سجالات ونظريات مؤامرة... ماذا يحصل على مواقع التواصل الأميركية؟

12 يناير 2021
سجال واسع بعد اقتحام الكونغرس (Getty)
+ الخط -

بعد أن أغلقت منصات وسائل التواصل حسابات الرئيس الأميركي، منتهي الولاية، دونالد ترامب، واتهمه معارضوه، في الداخل والخارج، بأنه استخدم المنصات تلك للتحريض على العنف و"صبّ الزيت على نار العنصرية"، كما ذهبت بعض الصحف الاسكندينافية، التي استغرب بعضها تأخر "تويتر" في إغلاق حساب الرجل، يستمر سجال واسع خلفه هجوم أنصاره على مبنى الكونغرس، يوم الأربعاء الماضي، حول "الجانب المظلم" من "نظرية المؤامرة". 

ولعله من المثير في وسائل التواصل التي ينشط عليها أنصار نظرية التفوق العرقي، ومؤيدو ترامب المتطرفون، وليس الذين صوّتوا للرجل بناء على وعود وسياسات الحزب الجمهوري، إصرارهم على "نظرية المؤامرة"، لتفسير ظواهر كثيرة ليست في مصلحتهم. فمنذ انتشار صورة "رجل الفايكنغ"، أو بالأحرى صاحب القرنين؛ جاكوب أنتوني تشانسلي (جاك أنجلي أو كيو أنون شامان)، قيل إنه لم يكن في الواقع سوى "عضو في أنتيفا (حركة مناهضة الفاشية) أرسلته ليخترق أنصار ترامب"، أثناء اقتحام الكونغرس. وعلى الرغم من أن الرجل اعتقل، بل ظهرت صوره واضحة، بما يحمله من وشوم واضحة على جسده تشير إلى الانتماء إلى اليمين المتطرف، ظلّت مساعي أنصار ترامب لترديد "نظرية المؤامرة"، عن قصة اختراق أنتيفا تحركاتهم. اليمين المتطرف، وخصوصاً جماعات التفوّق العرقي، المؤمنة بنظرية المؤامرة، لم تتردد لوقت طويل في تفسير الظاهرة التي تنقلب ضدهم على أنها أيضاً "مؤامرة". 

فاقتحام مبنى الكابيتول، وبعد همجية الصور التي صدمت الأميركيين والصحافة العالمية، "كان عملية مريبة" في بعض تغريدات أنصار المعسكر، ومنهم معسكر التطرف العرقي، كتغريداتكاري كيليمين في يوم الاقتحام، على صفحتها في "تويتر"، حيث يتابعها أكثر من 120 ألف أميركي، والتي استغربت تزامن الاقتحام "مع كلمة كان يلقيها ترامب"، ورمت شكوكاً تعزّز نظرية تآمر "أنتيفا" بارتداء ملابس مؤيدي ترامب لاقتحام الكابيتول، وانجر الآلاف وراء تلك الادعاءات، التي حاولت ربط "جاك أنجلي" بأنتيفا، وأنه ظهر ذات يوم في تظاهرة لحركة "حياة السود مهمة"، فيما الصورة الكاملة تشير إلى أنه كان يحمل يافطة تقول "كيو أنون أرسلتني"، بتلك الشكوك، ومحاولة الظهور كـ"ضحايا". 

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

 

وفي سياق الرصد هذا يمكن ملاحظة كيف أن أحد أكثر المتشددين لترامب؛ لين وود (قبل أن يغلق تويتر حسابه)، نشط أيضاً لنشر أخبار زائفة ومضللة تبعد التهمة عن أنصار ترامب، ويلصقها من خلال تلاعب بالصور والتشكيك فيها بأنصار "أنتيفا". تناولت بعض الصحف الأوروبية والأميركية محاولات وود، ومن بينها تقرير "بزنس انسايدر" يوم 7 يناير/ كانون الثاني، أي بعد يوم من الاقتحام. استغل نشطاء اليمين المتطرف نظرية المؤامرة ليستمروا في حرف الأنظار عما جرى واستخدم بعضهم يوتيوب، كما فعلت منظرة أخرى لنظرية المؤامرة؛ جينا ماريا كولفن هيل، لإلصاق التهمة بأنتيفا باعتبارها محاولة لـ"تشويه" حركتهم المسماة اختصاراً "ماغا" (جعل أميركا عظيمة مرة أخرى). وبعضهم لم يتردد في اتهام "الماسونية" في التآمر على ترامب وعلى البيض. 

هناك عشرات الأمثلة على إصرار أنصار اليمين المتطرف لدفع تهم النازية والفاشية عنهم، فيما الصور والفيديوهات التي تناقلتها الصحف العالمية، وأشارت إليها "واشنطن بوست" في تقرير عن فحص الصور، تشير بوضوح إلى أن هذا التجمع المتطرف هو عبارة عن خليط من مؤيدي نظرية التفوق العنصري الأبيض والنازيين الجدد. الأعلام النازية، ليس في الاقتحام فقط، بل في تظاهرات اليمين المتطرف لا يمكن أن تخطئها عين القارئ، ومحاولة ساذجة باعتبار "المطرقة"، دليل على أن المقتحمين "شيوعيون"، وهي محاولة بائسة، إذ يعرف عن النازيين الجدد (وهو ما كشفه منذ زمن موقع أنتيفا في فيلادلفيا) استخدام "مطرقة ثور" (من الميثولوجيا الاسكندينافية كرمز للتفوق الأبيض أو الآري). 

