درس سرمد ياسين السينما في البصرة، حيث نال البكالوريوس، قبل حصوله على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة بغداد. له أفلامٌ روائية عدّة، منها "سماء الخوف" و"السابعة" (2010) و"إنّها بيضاء" (2011) و"كلّهم هاملت" (2015) و"3 وجوه" (2016) و"ميموريال" (2018) و"العائد" (2019). كان من مؤسّسي "مهرجان القمرة السينمائي"، الذي يُعدّ من المهرجانات السينمائية المهمة في العراق. بمناسبة فيلمه الجديد "يوم لا ظل" (2021)، التقته "العربي الجديد" في هذه المقابلة.
ماذا عن فيلمك الجديد "يوم لا ظل"، فكرة وموضوعاً وأسلوب معالجة؟ وهل أنجز؟
العمل في فيلمٍ قصير ممتع للغاية. إنّه تحدٍّ هائل، لأنّك تتحدّى الزمن لتُقدّم فكرة ناضجة، وهذا أمرٌ كبير، فعلياً وواقعياً. صُنع فيلمٍ قصير يُعطي معنى، وتتوفّر فيه جماليات الفنّ والدراما والمعالجة والتأثير، وكيف تكون قادراً على إنتاج منظومة بصرية، تتعالى فيها صيحة الجمال والرقة والمشاعر. الفيلم القصير متعة لا يشعر بها إلاّ صانعها، وبغزارة.
انشغلت أفلامٌ كثيرة بموضوع الإرهاب، من دون الخوض في مواضيع أخرى.
الخوف والتخويف من الإرهاب، ومن كلّ ما يحيط به من أفكارٍ، أمسيا جزءاً واسعاً من حياتنا، فلماذا لا نُسلّط الضوء عليه، ونحاول أنْ نقدّم نموذجاً لوحشية الحياة، لعلّ الناس تتعظ وتركن إلى نموذج الإنسانية الأسمى، المتشكّل والمتمثّل بالصدق والعطاء؟ المواضيع الأخرى، والإنسانيات والعلاقات والأحداث جزء من الحياة. والسينما بوجودها حياة. أسعى، في الأيام المقبلة، إلى إخراج فيلمٍ سينمائي تعليمي، يتناول الأسلوب الذي يجب أن تكون عليه السينما، وبشكلٍ جديد نسبياً.
هل تساهم المهرجانات في تطوير السينما؟ هل شاركت أفلامك في مهرجانات سينمائية؟ ماذا عن كثرة المهرجانات في العراق؟
المهرجانات في العراق تنمو بشكل عكسي. تنمو لتصبح حفرة تبتلع الغثّ والسمين من الأفلام، لأنّها لا تنتقي بشكل شفّاف. أفلامٌ كثيرة مُشاركة لا تستحقّ تسمية فيلمٍ، بل أي شيء آخر. المهرجانات العراقية، حتّى هذه اللحظة، تخصّ المدن التي تُقام فيها، أو أنّها مهرجانات احتفالية.
الفيلم العراقي القصير محبوسٌ في مهرجانات العراق فقط، لأنّه لا يستطيع المنافسة في المهرجانات خارجه. الفيلم العراقي القصير طيرٌ كسير، لا يستطيع التحليق أعلى من جدار بيت المخرج، ومُقيّد بضعف الإنتاج والفكرة والتسويق. النهضة السينمائية لا تصنعها المؤسّسة التعليمية، ولا منصّات الخطابة السينمائية المهرجاناتية.
