سوق الدبلجة الفرنسية... أصوات في استوديوهات المغرب

25 ابريل 2024
من مسلسل "لا بروميسا" الذي يدبلج في المغرب (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- استوديوهات الدبلجة المغربية تتميز بتكلفة منخفضة وتجذب الإنتاجات الأفريقية والفرنسية بفضل الجالية الفرنسية والامتداد الأفريقي، مع تنوع في الإنتاجات من دراما تركية إلى كورية.
- السوق المغربي يستفيد من جالية فرنسية كبيرة وتكاليف إنتاج منخفضة، مع توسع شركات مثل هيفينتي لتلبية الطلب المتزايد على الدبلجة للفرنسية وأسواق أخرى.
- يواجه قطاع الدبلجة المغربي تحديات تشمل البنية التحتية وتدريب الممثلين، بالإضافة إلى المخاوف من تأثير التطورات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي على المهنة.

تشق استوديوهات الدبلجة المغربية طريقها في سوق الدبلجة الصوتية داخل فرنسا، إذ يستعين المغرب بامتداده الأفريقي والمقيمين الفرنسيين، وانخفاض التكلفة داخله، للتوسّع وتحقيق الإيرادات، بحسب تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية أخيراً. 

وتعير فانيسا لوفيفر (57 عاماً) صوتها مرتين في الأسبوع لشخصية إسبانية في مسلسل "لا بروميسا" الذي سيُبَث موسمه الأول (122 حلقة) في فرنسا في سبتمبر/أيلول 2024 على قناة C8. بدأت في يناير/كانون الثاني الماضي، وتعمل ثماني ساعات في الأسبوع حتى مايو/أيار، وتوفر الدبلجة للوفيفر دخلاً شهرياً قدره 1200 يورو. تقول لوفيفر المقيمة في مدينة الدار البيضاء المغربية منذ تسع سنوات: "لم يكن هذا هو نشاطي الرئيسي، لكنه أصبح كذلك بسرعة كبيرة".

وعند وصوله إلى العاصمة المغربية في نهاية الثمانينيات، عمل إيريك كوفيلير، المدرب المتقاعد البالغ من العمر 68 عاماً، في أول استوديو دبلجة في المغرب. وقد دبلج إلى الفرنسية أصوات الممثل الأيرلندي غابرييل بيرن، والأميركي مايكل كلارك دنكان، وشخصية بودو هيلمر الكرتونية. ويعمل عادة على إنتاجات برازيلية أو تركية، تتم دبلجتها إلى الفرنسية في المغرب، لبثّها بعد ذلك في أفريقيا الناطقة بالفرنسية أو في أقاليم ما وراء البحار الفرنسية من خلال التلفزيون الفرنسي أو قنوات "تي في 5 موند" و"أورنج" و"كنال بلس".

أرخص ثلاث مرات

في الآونة الأخيرة، دخلت الدراما الكورية الجنوبية الناجحة إلى استوديوهات الدبلجة في الدار البيضاء، حيث تبثّ قناة نوفيلاس تي في التابعة لـ"كنال بلس" الموسم الأول من "عطر الكذب" باللغة الفرنسية. يشارك فيه بصوته أوليفييه موتليه-لاكور (50 عاماً)، وهو مستشار سابق يقيم في المغرب منذ 2012، وقد غير حياته قبل ثماني سنوات ليتفرغ للدبلجة.

ولم تكن دبلجة الأفلام والمسلسلات باللغة الفرنسية موجودة في المغرب في بداية الألفية، لكنها تطوّرت بسرعة كبيرة حتى وضعت المملكة في المركز الثالث خلف فرنسا وبلجيكا، كما يوضح المؤسس المشارك لاستوديو ساوند ستامب، يوسف الزين، الذي يشرح أن شركته تحقق 70 في المائة من مبيعاتها من السوق الناطقة بالفرنسية. ويلفت الزين إلى أن هذه الأرباح لم تصنعها أفلام أو مسلسلات هوليوودية شهيرة على "نتفليكس" أو "أمازون برايم"، بل إنتاجات ذات ميزانية متوسطة أو منخفضة مخصصة بشكل أساسي لأفريقيا، إذ إن "الأفارقة مغرمون بالمسلسلات الطويلة. دبلجة مائة حلقة في فرنسا ستكون مكلفة للغاية، لذلك اختار الموزعون القيام بذلك في الدار البيضاء".

