن ديون، وبعد رحلة طويلة من العلاج الفيزيائي والدوائي، تخلّلها قرارها الاعتزال وما رافقه من معاناة وآلامٍ جسدية ونفسية، أعلنت منذ قرابة الشهر عزمها على العودة إلى الغناء، حين صرّحت بحماسة وتصميم قائلة: "إن لم أقو على الركض نحو خشبة المسرح فسوف أمشي، وإن لم أقو على المشي، فسأزحف". وفي سياق فيلم وثائقي تناول قصّتها، بعنوان "أنا: سيلين ديون" (I Am: Celine Dion)، رُفِع أخيراً على منصة نتفليكس، ردّدت بعزم وحزم: "لن أقف، لن أقف".

انطلاقاً من هنا، يمكن النظر إلى أن أداءها أغنية بياف "أنشودة إلى الحب" بعد طول الغياب والعذاب، على المعايير "الديونية" المعهودة ذاتها من التناهي التقني والتعبير الخارق للعادة، على أنه رمزي وبمثابة تتويج أولمبيّ لفنانة استثنائية، ولقاء تسطيرها ملحمةً شخصيةً، انتهت باستعادة شغفها المهنيّ ومسار مسيرتها الفنية، التي لطالما تماهت أناها بها، لتغدو غاية وجودها الأولى والأخيرة.

عند أول المساء نفسه، وعلى عتبات درجات مطليّة باللون الذهبي تفضي إلى أحد الأرصفة الحجرية المُشرفة على نهر السين، كانت ضيفة أخرى، هذه المرة من الولايات المتحدة الأميركية، قد افتتحت مراسم الحفل الأولمبي، على طراز العروض الترفيهية التي ميّزت العاصمة الفرنسية في فترة ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين، إذ قدمّت فنانة البوب ليدي غاغا الحائزة على عدد من جوائز غرامي أغنية بعنوان Mon Truc en Plumes، والتي تعود إلى مطلع ستينيات القرن الماضي، وتعرف من خلال أداء المغنية الاستعراضية وراقصة الباليه الفرنسية زيزي جان ماري.

على رشقات هارمونية تعزفها فرقة جاز نحاسية احتلت منصّة مجاورة على ضفة السين، ظهرت ليدي غاغا محاطةً بمجموعة من الفتية من راقصات وراقصين، وقد احتجبت عن عمد خلف سعوف ريش ورديّ اللون. تتوقف الموسيقى فجأة، ليُسمع وقع كعب حذائها الأسود العالي، تهبط به السلّم درجة درجة. قبل أن تسفر عن وجهها وسط اشتعال حماسة الجمهور، ستؤدي بواسطة ساقيها، وبصحبة الراقصين، حركات تعود بالمشاهد إلى العهد الذهبي لعروض الكباريه الباريسي في منتصف القرن الماضي.

تُغني ليدي غاغا مقاطع الأغنية على دفعات، مُصاحبةً بمجموعة من الآلات الوترية، جرى تسجيلها مسبقاً ثم عزفها بتقنية الإعادة (Playback)، تتخللها وقفات، وتملأها ردودُ جوقة (كورال) على طراز موسيقى الجاز والسول، تحاكي فرق الجاز المعروفة باسم Big Band. يقود مسار تصميم اللوحة الراقصة الفنانة نحو آلة بيانو، حيث ستجلس إليها، لتبدأ بعزف ارتجالات على ما سبق من أنغام، وإن بأسلوب متمهّل ومُرسل، سوف يؤسس قنطرةً موسيقيةً، لن تستمر طويلاً قبل أن تعود حيوية وديناميكية الرقص حتى الختام، تتخللها ارتجالية منفردة على آلة الترومبيت، بأسلوب الراغ تايم، مصاحبةً بتكرار جملة "بام بام بيرام" ترددها الجوقة الغنائية.

المساهمون