سحب كتابين لصحافي مصري يعمّق الجدل حول مصادرة الكتب في معرض القاهرة

05 فبراير 2023
أحد أجنحة معرض القاهرة للكتاب (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

"فرحة لم تكتمل" هكذا قال الكاتب الصحافي المصري أنور الهواري، تعليقاً على سحب كتابيه "ترويض الاستبداد" و"الديكتاتورية الجديدة" من أرفف معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وبالإضافة إلى فرحته بصدور كتابيه، عبّر الهواري عن فرحة "عامة"، لأنّ في الكتابين نقداً صريحاً لنظام الحكم، ومن ثم فإنّ السماح بنشرهما دون أي عقبات يعتبر "مؤشراً طيباً" على قدر من التسامح تبديه السلطة الحاكمة تجاه الرأي المختلف، كما قال.

وكتابا الهواري ليسا الوحيدين اللذين سُحبا من المعرض، فقد سبق ذلك كتاب عن الصهيونية. ولفت الهواري، في منشور له بصفحته الشخصية على "فيسبوك"، الجمعة، إلى أنّ إنزال الكتابين عن الأرفف جرى بقرار "غير معلوم جهته، ولا سند له من القانون، وانتقلت بموجبه الكتب من الأرفف المفتوحة إلى الكراتين المغلقة".

وأكد أنّ "التسامح مع الرأي المختلف، ومن ثم وجود الكتابين وغيرهما، مما ينطوي على نقد لنظام الحكم فوق الأرفف في معرض القاهرة للكتاب، كان هو القرار الصائب والتقدير السليم والسياسة الصحيحة من جانب من بأيديهم القرار، وكان ينبغي أن ينتصر ويستمر هذا التوجه الرشيد حتى نهاية أيام المعرض".

وأوضح الكاتب أنّ ما ورد في الكتابين من نقد للسلطة هو قليل جداً من كثير جداً، يتهامس به وفيه وعنه وحوله المصريون، عامتهم وخاصتهم ومن كل الطبقات، ومن ثم فـ"ليس في الكتابين من جديد غير شيء من التعبير المكتوب عن بعض ما يدور في أفكار المصريين".

وتابع "لم أزد في الكتابين عن محاولة أن أكون بعضاً من لسان الشعب، بصدق وأمانة، قدر ما اجتهدت وما استطعت، فيما أخطأت وما أصبت، مؤكداً أن الحل ليس في رفع الكتابين من فوق الأرفف، وليس في تجاهل وإنكار ما يتهامس به المصريون فيما بينهم، إنما الحل في إتاحة حريات التعبير والنشر والصحافة والإعلام لكل المصريين، والتسامح مع الرأي المختلف، والحل في احترام حقوق الناس، وفي دولة الدستور والقانون".

سحب كتاب "تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها"  

وتسود حالة من الغموض والجدل حول ظاهرة سحب الكتب من العرض بمعرض القاهرة للكتاب، فمع منع كتاب "تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها" من العرض في أجنحة الدار، ثم عودته، لم يعرف أحد حقيقة ما جرى بالضبط، وهل صدر قرار أمني بالمنع، أم هو قرار إداري من الدار نتاج ضغوط، وهل القرار يخص عنوان الكتاب وموضوعه المتعلق بالحركة الصهيونية أم بغلافه فقط؟ وهل عاد الكتاب للعرض في المعرض بعد تضامن مغردين مع الناشر والمؤلف، أم أنّ الأزمة برمتها مفتعلة لإحداث "دعاية" مجانية للكتاب، تحققت بالفعل؟

وقال المؤلف محمد مدحت مصطفى، وهو أستاذ بكلية الزراعة بجامعة المنوفية، لـ"العربي الجديد": "في أول أيام المعرض أبلغني المؤلف بمنع الكتاب، ثم جاءني اتصال من رقم خاص لا تظهر بياناته، يبلغني بأنه ممنوع من التداول في المعرض". وتابع مصطفى أنّ أصدقاء له توجهوا إلى جناح الدار ولم يجدوا الكتاب بالفعل.