ووفقاً للمدير العام في شمال أفريقيا لشركة هيفينتي، التي استحوذت عليها عام 2022 شركة ترانسبيرفيكت الأولى عالمياً في مجال الترجمة، ماكسيم مونتويا، فإن العملية في المغرب ستكون أرخص بما يصل إلى ثلاث مرات مما هي عليه في فرنسا؛ إذ تتراوح بين 30 و50 يورو لكل نصف يوم، أو ما بين 30 و50 جملة حوارية، في حين أن الرسوم في فرنسا تبلغ قرابة 110 يوروهات لكل سطر إلى ستة أسطر من النص.

50 ألف فرنسي

بالإضافة إلى انخفاض التكاليف، يستقطب المغرب خدمات الدبلجة الفرنسية بسبب وجود نحو 50 ألف فرنسي رسمياً في البلاد، ما يجعلها خصبة بالأصوات المطلوبة للسوق الفرنسية، من دون استفادتهم من مزايا مهنة الممثل الصوتي في فرنسا. ففي المغرب، لا توجد مدارس للدبلجة أو أسعار منظمة، ولا تكاليف إضافية عن حقوق النشر.

انطلقت "هيفينتي" في الدار البيضاء قبل عامين، وقد توسعت من استوديو واحد إلى ثمانية استوديوهات. قرابة 15 في المائة من الإنتاجات التي دبلجتها عام 2023 كانت مخصصة للسوق الفرنسية، بينما توزّع الباقي بين أفريقيا وكندا وسويسرا. أما بالنسبة لعدد الممثلين الصوتيين الذين تستخدمهم الشركة، فهو يصل اليوم إلى أكثر من مائة، ولكن مع بضع عشرات فقط من الأصوات المؤكدة. هذا العدد لا يزال قليلاً. تقول فانيسا لوفيفر: "لقد صادف أنني دبلجت شخصيتين في نفس المسلسل، لدرجة جعلتهما تتحدثان مع بعضهما بعضاً!".

ومع دبلجة ما بين عشرين إلى ثلاثين عملاً لكل منها في عام 2023، سجلت الاستوديوهات التي شملتها الدراسة في المغرب نمواً مضاعفاً في مبيعاتها. وتناقش إحداهما إمكانية استحواذها على شركة رئيسية في مرحلة ما بعد الإنتاج في فرنسا بحلول 2025.

ويقول الزين إن الممثلين الصوتيين في بلجيكا "يشعرون بالرعب" من فكرة دبلجة المزيد من الإنتاجات في المغرب، "نؤكد في هيفينتي أن ثلاثة أرباع الأفلام المدبلجة بالفرنسية في عام 2023 هي بتكليف من استوديوهات الدبلجة الأوروبية". ويقول أوليفييه موتليه-لاكور "إن فكرة النقل هذه لا تزال مرفوضة". ووفقاً له، فإن جودة الدبلجة في المغرب تحسنت، لكن ضعف البنية التحتية وغياب تدريب الممثلين يعيقان أي ميل إلى المنافسة مع السوق الفرنسية أو البلجيكية.

اللافت أن هذه الانتعاشة التي يشهدها المغرب في مجال الدوبلاج، تأتي في ظل التطوّر الذي تشهده تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إذ يبدي كثير من الممثلين، حول العالم، خوفهم من أن مهنتهم تتعرّض إلى تهديد، كونه أصبح متاحاً للاستوديوهات توليد ما تشاء من الأصوات عبر الذكاء الاصطناعي، ووضعها على الأفلام والمسلسلات، وحتى ألعاب الفيديو.

المساهمون