يبدو أن الصورة التي ظهر عليها هؤلاء في اقتحام الكونغرس، وتشبيه البعض تصرفاتهم بدور برابرة القبائل الجرمانية  في سقوط روما، كما فعل متابعون دنماركيون على تويتر باستعراض أن "التاريخ يكرر نفسه"، (بنشر لوحة تُظهر الجرمانيين بقيادة الملك جيزريك في مدينة روما في 2 يونيو/ حزيران 455 م، وما تبع ذلك نهب لمدة أسبوعين) أضرت عملياً بمعسكر مؤيدي ترامب، فراحوا يخترعون نظرية مؤامرة أخرى. 

 

ما يمكن رصده أن تويتر تحوّل، رغم خسارة ترامب لموقعه، إلى منبر لساسة اليمين المتطرف، ومن بينهم النائب الجمهوري عن فلوريدا مات غيتز (المصنف في اليمين المتطرف وكان قد خسر أكثر من 800 ألف متابع)، في تسويق نظرية أن من اقتحم الكونغرس هم جماعة "أنتيفا"، كما نقلت أيضاً عنه "واشنطن بوست" يوم الخميس الماضي. ولم تتردد صحافية "فوكس نيوز"، لاورا إنغراهام، المؤيدة بشدة للتطرف اليميني، في استخدام صفحتها على تويتر طيلة الأيام السابقة لتأكيد نظرية المؤامرة. بل لعله من المثير أن تذهب صحافية في غمرة ما تشهده أميركا من نقاش عن الحركة النازية إلى أن تشارك مقالاً يتساءل: "لم يتجه الأطباء أكثر فأكثر نحو النازية؟"، ما دفع معلقين إلى نشر فيديو قصير يظهرها وكأنها تؤدي التحية النازية. 

 

لم يُثير الرقم 1488 سجالاً؟ 
لسنوات طويلة بقي معسكر التطرف العرقي، سواء في أميركا أو أوروبا، يميل كثيراً إلى إضفاء نوع من السرية على صلاته بالنازية الجديدة، كما أنه معسكر يحبّ التعامل بالرموز والشيفرات لجذب مؤيدين في صفوف الشباب والمراهقين. وبعيد اقتحام الكونغرس عاد التشنج العرقي ليطل برأسه على الساحة الأميركية، وخصوصاً على مواقع التواصل (والتي أغلق بعضها؛ مثل منصة Parler، بعد أن جاهر بشكل غير مسبوق في نازيته وفاشيته واعتبار ما يجري بداية لحرب عالمية ثالثة). وبرز في السجالات الرقم النازي 1488؛ وهو لا يعبر عن حدث معين في القرن الخامس عشر، بل كناية عن 14 كلمة بالإنكليزية We must secure the existence of our people and a future for white children (يجب أن نضمن بقاء شعبنا ومستقبلاً للأطفال البيض)، فيما 88 كناية عن رقم مكرر لحرف "إتش" H والتي تعني Heil Hitler. 

السجال الذي أشعله الرقم 1488 وصل إلى حد امتلاء "تويتر"، ومنصات تواصل أخرى، بفضح هذا الرمز النازي لجماعات التفوق العرقي الأبيض. ولا يستخدم الرمز فقط على الأراضي الأميركية، بل هو، إلى جانب غيره من الرموز كرمز "6MWE" (ستة ملايين لم يكونوا كفاية)؛ كناية عن ضحايا المحارق، و"مطرقة ثور" و"الصليب الدامي"، كلها منتشرة في دول شمال وغرب وشرق أوروبا، في استدعاء لتمجيد النازية، حتى لدى أجيال عانت بلادها من ويلات الاحتلال النازي، كما في بعض دول "مجموعة الشمال" (كما في الدول الاسكندينافية وبولندا والنمسا وغيرها).   

 

وخلال سجالات الأيام الأخيرة في أميركا أدخل مراقبو الحركات النازية ورموزها سلسلة "وول مارت" الأميركية الشهيرة على الخط، كغيرها من المتاجر، بسبب استخدامها في أسعارها التخفيضية الرقم 1488، معتبرين إياه نوعاً من التأييد للأفكار النازية الجديدة، التي تركز على "حماية مستقبل الأطفال البيض"، ومواجهة "مؤامرة استهداف العرق الأبيض" عموماً. وتتعرّض "وول مارت" هذه الأيام لحملة، مع غيرها، على مواقع التواصل، تطالبها بـ"التوقف عن العنصرية ووقف تلك التسعيرة الرمزية"، واستعاد البعض تاريخ تسويق المتاجر لقميص نازي في 2006. 

 

وإذا كان البعض يتهم أنصار ترامب بأنهم مهووسون بـ"نظرية المؤامرة" فإنه في المقابل ثمة من يتهم "أقصى اليسار" الأميركي أيضاً بهوس مشابه، وإن كان مناقضاً للأول، ودخوله في التفتيش عمّا يعتبره "رموزاً نازية" في أميركا، مطالباً حتى بمنع الرقم 1488 في موقع شرطة لوس أنجليس. 

 

في كل الأحوال فإن الأيام الماضية التي شهدت غلياناً في المشاعر والتخاطب الأميركي، لا ينظر إليها مؤيّدو نظرية المؤامرة على أنها انتهت باقتحام الكونغرس، بل من المثير أن يذهب البعض على تويتر إلى اتهام دونالد ترامب نفسه بأنه يقوم بتدمير أميركا. وعلى الرغم من أن الرجل أغلقت مواقعه فإن استمرار السجال بين المعسكرين يتوقع أن يحتدم حتى بعد بداية حقبة الرئيس الجديد جو بايدن.  

المساهمون