يتزايد التركيز على شركة ميتا (فيسبوك سابقاً) خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً بعد إعلان ثاني أكبر مديرة تنفيذية نفوذاً، شيريل ساندبرغ، استقالتها، إذ يبدو أن المؤسّس مارك زوكربيرغ يريد تعزيز سيطرته على كافة أذرع الشركة وينوي البقاء رئيساً لها "لسنوات طويلة جداً".
هذا التوجه انعكس واضحاً في تصريحات المسؤول عن الشؤون الدولية في شركة ميتا والنائب السابق لرئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ، إذ اعتبر أن بقاء مارك زوكربيرغ رئيساً لشركة ميتا "لسنوات طويلة جداً" أمر طبيعي. ورأى أن لا سبب يدفع زوكربيرغ إلى ترك الشركة طالما أنّ المشروع لم يتحقق.
وقال لوكالة فرانس برس، على هامش قمة الأميركيتين في لوس أنجليس، الأربعاء: "من المنطقي أن يرغب مارك (زوكربيرغ) في الاستمرار بمهامه في ميتا، لتولي كتابة الفصل الجديد في المجتمع، وهو ما سيحتاج إلى سنوات طويلة جداً"، وأضاف أنّ زوكربيرغ "هو مؤسس شركة ميتا، لكنه أيضا مهندس الفصل الجديد وتقنيات الواقع المعزز والافتراضي".
تصدرت التغييرات في إدارة "فيسبوك" أخيراً عناوين وسائل الإعلام، بعدما أعلنت شيريل ساندبرغ استقالتها، علماً أنها عملت إلى جانب زوكربيرغ على مدى 14 عاماً. وفيما تخلى رؤساء شركات تكنولوجيا عملاقة أخرى مثل أمازون وتويتر وغوغل عن مهامهم، لم يشر زوكربيرغ إلى رغبته في التنحي، رغم الجدل الكبير القائم حول استغلال "فيسبوك" بيانات مستخدميها الخاصة بالإضافة إلى انتشار المعلومات المضللة على نطاق واسع فيها.
نهاية عام 2021، أعاد زوكربيرغ تسمية الشركة الأم التي تنضوي فيها منصاته لتصبح "ميتا"، في إشارة إلى التحول نحو "ميتافيرس"، وهو مجموعة من العوالم المتوازية يتم الوصول إليها بشكل أساسي من خلال منصات الواقع المعزز والافتراضي، ويصفه زوكربيرغ بأنه مستقبل الإنترنت. واستحوذت "فيسبوك" عام 2014 على شركة أوكيولوس المتخصصة في تصنيع خوذ الواقع الافتراضي. وجذبت هذه التقنية عدداً كبيراً من محبي ألعاب الفيديو، ومن بينها "فورتنايت" و"روبلوكس". لكنّ كليغ رأى أنّها تشكل أيضاً فرصة كبيرة لتسجيل إنجازات في مجالي التعليم والطب.
يستخدم المنصات التابعة لـ"ميتا" شهرياً نحو 3.6 مليارات شخص، وتبلغ قيمة الشركة التقديرية حالياً أكثر من 500 مليار دولار أميركي.
لا يمكن الحديث عن الوضع الحالي للشركة ونفوذ زوكربيرغ فيها من دون استعادة العلاقة التي جمعته خلال أكثر من عقد بساندبرغ. كان الاثنان يعقدان اجتماعاً كل أسبوع، في خطوة لها دلالتها الواضحة على إدارتهما معاً لعملاق التواصل الاجتماعي. ولكن عندما قالت ساندبرغ (52 عاماً)، إنها ستتنحى من منصبها في "ميتا" هذا الخريف، أثارت تغييراً غير معلن في شركة التكنولوجيا العملاقة: أصبح زوكربيرغ وحيداً على رأس السلطة التي لن يقاسمه إياها أحد بعد الآن.
صحيح أن زوكربيرغ عيّن خافيير أوليفان، وهو مسؤول مخضرم في "ميتا"، لتولي منصب ساندبرغ، إلا أنه قلّص بوضوح من صلاحيات هذا المنصب. وأصبح لدى زوكربيرغ (38 عاماً)، الآن ــ بدلاً من ساندبرغ ــ أربعة مديرين تنفيذيين لديهم مسؤوليات كبيرة. هذا التحول الهيكلي الذي اعتمده زوكربيرغ أراد من ورائه تعزيز سيطرته على أذرع الشركة كلها، وفق ما كشف ثلاثة أشخاص مقربين منه لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأربعاء.
كان زوكربيرغ دائماً رئيساً بلا منازع، وخاصة أن غالبية أسهم التصويت في الشركة في يده، غير أنه تقاسم السلطة مع ساندبرغ حين كان أصغر سناً ويحتاج إلى المساعدة في توسيع الشركة. لكنه الآن يتمتع بخبرة عمرها أكثر من 18 عاماً، ووفقاً للمقربين منه الذين تحدثوا لـ"نيويورك تايمز"، فإنه يريد ممارسة نفوذه كله وفرض نفسه على أنه الزعيم الوحيد في "ميتا".
أما المسؤولون التنفيذيون الأربعة حوله فهم: كبير مسؤولي التكنولوجيا أندرو بوسورث، ورئيس الشؤون العالمية نيك كليغ، ومدير المنتجات كريس كوكس، وخافيير أوليفان الذي كان يرأس قسم النمو. كل واحد من هؤلاء الأربعة لديه مسؤوليات كبيرة. كليغ هو الوجه العام وسفير شركة ميتا، وبوسورث يقود الشركة نحو عوالم ميتافيرس، وكوكس يشرف على مجموعة التطبيقات إنستغرام وماسينجر وواتساب وفيسبوك، وأوليفان سيكون مسؤولاً عن التحليلات والبنية التحتية والنمو.
ولكن لا يتمتع أي منهم بالنفوذ نفسه الذي كان لدى ساندبرغ التي كانت تدير كل العمليات التجارية بينما يشرف زوكربيرغ على تطوير منتجات "فيسبوك". وكان زوكربيرغ قد أوضح، في تعليقه على استقالة ساندبرغ، أنّ أحداً لن يتولى مهامها السابقة، وأن أوليفان سيكون مدير العمليات الجديد في "ميتا" لكن دوره سيكون أكثر تقليدية، ويختلف عن المركز الثاني في القيادة الذي تمتعت به هي.