السينما، كصناعة جمالية، تحتاج إلى تمويل دولة، باذخ وحقيقي. من دون تدخل الدولة، النهوض والتنوير السينمائيان غير ممكنين. أنتَ تصنع عوالم جديدة وسحرية، لهذا أنتَ تحتاج إلى تدخّل حكومي منصف. يجب أنْ تجد البديل التعليمي خارج الأكاديمية، التي ـ قطعاً ـ لا تصنع مخرجين وكتاباً وتقنيين، بل تُخرّج أناساً درسوا الفن والسينما، وهم غير مهيّئين لدخول مصنع السينما، بالتأكيد. ربما تستغرب عندما أقول إنّي لم أرسل أفلامي إلاّ إلى مهرجانات معدودة، ومهرجانات كبيرة فقط. لي فيلمان شاركا في مهرجانات سينمائية كبيرة. "إنّها بيضاء" في مهرجانَي دبي وساندانس، و"سماء الخوف السابعة" في مهرجان الخليج وفي مهرجان آخر في إسبانيا.
أنت أكاديمي متخصّص في السينما. هل أثّر ذلك على عملك في السينما؟
لم يؤثّر الفعل الأكاديمي على العمل السينمائي. عملي الأكاديمي مرتبط مباشرة بقسم الفنون السينمائية والتلفزيونية، وفي صناعة الأفلام وتطويرها لدى الطلبة بشكل عام. هذا زاد من الخبرة والتراكم المعرفي في مضمار صناعة السينما ودراستها. الارتباط عضوي بين الدرس الأكاديمي والواقع الإبداعي السينمائي.
"مهرجان القمرة السينمائي"، الذي تتولّى إدارته، من المهرجانات المتميّزة في العراق. ما سرّ تميّزه؟
أنْ نقول إنّ "مهرجان القمرة السينمائي" متميّز، فهذا جميل ومفرح. سرّ تميّزه أننا لا نجامل، ولا نصنع مهرجاناً للترفيه، ولا مهرجاناً جامداً وجافاً. نحاول دائماً أنْ نكون متوازنين في معادلة الترويج والتسويق له. يهدف المهرجان إلى تحقيق منصّة سينمائية، تحرّك الوضع، وتساهم في تسليط الضوء على السينما المتغيّرة والمغايرة، التي تُساهم في بناء المجتمع، وفق ترتيب تراكمي كمّي يُغيّر، وإنْ ببطئ. تميّز هذا المهرجان يأتي من احترافيته، ومحاولة محاكاة تجارب كبيرة في مضمار إدارة المهرجانات الناجحة. أعتقد أنّنا وُفّقنا، نسبياً، في ذلك.
كيف تتجاوزون، كسينمائيين شباب، معضلة إنتاج الأفلام وتمويلها في العراق؟
التمويل والحصول على مالٍ لإنتاج فيلمٍ سينمائي معضلة حقيقية، ومشكلة كبيرة يعانيها المخرجون. أنْ تُنتج فيلمك بمالك الخاص، تجربة فاشلة، لأنّها لا تعطي النضوج الفني والفكري والجمالي للفيلم. ستكون تجربة مجتزأة وناقصة، وتحمل أعباء كثيرة في الصناعة، وتظهر العيوب، ولا تكمل العجلة دورتها كاملة، وتؤثّر على الانطباع العام. الفيلم بسيط الإنتاج عبءٌ على السينما لا إضافة لها، لأنّه غير ناضج. مجابهة نقص التمويل والمنح يجب أن تأخذها الدولة على عاتقها، بصفتها المصدر الأول والأخير لاحتضان الإبداع.
ما رأيك بالمشهد السينمائي في العراق، وتوجّه الشباب بهذا الشكل إلى السينما؟
دول الشرق الأوسط والخليج تسبق العراق بأشواط في مضمار السينما، بل إنّها أنتجت أفلاماً كبيرة وناضجة. في كلّ التجارب السينمائية استثناءات. في العراق، التجارب ضالة، لا تعرف مسارها، ولا تحمل همّاً فكرياً، فهمومها عاطفية أو تعكس الفاجعة العراقية. لهذا، لا تجد لها صدى مسموعاً ومرغوباً في المحيط السينمائي، خاصّة المهرجانات الكبيرة. ليست العاطفة ما تبحث عنه السينما، بل كيف نوظّف العاطفة لنكون بشريين وإنسانيين أكثر، لا أنْ نكون بكائيين. هذه هي السينما.