"سارقات" فرنسيات: صدمة مُشاهدة بعد قراءة حوار

01 ديسمبر 2023
أديل إكزارْكُبولس: جمالٌ تحول المبالغة دون متعة مُشاهدة أدائه (مارك بيازيكي/WireImage)
+ الخط -

 

قراءة مادة صحافية عن فيلمٍ قبل مشاهدته غير ناجعةٍ، دائماً. هذه مسألة تُناقَش، ارتكازاً على سؤال: أيّهما أفضل، القراءة (مقالة، حوار، تحقيق، رواية مُقتَبسة) قبل المُشاهدة، أم بعدها؟ الاطّلاع على صحافة ونقد سينمائيين أجنبيّين، في مدينة عربية كبيروت، مهمّ وضروري، كقراءة مادة صحافية أو مقالة نقدية تتناولان فيلماً أجنبياً (تحديداً)، أو حوارَ عامل ـ عاملة فيه (تمثيل، تقنيات، إلخ)، ربما يتمكّن المُقيم في تلك المدينة من مُشاهدته في وقتٍ ما. لكنْ، هل يحول مضمون المادة ـ المقالة ـ الحوار دون تنبّه صافٍ وعفوي لقارئ يرغب في المُشاهدة؟ والناقد، ألا يُفترض به الفَصْل بين قراءةٍ قبل المُشاهدة، والمُشاهدة بحدّ ذاتها؟

لا إجابة شافية، أو حاسمة. أحياناً، أقرأ نقداً أو تحليلاً صحافياً أو حواراً أو تحقيقاً مهنيّاً قبل المُشاهدة، وأحياناً أخرى غير قارئ أياً منها. هذا مزاج. التجربة مفيدة، فالقراءة والمتابعة ضروريتان في المهنة، لكنّهما غير مؤثّرتين في رأي، لأنّهما معاينة آراء وتحاليل، أو هكذا يُفترض بهما أنْ يكونا أساساً. الاطّلاع مهمّ، لا أكثر. الاستسلام لرأي آخر مُصيبة، غير مرتبطة بالسينما فقط، بل بشؤون حياتية مختلفة أيضاً. الاطّلاع مهمّ لتكوين وعي معرفي، يجب أنْ يساهم فيه تفكير وتأمّلٌ خاصّين. معرفة كيف يُقارب آخرون وأخريات فيلماً، أو قضية ـ شخصية سينمائية، جزءٌ من الاطّلاع والمعرفة.

الدافع إلى كتابة هذا متأتٍ من قراءة حوار (مع مقدّمة تمزج التحليل بمعلومات ومعطيات) مع الفرنسية مِلاني لوران، مخرجة "سارقات"، ومؤدّية أحد الأدوار الرئيسية فيه، منشور في العدد الأخير (نوفمبر/تشرين الثاني 2023) من "بروميير" (مجلة سينمائية شهرية فرنسية)، والحوار منسحبٌ على ممثلاته الـ3 أيضاً، إيزابيل أدجاني وأديل إكزارْكُبولس ومانون بْرِش. القراءة سابقة على المُشاهدة (نتفليكس)، ومضمون الحوار محرِّض عليها، لما فيه من كلامٍ عن النسوية والاشتغال السينمائي الذي يحترم المرأة، كما عن مسارات شخصيات ومصائرها، وعلاقات النساء بأنفسهنّ وبصديقاتهنّ، وغيرها من المسائل ـ الأسئلة المشابهة والمُكمِّلة لها.

 

 

مواضيع آنية ومُلحّة. أفكارٌ عامة، وأقوال تكشف أسلوب عمل وتفاصيل علاقات مهنية. المأزق أنّ المُشاهدةَ تُفاجئ بابتعادٍ شبه تام عن المقروء، المُتعلّق بـ"سارقات"، وبفضاءاته الدرامية والجمالية والفنية والثقافية، وبشخصياته النسائية، وأداء ممثلاتٍ فيه مُبالَغة نافرة أحياناً، خاصة إكزارْكُبولس، التي تُبرز جمالها، مُرفقة إياه مع بنية جسدية قتالية حادّة، وقدرة فائقة على إسقاط أكثر من "درون" بسلاحٍ فرديّ (هناك استخفاف سينمائي عام، منذ أعوام، في استخدام الـ"درون" من دون حاجة درامية غالباً، وهذا نافر ومزعج)، وتدخين شره فيه تصنّع. إنّها قنّاصة محترفة، لكنّ المُبالغة في أداء الدور يحول دون متعة اكتشاف حِرفية التمثيل.

أمّا ثنائية الإخراج والتمثيل، مع لوران، فغير ناجعةٍ، رغم أنّ "سارقات" (2023) مشغولٌ بحِرفية مهنية عادية، والتشويق متمثّل بمطاردات ومعارك (مُملّة أحياناً، رغم ندرتها) بالأيدي والأرجل (!)، وهذه قليلة أصلاً، لكنْ يُمكن تنفيذها سينمائياً بشكل أفضل. أدجاني، المُنتظَر حضورها السينمائي دائماً، تُفاجئ بأداءٍ غير متوافق مع مهاراتها وشغفها، و"حماستها" للشخصية والفيلم معاً، وللعمل مع لوران أيضاً (كما في الحوار، على الأقلّ).

رغم هذا، تبقى القراءة ضرورة، و"التأثّر" بها قبل المُشاهدة، مع ندرته، يُفترض ألا يتكرّر. أمّا "سارقات" (كتابة مِلاني لوران وكريستوف دِلاند وسِدْريك أنجي، عن قصص مُصوّرة بعنوان La Grande Odalisque، لجيروم مولو وفلوران روبِّرت وباسْتيان فيفَسْ، في جزأين صادرين عامي 2012 و2015)، فمجرّد فيلمٍ إضافي، تبثّه "نتفليكس" في لائحة أفلامٍ عادية لها، أو أقلّ من العاديّ، أحياناً.

المساهمون