سيدي بوسعيد تواجه مخاطر الانزلاق الأرضي

16 مايو 2024
اللونين الأبيض والأزرق باتا العلامة المميزة للمنطقة (فريديريك سلطان/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ضاحية سيدي بوسعيد بتونس، تشتهر بموقعها الجبلي وقربها من قرطاج، وتتميز بمعمارها الأبيض والأزرق وأزقتها المعطرة بالياسمين، مما يجذب الزوار محليًا ودوليًا.
- كانت مصدر إلهام لفنانين ومفكرين عالميين مثل علي الرياحي، باتريك برويال، بول كلي، محمود درويش، وميشال فوكو، ما يعكس غناها الثقافي والفني.
- تواجه تحديات مثل الانزلاقات الأرضية والإهمال، لكن السلطات تعمل على حمايتها وتأمل في إدراجها ضمن التراث العالمي لليونسكو لتأكيد قيمتها.

تعدّ ضاحية سيدي بوسعيد الجبلية، شمالي العاصمة التونسية (20 كيلومتراً عن وسط العاصمة)، واحدة من أهم المعالم السياحية المطلة على البحر في تونس؛ إذ تقع على منحدر صخري يطل على ضاحية قرطاج التاريخية.

هذه المنطقة هي قبلة الزوار من تونسيين وأجانب لوجود العديد من المعالم التاريخية فيها، مثل قصر النجمة الزهراء. كما تتميز بمعمارها الخاص؛ فجلّ المباني فيها بنيت بطريقة تقليدية، مع طلائها باللونين الأبيض والأزرق اللذان باتا العلامة المميزة للمنطقة. وتنتشر في أزقة المدينة روائح الياسمين التي تزين بأزهارها جلّ المنازل في الضاحية.

وكانت منطقة سيدي بوسعيد قبلة الفنانين من موسيقيين؛ إذ غنى عنها الفنان التونسي الراحل علي الرياحي والفنان الفرنسي باتريك برويال، كما كانت مزاراً ومحطّ إقامة لفنانين تشكيليين عرب وأجانب من أشهرهم الفنان السويسري الألماني بول كلي الذي خلّد الطابع المعماري لهذه الضاحية في لوحاته.

واتخذ العديد من الشعراء والمفكرين مدينة سيدي بوسعيد مقر إقامة أيضاً، ومنهم الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش والمفكر الفرنسي ميشال فوكو إلى جانب المؤلف الموسيقي الفرنسي من أصول ألمانية البارون ديلارنجي الذي شيّد في المنطقة قصره المعروف باسمه، واقتنته الدولة التونسية سنة 1988، ليصبح اسمه قصر الزهراء، وهو واحد من أبرز المعالم السياحية للمدينة، إلى جانب مقهى سيدي الشبعان والأسواق التقليدية.

لكن اليوم، هذه الضاحية مهددة بالاندثار بسبب الانزلاقات الأرضية التي تعاني منها، فقد أكد المدير العام لوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي، مهدي بلحاج، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية في تونس "وات" (وكالة تونس أفريقيا للأنباء)، أن هضبة سيدي بوسعيد مهددة بانزلاق أرضي يصعب إلى الآن تقدير خطورته ودرجة الانزلاقات المتوقع حدوثها، إلا بعد إجراء الدراسات الضرورية لكشف هذه المخاطر.

وأرجع بلحاج مخاطر الانزلاقات الأرضية التي قد تتعرض إليها الهضبة المطلة على البحر الأبيض المتوسط إلى الانجراف البحري، خاصة أن نوعية التربة التي تتكون منها الهضبة تجعلها قابلة للتآكل. وأضاف أن الأمطار من العوامل المحفزة لحدوث هذه الانزلاقات، مشيراً إلى وجودها تحت قصر النجمة الزهراء. بالإضافة إلى إهمال بعض سكّان الهضبة لها، خاصة مع تراكم فضلات البناء التي زادت من حدة هذه المخاطر. وأشار بلحاج إلى أن هناك مساعي للحدّ من هذه المخاطر قيد الدراسة الآن، حتى لا تتعرض المنطقة إلى ما قد يؤدي إلى اندثار بعض أجزائها.

بدوره، أوضح كاتب عام بلدية سيدي بوسعيد ورئيسها بالنيابة، صالح العمراني، أن "الطبيعة الرملية لمنطقة سيدي بوسعيد وقربها من البحر، يجعلانها عرضة لخطر الانزلاقات الأرضية، ما يهدد المباني التي تميز المدينة ذات الطابع المعماري الخاص". وأشار إلى "أن الدولة التونسية شرعت في إعداد دراسات عملية لإنقاذ الهضبة من الانزلاقات؛ وقامت وزارتا الشؤون الثقافية والفلاحة بالاستعانة بمختصين في الجيولوجيا للبحث عن الحلول الممكنة للحد من ظاهرة الانزلاق، من خلال التشجير وتقوية الأرضية بالإسمنت المسلح". وقال إن "هناك دراسات أُنجزت في هذا المجال، وستطبق وفقاً لطبيعة المخاطر"، فالتهديدات التي تشهدها المدينة، حتى الآن، بحسب العمراني "ليست كبيرة، لكن الإجراءات الاحترازية والوقائية مطلوبة حتى لا تحصل هذه الانزلاقات، مثل منع جولات السيارات في بعض المناطق حماية للتربة، وكذلك تجديد شبكة تصريف مياه الأمطار".

يذكر أن تونس تسعى من خلال وزارة الشؤون الثقافية إلى إدراج منطقة سيدي بوسعيد في التراث العالمي؛ إذ أعدّت ملف حول هذه المنطقة وجماليتها وعمقها التاريخي، ليوجه إلى منظمة اليونسكو حتى تدرس إمكانية إدراجها في قائمة التراث العالمي.

ويؤكد الملف على الطابع المعماري المميز للمدينة وعمقها التاريخي؛ إذ كانت جزءاً من مدينة قرطاج التاريخية، وعرفت باسم قرية حدشت باللغة الفينيقية الكنعانية، ليتغير اسمها بعد ذلك إلى جبل منارة قرطاجنة. وسميت في سنة 1893 بمدينة سيدي بوسعيد، نسبة إلى أبي سعيد الباجي، المتصوف الشهير الذي رحل إلى المدينة سنة 1230 ميلادية ودفن في هضبتها.

المساهمون