وكان مصطفى وجّه الشكر على صفحته الشخصية في "فيسبوك" لـ"من تضامنوا مع حرية التعبير حتى عودة الكتاب"، في إشارة إلى أنّ عودته إلى أرفف جناح الدار بالمعرض جاءت بفضل حالة التضامن على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتباينت خلال اليومين الماضيين تقديرات معنيين بالحركة الثقافية بشأن الأمر، واعتبر مقربون من مسؤولي هيئة الكتاب، المنظمة للمعرض، أنّ المسألة لم تخرج عن ملاحظات قدمها موظف بإدارة الهيئة للناشر بشأن الغلاف "المسيء لجماعة بشرية، هم اليهود، بصورة نمطية متكررة تقدح في الخلقة"، حيث حمل الغلاف صورة منتشرة لليهودي بالأنف المعقوف وعينين بنظرة ماكرة، وظهر محدودب، دون التعرض لمضمون الكتاب الذي تتاح مثله عشرات الكتب في أجنحة المعرض لم يتعرض لها أحد، ومنها موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لمؤلفها الراحل عبد الوهاب المسيري.

وأكد مدير النشر في دار المنتدى، الناشرة للكتاب، سيد صابر، أنّ "جهات أمنية طالبت برفع الكتاب من جناحها في معرض القاهرة الدولي للكتاب دون إبداء أسباب واضحة". وأوضح، في بيان نشر على صفحة الدار في "فيسبوك"، أنها تعرضت  لـ"ضغوط" وصفها بـ"القوية" في أول يوم للمعرض، وكانت الضغوط عبارة عن أسئلة من أشخاص ينتمون لمؤسسات أمنية عن الكتاب ومحتواه، وطلب هؤلاء نسخة لمطالعته.

أما بيان دار المنتدى فيشير إلى أنّ ما جرى هو قيام الدار بسحب الكتاب من الأرفف لاستبيان الوضع، عقب هذه "الضغوط"، ثم جرت مناقشات بين أعضاء إدارة الدار تقرر على إثرها أنه لا بد من عرض الكتاب في جناح الدار، لأنه "يستحق" أن يكون بين يدي القراء، والدار "لن تتراجع عن دورها التنويري ونهجها الثقافي"، بحسب البيان، فـ"الفكر يرد عليه بفكر، التزاماً بدور الدار الثقافي والقومي"، دون الإشارة لما ستفعله الدار مع ضغوط الأمن الضمنية بالمنع.

وقال ناشر، رفض الإشارة إلى اسمه، إنّ الدار المذكورة تسعى لإحداث ضجة حول الكتاب لترويجه وبيعه، وهي حيلة معروفة ومتكررة من قبل ناشرين كل عام مع انعقاد المعرض، ومما ساعد في رواج الخبر تزامنه مع بيان لوزارة الخارجية المصرية يدين قيام فلسطيني بقتل مستوطنين، فضلاً عن التقارب المصري الإسرائيلي الحاصل في العلاقات بين الحكومتين، والذي ازداد دفئاً منذ عام 2014.

واعتبر الناشر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ ما جرى من سؤال أفراد أمن لمسؤولي الدار عن محتوى الكتاب ومطالعة نسخة منه "إجراء طبيعي يحدث مع بعض الكتب ذات المحتوى السياسي"، مستنكراً في الوقت نفسه الإجراء، لكنه ليس من قبيل الضغط، فـ"الضغوط لها أساليب يعرفها الجميع، وليس بمقدور أحد مقاومتها أو مواجهتها"، وفق تعبيره.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين جدلاً واسعاً بشأن منع تداول الكتاب، حيث ربط مغردون بين المنع وبين بيانات رسمية تدين "المقاومة الفلسطينية".

المساهمون